الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

(يوسف وريم).. قصة صمود شعب يتمسك بأمل العودة للديار

مع بدايات عام 2019، صدر للفنان «محمد حماقى» ألبوم غنائى، بعنوان (كل يوم من ده)، هذا العمل الفنى احتوى على العديد من الأغانى التى تفاعل معها الجمهور بشكل كبير، ومن ضمن هذه الأغانى، (الحكاية حكايتنا)، من كلمات وألحان «ودود»، وتوزيع «رامى سمير».



الأغنية كان بها كل المكونات التى يحبها المصريون: كلمات عاطفية، ألحان بها حالة من الشجن تعبر عن الاشتياق، وتوزيع موسيقى على إيقاعات «المقسوم»، وفواصل موسيقية لا تكرر نفس الجمل اللحنية التى يغنيها «حماقى» لكى لا يشعر المستمع بالملل من تكرار الألحان. ولذلك حققت الأغنية أكثر من 14 مليون مشاهدة على «يوتيوب» بخلاف نسب الاستماع الديجتال على المنصات الإلكترونية.

ولكن المفاجأة التى أعلن عنها الكاتب والملحن «ودود»، أن هذه الأغنية العاطفية، لا تتحدث بالأساس عن افتقاد الحبيب لحبيبته، ولكن الفنان حاول أن يصف شعوره تجاه والده المتوفى، والذكريات التى جمعتهما سويًا فى الكثير من الأماكن المختلفة، وأنه برغم الفراق بالأمر الإلهى، إلا أنه ينتظر فرصة أخرى للقاء.

بعدها قابلت «ودود» صدفة فى مهرجان القاهرة السينمائى، وتعرفت عليه، وتحدثنا عن السينما وعن أنواع الأفلام التى يفضلها، ولم أكن أعلم فى وقتها من هو، ولم يخبرنى هو أنه صانع هذه الأغنية التى يحبها الملايين، ولكنه كان كثير الحديث عما يدور فى مجال الغناء، وأن الصناعة أصبحت مقتصرة على الحديث عن علاقة الرجل بالمرأة، وأن الحياة ليست مقصورة على هذا الأمر فقط.

وقبل انتهاء اللقاء أخبرنى من هو، وأعجبت جدًا بطريقة تفكيره، مع العلم أنه وقتها كان صانع عدد لا بأس به من النجاحات مع «تامر حسنى، مصطفى قمر، آمال ماهر، حمادة هلال، جنات»، والمفارقة أنه تقريبًا بعد هذه النجاحات ابتعد عن سوق موسيقى الـ «pop»، وقام بتدشين مشروعه الخاص ليغنى عن الحالات الإنسانية من منظور أوسع، ويبتعد عن مواضيع «بحبك وبتحبينى»، وما إلى ذلك، والأهم أنه يقدم كل هذه المواضيع بشكل لا يشبه أى منتج غنائى آخر يقدم فى السوق العربية، ويرجع له الفضل فى هذا كونه يكتب ويلحن أغانيه بنفسه، ولذلك هو يعبر عن نفسه بشكل صادق وفق منهج فنى، وليس مجرد «مؤدى»، يعمل بثقافة «السوبر ماركت» كما حال الكثيرين فى الوسط حاليًا.

آخر هذه الإصدارات لـ«ودود» كانت أغنية تتحدث عن القضية الفلسطينية، يبدأ الفيديو المخصص للأغنية بمقولة للأديب البرتغالى «جوزيه ساراماجو» الحاصل على نوبل للأدب يقول فيها «الفرق بين الإنسان والحيوان هو قدرة الإنسان على الأمل»، كتعبير نقدى مهذب للتصريحات الحقيرة التى قالها «جالانت» وزير دولة الاحتلال الصهيونية ووصفه للفلسطينيين بالحيوانات البشرية، وربما ما يقصده «ودود» أن هذا الشعب الصامد لو ينتمى للحيوانات كما قال هذا المنحط، فلماذا إذًا يتمسكون بالأمل؟! وهذا هو الفارق الجوهرى بين الإنسان والحيوان كما قال أديب نوبل فى بداية «الكليب».

ثم تبدأ الأغنية فى سرد قصة طفلين «يوسف وريم»، ورحلة علاقتهما التى نشأت فى عام النكبة 1948، والحديث عن معاناة التهجير وهدم المنازل والاحتفاظ بـ«مفاتيح المنازل» على أمل العودة من جديد، وتوريث هذا الأمل بالعودة لجيل بعد جيل حتى وصلنا إلى هذا اليوم.

ومن حيث تنفيذ هذه الأغنية، أثناء سرد القصة كان التوزيع الموسيقى يعتمد على الموسيقى الحالمة وكان بطلها البيانو، ثم انتقلت إلى مرحلة الغضب عند الحديث عن وفاة الطفلين لتتحول الموسيقى الحالمة إلى «rock» صاخبة لتتماشى مع الحالة الثورية.

والأجمل من كل ذلك هو التعبير بالرسم عن المحتوى بدلاً من الأداء التمثيلى التقليدى لكل الفيديوهات، أو استخدام مشاهد حقيقية قد تعيق انتشار الفيديو على المنصات التى ترفض توثيق بشاعة الاحتلال الصهيوني.

ويبقى الأهم من كل ذلك، هو التعبير عن جوهر القضية الفلسطينية بشكل إنسانى بسيط، دون استخدام الشعارات الوطنية القومية، أو تحويل الصراع إلى قضية دينية كما يحدث دائمًا فى كل الأعمال التى تتحدث عن احتلال فلسطين.

وفى النهاية، هذا المقال يدعو السادة القراء إلى متابعة أعمال هذا الفنان والاستماع إلى إصداراته الغنائية المختلفة عما يقدم على الساحة حاليًا، لأنه يستحق ذلك.