الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أحدث أعمال العملاق «أسامة أنور عكاشة» على الشاشة: نوّة (الإسكندرانى) وحكاية الهوية واللاهوية

«نوّة برّانى جاية وواخدة الكل فى سكتها».. جملة حين تأتى على مسامعك تترجمها بالإعصار الغربى الذى يغزو كل ما هو شرقى وعربى أصيل من أعراف وعادات وتقاليد ومبادئ.



«نوّة تزيح ولا تبالى» ومن يقف فى وجه تلك النوّة بالطبع هو المُرابط على أصالته ومبادئ أجداده وعُرف بلده، وهنا يكمن الصراع المستمر من أزمنة بين الحفاظ على الهوية والأصالة وبين الانسياق لكل مستجدات العصر المستمدة من أفكار غربية هدفها الأساسى طمس كل ما هو راسخ أصيل.

صراع يعكس الفكرة الأساسية لفيلم (الإسكندرانى) المأخوذ عن رواية للكاتب الكبير «أسامة أنور عكاشة». والذى جاء على لسان أحد أبطاله تلك الجملة «نوّة برّانى جاية وواخدة الكل فى سكتها» لتحكى وتسرد بعدها أحداث تحمل عددًا من الصراعات الداخلية والخارجية.

وإذا تحدثنا عن الصراع الأساسى فى هذا العمل الفنى فهو الصراع بين «على الإسكندرانى» الذى يجسد شخصيته «بيومى فؤاد» وبين ابنه «بكر الإسكندرانى» الذى يجسد دوره «أحمد العوضى»، صراع مُعلن بين التمسك بالأصالة والهوية والعُرف والمبادئ وبين مجاراة العصر بكل ما يطمس ذلك.

صراع بين طرفين لكل منهما دوافعه النفسية التى تمت كتابتها بحرفية شديدة، فالأب «على الإسكندرانى» يدافع عن المبادئ والقيم وروح الوطن، والابن «بكر الإسكندرانى» بداخله نار الانتقام من إهانة والده له فيحاول أن يطيح بكل الأعراف والمبادئ فقط ليُثبت للجميع قوته ويستعيد نفسه من وجهة نظره، حتى وإن لم يقنعك صناع العمل بأحقية الابن فى نزعة الانتقام تلك.

 

وهناك صراع آخر بين «بكر الإسكندرانى» و«يونس» ابن عمه الذى يجسد شخصيته «محمود حافظ». وصراع من ناحية أخرى مع «قمر» التى تجسد شخصيتها «زينة»، صراع نفسى عنوانه استرداد الحقوق سواء حق «بكر» من «يونس» فى استحواذه على مسئولية محلات السمك الخاصة بوالده «على الإسكندرانى»، أو حقه فى «قمر» البنت التى يحبها «بكر» وتزوجها بدلا منه «يونس» ابن عمه بعد غياب «بكر» عنها عشر سنوات، ولكن «يونس» مقتنع أنه أحبها قبله وأن «بكر» هو من خطفها منه فى البداية.

لكن كل تلك الصراعات تصب فى النهاية داخل نفس «بكر الإسكندرانى» الذى يُعانى من تشتت ذهنى وتشوه عاطفى كبر معه منذ الصغر، فأراد أن يثبت نفسه وشخصيته وقوته بهدم الماضى بكل ما يحمله من خير وشر والبدء من جديد حتى وإن كان على أنقاض حبه الوحيد ووالده الذى يستند عليه.

ولذلك فشخصية «بكر الإسكندرانى» شخصية مُركبة تحمل الكثير من التناقضات لكن قام «أحمد العوضى» بأدائها باحترافية وصدق يثبت بشكل كبير تطور أدائه التمثيلى وقدرته على التلوين بين الشخصيات التى يجسدها، ذلك الصدق الذى يجعلك كمُشاهد تمتزج مع صراعاته النفسية وتتعايش مع حيرته وتخبطه. فتارة تتعاطف معه وتارة أخرى تكرهه.

أما «بيومى فؤاد» فى شخصية «على الإسكندرانى» فقد فاجأ المشاهد بها، شخصية تقدم مشاهد الميلودراما بإبداع لم نعهده من «بيومى فؤاد» إلا فى الكوميديا، فكونك تأخذ المُشاهد لحالة التراچيديا بذلك الصدق وهو الذى عرفك فقط ككوميديان ذلك نجاح فى حد ذاته، وأيضا «زينة» فى شخصية «قمر» فمساحة الشخصية فى العمل الفنى صغيرة كعدد مشاهد لكنها شخصية محورية أضافت لها «زينة» الكثير بأدائها التمثيلى وتماهيها مع الشخصية، و«يونس» الذى يجسد شخصيته «محمود حافظ» يأخذك كمُشاهد لصراعه الداخلى ويجعلك تندمج معه وتشعر بكل ما يُعانيه، فأتقن لغة العيون وتعبيرات الوجه بحرفية.

أما لو تطرقنا لتحويل تلك الرواية لصورة سينمائية، فالمخرج «خالد يوسف» نجح بشكل كبير فى تجسيد الحالة الدرامية ومشاهد الأكشن فى صورة سينمائية ذات إيقاع سريع مناسب للأحداث فى معظم المشاهد خاصة فى مشهد رقص الأب والابن بالسكاكين، فهى صورة مُجسدة للصراع الدائر بينهما لكل منهما رؤية ومبدأ يخالف الآخر، وما أضاف لذلك المشهد كلمات الأغنية التى تردد فى الخلفية «يخلق من ضهر الحب شيطان، يخلق من ضهر العقل جنان» وما أكثر من تلك الكلمات تعبيرا عن حالتهما!.

لكن «خالد يوسف» وقع فى خطأ إخراجى أربك معه المُشاهد، ففى مشاهد الغربة، غربة «بكر» وصديقه لم يعايش المُشاهد المعاناة والظلم الذى عاشاه فى الغربة حتى يتعاطف معهما، وبالتالى غاب الدافع الدرامى الكافى لأن يضطر أن يرتكب ما ارتكبه ليكبر ويجنى المال ويعود لينتقم لكبريائه.

فى المجمل (الإسكندرانى) عمل ثرى يُشبعك كمُشاهد بصريًا ونفسيًا ويدعوك للتطهير بعد أن تشفق على البطل وتخاف أن يحدث لك مثله وهنا يكمن رقى الدراما ومغزاها.