الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هل فقدت «هارفارد» مصدقيتها؟

هل فقدت «هارفارد» مصدقيتها؟

لسنوات طويلة ظلت جامعة هارفارد مثالا للجامعات العالمية التى يطمح الطلاب والباحثون فى كل العالم للالتحاق بها، ويفخر خريجوها والباحثون وأعضاء هيئة التدريس بالانتماء إليها باعتبارها صرحا علميا كبيرا، وكانت بحق مثلا للكمال العلمى حتى أن 79 من الحاصلين على جائزة نوبل من خريجيها، كما تشتهر فى الأوساط العلمية أن أبحاثها هى الأكثر مصداقية بسبب دقتها وتطبيقها القواعد البحثية بصرامة تامة، الآن هل يجب أن نعيد النظر فى وضع هذه الجامعة وهل تستحق حقا هذه المكانة الكبيرة والمتفردة؟ وهل بالفعل أبحاثها العلمية شفافة وموضعية أم أنها لا تخلو من الهوى، وأنه يمكن توجيهها لصالح دول أو من أجل مصالح شركات عالمية وكيانات كبيرة لتحقيق أغراض أخرى غير علمية؟، أقول هذا بمناسبة الموقف المخزى والبعيد عن أى موضوعية الذى اتخذته الجامعة العريقة ضد الفلسطينيين ولصالح العدوان الإسرائيلى على غزة، بعد خضوعها للابتزاز الصهيونى واللوبى الإسرائيلى واستسلامها وعدم دفاعها بقوة عن «كولدين جاى» رئيسة الجامعة التى أجبرت على ترك منصبها بعد تعرضها لضغوط وانتقادات بمزاعم «معاداة السامية» لاعتبارها المظاهرات ضد إسرائيل داخل الحرم الجامعى ضمن نطاق «حرية التعبير»، وكأن القائمين على الجامعة لم يروا الدماء المسفوكة والقنابل التى تهدم البيوت والمدارس والمساجد والكنائس وتقتل الأطفال والنساء والعزل وتدك المستشفيات على رؤوس الأطباء والقوائم الطبية والمصابين دون رحمة، أغمضوا أعينهم عن خطف الرضع بعد قتل أهلهم وتفاخر الجنود الإسرائيليون باستهداف الأطفال، لم يشاهدوا الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسرى، وإذا كانوا تعاموا عن كل ذلك رغم أنه على رؤوس الأشهاد وعلى الهواء مباشرة، وخضعوا للضغوط فمن يدرينا أنهم لم يسيروا على نفس النهج ويتعاموا عن تزوير نتائج الأبحاث العلمية التى تتم فى المعامل وداخل الجدران وفى قاعات البحث المغلقة عليهم، ومن يؤكد لنا أنهم لم يخضعوا لضغوط من دول وحكومات وجهات وشركات لها مصالح ومن المانحين؟ وقد يسأل البعض ما دخل ما يحدث من عدوان غاشم على غزة بالأبحاث العلمية فى هارفارد؟ والإجابة ببساطة أن من يخضع للضغوط فى الموقف السياسى ويدلس ويتغاضى عن حقوق الإنسان فى الحياة والعلاج والمسكن والطعام والشراب ويقف مع الجانى والمجرم ضد المجنى عليه والضحية لا يستبعد عليه أن يدلس فى الأبحاث ويتغاضى عن النتائج مهما كانت أضرارها طالما تحقق مصالح أخرى، وليس هناك فارق كبير بين الاثنين ففى النهاية الضحايا هم البشر، لقد ارتكب القائمون على جامعة هارفارد جريمة علمية وإنسانية عندما وافقوا على إجبار «جاى» على الاستقالة من منصبها، ورغم أنها كتبت فى نص استقالتها أنها تعرضت لتهديدات شخصية وعداء عنصرى لم يقفوا معها بجدية وتركوها تواجه الموقف لوحدها، وكانت لجنة التعليم بالكونجرس قد حققت معها بسبب موقفها من المظاهرات، وطالب أكثر من 70 نائبًا من بينهم اثنان ديمقراطيان باستقالتها، ودعا عدد من المانحين إلى مغادرتها المنصب وهددوا بسحب منحهم المالية، وكل ما فعلته الهيئة الإدارية للجامعة هو نشر تعليق يقول: إن جاى أظهرت صمودا كبيرا فى وجه الهجمات الشخصية والمتواصلة»، لكن هذا الدفاع الواهى لم يكن كافيا لحمايتها، كما أن توقيع 500 من أعضاء هيئة التدريس فى الجامعة عريضة لدعمها لم يثمر شيئا فقد كانت الضغوط والتهديدات أقوى فاستقالت، وهو نفس ما حدث لـ«إليزابيث ماجيل» رئيسة جامعة بنسلفانيا و«سالى كورنبلوث» رئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا واللتان أرغمتا على الاستقالة من منصبيهما لنفس السبب بعد التحقيق معهما فى لجنة التعليم بالكونجرس أيضا، من المؤكد أن هناك علماء شرفاء ضمن أعضاء الجامعة ولديهم من الشرف العلمى الكثير، ولكن بعيدا عن هؤلاء فإن الضغوط التى تحكمت فى الجامعة وخاصة من المانحين وحددت لها مسارها السياسى على غير الحق والحقيقة تثير الشك تجاه بعض أبحاثها أو على الأقل نتحسب تجاهها، ولأن الفارق ليس كبيرا بين النزاهة السياسية والنزاهة العلمية فإن السؤال يظل مطروحا: كيف نطمئن لأبحاث هذه الجامعات والمعاهد التى لم تستطع حماية رؤسائها وخضعت لسطوة المانحين، ألا يمكن أن تخضع أيضا الأبحاث إلى ضغوط مماثلة من أجل أهداف لا تقل فى عدم إنسانيتها عن العدوان على غزة؟