الجمعة 5 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المؤشر العالمى للفتوى: مصر تتصدر أكثر الدول اهتمامًا بمناهضة خطاب الكراهية

أعلن المؤشر العالمى للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم عن إصدار تقرير الحصاد الاستراتيجى السنوى لعام 2023، والذى خرج فى (200 صفحة) تحت عنوان: «دور الفتوى فى مواجهة تحديات الألفية الثالثة»، حيث اعتمد فيه على رصد وتحليل 15ألف فتوى متنوعة المصادر فى 23 دولة عربية وأجنبية على مدار العام، وكشف فيه عن وجود 4 تحديات أساسية فى عصر الألفية الثالثة، تمثلت فى تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعى على الحقل الإفتائى، وأزمة السيولة الأخلاقية، وتزايد خطاب الكراهية، وندرة الموارد الاقتصادية.



 

وأكد الدكتور طارق أبوهشيمة، مدير المؤشر العالمى للفتوى أن التقرير جاء فى أربعة أقسام، قدَّم فى قسمه الأول «تأثير الذكاء الاصطناعى على المجال الدينى والإفتائى»، مؤكدًا أن ما يشهده العالم من تطوير للآلات والروبوتات سيكون له عدة تداعيات على الحقل الدينى والإفتائى، وكاشفًا أن الذكاء الاصطناعى سيلعب دورًا قويًّا فى صناعة الفتوى مستقبلًا، ولكنه لن يحل محل المفتين بشكل كامل؛ لأن الفهم العميق للسياق الشرعى والقدرة على التفسير والاجتهاد سيبقى من اختصاص الفقهاء والمفتين البشر، فضلًا عن عدم إلمام تلك الأدوات بجميع التعابير والاختلافات اللغوية والثقافية والقرآنية، واحتمالية ضعف الخلفية الدينية لمؤسسى أدوات الذكاء الاصطناعي؛ لأن أغلب القائمين عليه حتى الآن علماء من الغرب.

ومن خلال تحليل عينة مكونة من 3000 فتوى، استحوذت القضايا والآراء المرتبطة بالذكاء الاصطناعى على 13 % من إجمالى عينة الفتاوى والآراء؛ وذلك نتيجة استخدام بعض الدول لها فى تأدية الشعائر الدينية، وقد ترجع قلة نسبتها إلى أنه لا يزال أحد المجالات غير الشائعة بالنسبة لكثير من المؤسسات الافتائية، ولم ينتشر فى المجتمعات بشكل واسع حتى الآن، وبالتالى قلة تعامل الناس مع مسائله الأخلاقية والشرعية.

وكشف مؤشر الفتوى أن 85 % من الفتاوى بشقيها الرسمى وغير الرسمى اتفقت على جواز ومشروعية التعامل بالذكاء الاصطناعى بشكل عام باعتباره علمًا من العلوم ما لم يتضمن محظورات شرعية أو يضر بالإنسان، فالأصل فى الأشياء الإباحة حتى يأتى دليل على تحريمها، فيما ذهبت 15 % من الفتاوى إلى تحريم الذكاء الاصطناعى، ومن أبرز المتبنين لذلك الرأى دار الإفتاء الكندية وفتوى إيرانية لعلى الحسينى الخامنئى، واعتمدت فى أدلتها على أن صفة الخلق من صفات الله تعالى، ووصف الذكاء الاصطناعى بالتكنولوجيا الشيطانية التى تهدف إلى استبدال خلق الله تعالى.

ضوابط الذكاء الاصطناعى

وحول أبرز القضايا التى اهتمت الفتوى بدراستها عن الذكاء الاصطناعى، كشف مؤشر الفتوى أن (35 %) من إجمالى الآراء والأخبار والفتاوى محل الدراسة دارت حول الضوابط الشرعية له، وتنوعت بين الحديث عن حكم شكل الآلات وتصميمها، وبين الغرض منها وكيفية استخدامها، وتضمنت عدة موضوعات فرعية، منها: (التركيبة الهيكلية للروبوت - حكم المحاكاة ورسم ذوات الأرواح وتحريك صور الموتى - حكم استغلال الذكاء الاصطناعى فى إعداد الأبحاث والمقالات - حكم استخدام التقنية فى كتابة القصص الخيالية - حكم تغيير الصوت والشكل من خلاله).

وتناولت (24 %) منها تجارب الذكاء الاصطناعى فى المساعدة على تأدية الفرائض والشعائر الدينية كالحج الافتراضى وروبوتات الفتوى وأداء فريضة الزكاة، وذهبت (17 %) منها حول دور الذكاء الاصطناعى فى تدقيق القرآن وسرد الأحاديث النبوية، وأثار مشروع باسم «صوت الرسول» الكثير من الجدل عبر الأوساط الدينية، وجاءت (14 %) منها حول مراقبة الهلال ورؤيته والحساب الفلكى باستخدام الذكاء الاصطناعى، فيما ذهبت (10 %) منها حول حكم التكسب عن طريق الذكاء الاصطناعى.

وأوضح مؤشر الفتوى أن الفتاوى الرسمية المتناولة للذكاء الاصطناعى شكلت (45 %) من إجمالى الفتاوى المرصودة، وجاءت المملكة العربية السعودية فى الصدارة بنسبة 35 % من إجمالى قائمة أكثر 5 دول استخدامًا وتحدثًا عن الذكاء الاصطناعى والفتوى، ويرجع ذلك إلى استخدامها للروبوتات فى تنظيم الحج والعمرة، فرأينا «الروبوت المفتى»، و«الروبوت التوجيهى» الذى يرشد الزوار والمعتمرين لأداء المناسك، وثالثًا يوزِّع المصاحف على الحجاج، وإطلاق بوابة افتراضية لزيارة المسجد النبوى عن بُعد.. وغيرها، هذا بالإضافة إلى انتشار عدد من الفتاوى حول قضايا ترتبط بالذكاء الاصطناعى مثل حكم استخدامه فى رؤية الهلال، وحكم رسم صور ذوات الأرواح عن طريق الذكاء الاصطناعى، واستخدام مغرد سعودى لتقنيات الذكاء الاصطناعى فى رسم «بقرة» بنى إسرائيل.

 تأثيرات سلبية

وأوضح مدير مؤشر الفتوى أن المؤشر توقع أن 40 % من تقنيات الذكاء الاصطناعى قد تحمل تأثيرات إيجابية فى المستقبل، تتعلق بتحسين الأداء والعملية الإنتاجية الإفتائية والترجمة الآلية ونشر التعاليم الدينية مقابل 60 % للتأثيرات السلبية المحتملة، ومنها السطحية نتيجة طريقة استقاء المعلومات، واحتمالية المساهمة فى انتشار الأمية الفكرية والدينية، والانفصال الفكرى والروحى، وتراجع الذهاب لدور العبادة، وسهولة تعرض تلك الآلات لعمليات الاختراق والاحتيال الأوتوماتيكى، والإزالة التلقائية للفتاوى والآراء الدينية، وتحريف المعنى، وعدم مراعاة القواعد الأصولية فى الفتوى.

وقدم مؤشر الفتوى عددًا من القضايا المستقبلية المتوقع طرحها مع زيادة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى، ومن بينها: (حكم زرع الروبوتات لتعزيز القدرات البيولوجية للبشر- وعقود الزواج والطلاق الذكى (التوثيق بواسطة الروبوتات) - إمامة الروبوت للمصلين - تجسيد الأنبياء والصحابة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى - حكم تصنيع أو تدمير ما يسمى بالروبوتات القاتلة - تخيل الجنة والسور القرآنية بتقنيات الذكاء الاصطناعى – تحريف الآيات القرآنية - الرحم الصناعى الروبوتى - تركيب صوت وصورة المفتى على فتاوى وآراء لا تنسب له وفبركة الفيديوهات- حكم إجراء عمليات زرع شريحة الذكاء الاصطناعى التى يمكن من خلالها تغيير مزاج الشخص تجاه الآخرين من خلال التحكم فى كيمياء المخ).

وطرح مؤشر الفتوى عددًا من التحديات والإشكاليات المتعلقة بالتأثير المستقبلى لتلك التقنيات على الوضع الدينى والإفتائى، من أهمها صعوبة تعامل الروبوتات مع الفتاوى المتضاربة والفتاوى المتطرفة التى تغزو مواقع السوشيال ميديا، وأن الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعى فى إصدار الفتاوى قد يسبب تراجع قدرة المفتين على الاجتهاد الشخصى وتحليل القضايا الدينية، وتساءل عن مدى مراعاة الروبوتات الزمان والمكان وفقه الواقع واختلاف النطاقات الجغرافية وظروف كل دولة وأحوالها الاقتصادية والسياسية عند إصدار الفتاوى.

أزمة السيولة الأخلاقية

وأضاف أبو هشيمة أن مؤشر الفتوى تناول فى قسمه الثانى دور الفتوى فى إبراز أزمة السيولة الأخلاقية على جميع المستويات الاجتماعية أو الاقتصادية أو البيئية أو التكنولوجية، مؤكدًا من خلال تحليل عينة من الفتاوى مقدارها 5500 فتوى أن العديد من الفتاوى العربية تشابهت فى إبراز مضمون مفاده أن المعضلة الكبرى التى يعانى منها العالم الآن هى «أزمة أخلاق فى المقام الأول».. وجاءت آداب وسائل التواصل الاجتماعى، والتنمر، والغش والتزوير.. كأهم القضايا الأخلاقية التى اشتركت الفتوى العربية (رسمية أو غير رسمية) فى إصدارها وتناول أحكامها الشرعية، وأظهرت أحكام الفتوى العربية تحريم الإسلام للتنمر وجميع أشكاله وأنواعه، فقد ورد النهى عنه فى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية تحت مسميات عدة؛ لأنه من المصطلحات الحديثة، فقد حرَّم الإسلام إهانة الآخرين وإيذاءهم، والاستهزاء بهم، والسخرية منهم والتنابذ بالألقاب.. إلخ.

 

وأوضح مؤشر الفتوى أن الفتوى الرسمية المصرية، خاصة الصادرة من دار الإفتاء ومؤسسة الأزهر الشريف، جاءت بنسبة (75 %) من جملة الفتاوى المتعلقة بمحور (أزمة السيولة الأخلاقية)، حيث جعلت محور (الآداب والأخلاق) مجالًا أساسيًّا على المواقع والصفحات الرسمية الموثقة لديها، وهو ما يعكس حرص تلك المؤسسات على انضباط المجتمع وأفراده فى إطار المنظومة الأخلاقية، وانفردت مصر بالحديث عن فتاوى خاصة بـ(العنف الإلكترونى، والتقويم الأخلاقى فى اختراع آلات تساعد على الانتحار، ودور وسائل الإعلام فى تشكيل القيم الأخلاقية).

واعتبرت الفتاوى المصرية أن العنف الإلكترونى يُعدُّ أكثر خطورة مجتمعيًّا من العنف التقليدى بسبب ثلاثة عوامل هى: الاعتياد عليه، واتساع دائرة الجمهور المحتمل، وصعوبة الوصول للفاعل؛ كما أكدت على أن ممارسة الألعاب الإلكترونية كانت السبب فى ازدياد ارتفاع معدل جرائم القتل والاغتصاب والاعتداءات الخطيرة فى العديد من المجتمعات خلال السنوات الثلاثين الأخيرة تحديدًا، بحسب العديد من الدراسات الحديثة.

وانفردت بعض الدول العربية بإصدار فتاوى ذات مردود أخلاقى، مثل اليمن وفتوى إطلاق الأعيرة النارية فى المناسبات، وسلطنة عمان وفتوى تشويه الطبيعة بالحرق والمخلَّفات، والأردن وفتوى التقاط صور للمريض أثناء احتضاره، وسوريا وفتوى تفتيش العنصر الأمنى لهواتف المواطنين.

وعلى مستوى الدول الأجنبية؛ برزت قضيتان اشتركت فيهما الدول التى قام مؤشر الفتوى برصدها خلال العام الماضى، وهاتان القضيتان هما أخلاقيات التعامل مع التكنولوجيا الحديثة بنسبة 60 %، ومشاهدة المواد الإباحية بنسبة 40 %. 

 مواجهة خطاب الكراهية

وتابع مدير مؤشر الفتوى أن المؤشر فى قسمه الثالث، اهتم برصد وتحليل عينة من 3000 فتوى ورأى خاصة بقضايا الكراهية، وبنسبة 32 %، جاءت السويد فى صدارة دول أوروبا من حيث تنامى خطاب الكراهية، وذلك نتيجة للحوادث المتكررة لحرق القرآن الكريم رغم ادعائها بدعم الحريات الدينية، فيما جاءت الهند فى صدارة دول آسيا بنسبة 29 %، وذلك فى ظل صمت السلطات الهندية الحاكمة عن الاعتداءات على المسلمين من قبل الجماعات الهندوسية القومية.

وفى فرنسا كشف مؤشر الفتوى أن الأزمات الاقتصادية، والإعلام الفرنسى، وسيطرة الإخوان الإرهابية على المؤسسات الدينية هى أبرز الأسباب التى تقف وراء تنامى العنصرية المعادية للمسلمين فى فرنسا خلال العام، كما لاحظ وجود نشاط إفتائى عالمى حول قضية إهانة وحرق المصحف الشريف فى بلاد الغرب، والتى جاءت بنسبة (38 %) من إجمالى فتاوى القضايا المرتبطة بالعنصرية خلال العام.

وجاءت مصر فى صدارة ترتيب أكثر الدول اهتمامًا بمناهضة خطاب الكراهية؛ وذلك نتيجة لجهود المؤسسات الرسمية وعلى رأسها دار الإفتاء المصرية فى تحقيق الوئام المجتمعى بين الأديان محليًّا وعالميًّا.

وفى ظل تحليل مدى دعم منصات التواصل الاجتماعى لخطابات الكراهية والمساهمة فى انتشارها، كشف مؤشر الفتوى أنه بنسبة 40 %، كانت منصة «X»» - تويتر سابقًا - داعمة لخطابات الكراهية، وأبرزها جاء حول القضية الفلسطينية ودعم الآراء الإسرائيلية وبث رسائل الكراهية والعنصرية ضد الفلسطينيين، كما أكد المؤشر سماح مسئولى منصة «فيس بوك» بنشر مؤامرات ضد المسلمين عبر حسابات وروابط لأشخاص مجهولة تنتمى لليمين المتطرف على الرغم من تصريحاتهم بخفض نسب انتشار المحتوى العنيف.

وفى قسمه الأخير، تناول تقرير مؤشر الفتوى أزمة نقص الموارد الاقتصادية واشتباك الفتوى مع ذلك التحدى، ففى الوقت الذى لم يتعافَ فيه الاقتصاد العالمى من آثار «جائحة كورونا» بشكل كامل، تواجه دول عديدة تحدى أزمة نقص الموارد الاقتصادية. وبتحليل عينة من الفتاوى مقدارها (3500) فتوى تناولت الشأن الاقتصادى على مدار العام، كشف المؤشر أن تلك الفتاوى أخذت اتجاهين متضادين؛ الأول: تمثل فى الفتاوى الرسمية التى سَعَتْ إلى مواجهة أزمة نقص الموارد، والتحديات والمعوقات الاقتصادية؛ كالاحتكار والرشوة والفساد والبطالة والتضخم والربا والغَرَر والخداع، بهدف دعم تحقيق أهداف ومتطلبات التنمية الاقتصادية، وكانت دار الإفتاء المصرية، والأزهر الشريف ودار الإفتاء الأردنية، أهم المؤسسات الإفتائية الرسمية تناولًا لفتاوى نقص الموارد.

أما الاتجاه الثانى: فتمثل فى نسبة ليست قليلة من الفتاوى غير الرسمية التى قوضت ما سبق، وسعت إلى هدم أهداف التنمية الاقتصادية.

فيما أوصى مؤشر الفتوى بضرورة مواكبة المؤسسات الإفتائية لتقنيات العالم الافتراضى واستغلاله فى تحقيق طفرة نوعية فى التوعية الإفتائية والدينية، والتغلب على سلبياته، وذلك من خلال تطوير أدوات الذكاء الاصطناعى داخل المؤسسات الرسمية، وبناء الوعى للشخصية الإسلامية المعاصرة، والتعاون مع الخبراء، فضلًا عن توفير التأهيل والتدريب اللازم للمفتين الرسميين واستخدام خوارزميات التطرف للكشف عن المحتوى الإلكترونى المتطرف والتعامل معه.

كما شدَّد على ضرورة إعداد قوانين ولوائح صارمة تفرض عقوبات على الشركات التى تبتكر تقنيات وبرامج تروج للإسلام بصورة سلبية وتضر بالمسلمين.