الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أحدث أعمال «الهضبة» ولا يزال الإبداع مستمرًا: مكانك لـ«عمرو دياب».. «ألبومين» داخل إصدار واحد!

بعد سيطرة منصات الديجيتال على الساحة الغنائية، وانقراض الـ«سى دى»، واتجاه العالم إلى صدور الأغانى بشكل منفرد، بدلًا من صدورها مجمعة فى «ألبومات»، اعتقدنا أن ثقافة الألبومات ستغيب دون رجعة، اللهم إلا بعض التجارب المنفردة لبعض الفنانين.. والآن يعود إلينا «عمرو دياب» من جديد ليطلق أحدث ألبوماته (مكانك) بعد غيابه لشهور طويلة منذ صدور ألبومه (يا أنا يا لأ) فى ديسمبر 2020.



 

هذا الإصدار الغنائى الجديد يؤكد بما لا يدع  مجالًا للشك أن «عمرو دياب» هو الفنان الأهم على الساحة الغنائية، فمثلما كان يفعل فى الماضى وقت صدور «شرائط الكاسيت» وتجمع الجماهير أمام المحلات للحصول عليها، وبعدها تطور الأمر لتجمع الآلاف من محبيه فى «المولات» للحصول على الـ«سى دى» والاحتفال بصدور أغانيه، استطاع «عمرو دياب» أن ينقل نفس الحالة على وسائل التواصل الاجتماعى، وأن يجبر كل محبيه بالحديث عن أحدث أعماله طيلة يوم صدور (مكانك)، حيث كانت تصدر كل أغنية من الألبوم على رأس كل ساعة، من 12 ظهرًا حتى 12 مساءً، وما صاحب ذلك من التفاعل بالمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعى، وهى حالة ينفرد بها عن كل المتواجدين على الساحة، تؤكد أهميته، وتأثيره علينا كمجتمعات عربية، رغم كل ما نعانيه من حروب وأزمات اقتصادية وسياسية.

 أزمة تصنيف ألبوم (مكانك)

تحدثنا فى أكثر من مقال على صفحات هذه المجلة، عن ثقافة الألبوم، والتى تتلخص فى ضرورة أن يكون العمل متماسكًا، ويعبر عن فكرة محددة ومعينة، وأن يكون الفنان صاحب العمل مخلصا للـ«Genre» الموسيقية التى يقدمها، ولذلك أغلب الألبومات العربية التى تصدر منذ سنوات هى مجرد تجميع لأغانى «سينجل» غير مترابطة، وتم تجميعها فى إصدار واحد، وتقديمها للجمهور، وأصبح الفنانون المتخصصون فى تقديم أشكال موسيقية «ثابتة» مثل مغنيي الراب أو الروك، هم الأكثر إخلاصًا لمفهوم «الألبوم» بمعناه الصحيح، كما فعلت فرقة الروك «كايروكى» فى ألبومها الأخير (روما)، أو كما فعل مغنى الراب «مروان بابلو» فى ألبومه الأخير (آخر قطعة فنية).

ويأتى هنا السؤال.. هل ألبوم (مكانك) لـ«عمرو دياب» يخلص لشكل موسيقى محدد؟ الإجابة لا، فهو إصدار موسيقى متنوع، يحمل الكثير من الأشكال الموسيقية مثل الإيقاعات الشرقية واللاتينية والموسيقى الإلكترونية.

ولكن ما ينطبق على «عمرو دياب» لا ينطبق على غيره!

لأن هذه التوليفة أو الخلطة الموسيقية مبتكرها الرئيسى هو «عمرو دياب» نفسه منذ سنوات طويلة، حيث تعودنا منه أن يقدم الأشكال الموسيقية الأكثر انتشارًا جماهيريًا فى العالم والوطن العربى بما يتماشى مع هويته كمغنى.

وبشكل أوضح، وأكثر تفصيلًا حتى لا نعطى أحكامًا مطلقة، غير مفسرة، بدون أى حيثيات منطقية، على سبيل المثال، الخلطة التى يتبعها «كل» مغنيي الـ«pop music»، فى الوطن العربى والتى تعودنا عليها، بحيث يكون الـ«Head»، عبارة عن أغنية تحمل الموضة الموسيقية العالمية، وتكون الأغنية الثانية عاطفية، حالمة، هادئة، معتمدة أيضًا على الموضة الموسيقية للعام، ثم الأغنية الثالثة «مقسوم»، والرابعة أغنية «دراما» بها جرعة مكثفة من الشجن والحزن، هذه الخلطة من ابتكار «عمرو دياب»، وبالتحديد منذ صدور ألبوم (قمرين)، حتى وإن لم يكن هذا الترتيب بالدقة التى تحدثنا عنها فى السطور السابقة، ولكن الأمر تطور معه فى الإصدارات التالية، وترتيب ألبومات فئة الـ«pop music» بهذا الشكل أمر يرجع له وحده، وبسبب نجاحاته المستمرة بهذه التوليفة، أصبح باقى المغنين الذين ينتمون إلى نفس الفئة فى الوطن العربى يقلدونه.

ولذلك عندما يكرر «عمرو دياب» هذه التوليفة، فهو يكون مخلصًا لابتكاره الذى صنعه بنفسه وتكون كل أغنية يقدمها، مبنية على أساس «موسيقى» قدمه قبل ذلك، ويقوم بتحديثه كل عام بما يتماشى مع تغيرات الذوق العام، ولكن عندما يقوم أى مغنى آخر، بفعل الأمر ذاته، يصبح مقلدًا لابتكار «الهضبة»، وبالتالى يصبح ما يقدمه لا يعترف به كـ«ألبوم» وفقًا للتعريفات المتعارف عليها والتى تشترط الترابط الموسيقى وكذلك أن يكون هناك موضوع عام تناقشه الكلمات، مثلما يحدث فى الألبومات الأجنبية.

 على طريقة الـ«شريط».. تقسيم (مكانك) إلى وجهين

نظرًا للتنوع الموسيقى داخل ألبوم (مكانك)، سنقوم بتقسيمه إلى وجهين، كما كان يحدث فى شرائط الكاسيت قديمًا، وسنقوم باستعراض سرعات الأغانى وتحديد أشكالها الموسيقية لكى نستكشف كيف يصنع ويختار «عمرو دياب» أغانيه وكيف ينشأ بينهما  ترابط موسيقي:

1 - وجه أول «شرقى» 

ويشمل الأغانى التى تميزت ببناء موسيقي شرقي وهي: (سلامك وصلى، واخدين راحتهم، يا قمر، الكلام ليك، مابتغيبش، والمعنويات مرتفعة).

2 - وجه ثان «أجنبى»

ويشمل الأغانى التى تميزت ببناء موسيقي أجنبي وممزوج ببعض اللمحات الموسيقية الشرقية وهي: (بيوحشنا، معرفش حد بالاسم ده، ظبط مودها، مكانك، لوحدنا، وماتتعوضش).

فى الوجه الأول، سنجد 6 أغانى معتمدة بشكل رئيسى على الإيقاعات الشرقية، وهو ما قد يعتبره البعض أمرًا زائدًا عن حده، ولكن دعونا نعترف بأمر واضح، أن «الهزة» التى أحدثتها أغانى المهرجانات، فى السوق الغنائية المصرية، ليست بالأمر الهين، ومن يتابع «عمرو دياب» جيدًا فى سنواته الأخيرة، سيجد أن أغلب أغانيه كانت تعتمد بشكل رئيسى على «المقسوم»، ولا ننسى أن «عمرو دياب» فى الأساس مغنٍ جماهيري يبحث عن الانتشار، وهذه النوعية من الأغانى هى التى تستخدم فى الأفراح والتجمعات العائلية أو الاجتماعية المختلفة.

 الوجه الأول «شرقى»

 سلامك وصلي

كلمات «محمد القياتى» وألحان «محمد يحيى» وتوزيع «أحمد إبراهيم»، وسرعة الأغنية «91».

وهى أغنية عاطفية من الطراز الفريد، حيث استطاع الثنائى المتفاهم «محمد القياتى»، و«محمد يحيى»، صياغة قصة يتحدث فيها الحبيب عن اشتياقه لحبيبته، ونيته فى الرجوع إليها من جديد.

ولأن «عمرو دياب» هو «عراب موسيقى البحر المتوسط»، فكان من الطبيعى أن نجد فى التوزيع الموسيقى لـ«أحمد إبراهيم» المبنى على إيقاع «المقسوم» اعتمادًا رئيسيًا على الآلات التى تتسيد هذا النوع الموسيقى الذى يتميز به الهضبة، مثل آلة «البزق»، مع «الأكورديون».

 واخدين راحتهم

كلمات «محمد البوغة» وألحان «محمد يحيى» وتوزيع «وسام عبدالمنعم»، وسرعة الأغنية «97».

وهى واحدة من مفاجآت الألبوم، ومن أهم الأغانى مكتملة الأركان، بسبب جرأة تنفيذ الفكرة التى تتحدث عن الاستغلال العاطفى، حيث غنى «عمرو دياب» معبرًا بشكل ساخر عن أوجاع الذين يعانون من التطفل.

فى كتابه الساحر (الأغانى للأرجباني) الصادر عام 1973 للأستاذ الكبير «أحمد رجب»، سنجده خصص فصلًا كاملًا عن تشبيهات «القلب»، فبعض الأغانى جعلته كـ«مدينة سكنية»، يعيش بها بعض العشاق، هذا التشبيه اعتمدته أغنية (واخدين راحتهم)، ووصف القلب بالـ«بيت»، وليس التشبيه فقط الذى تم تطابقه مع ما كتبه «أحمد رجب» فى كتابه منذ خمسين عامًا، بل كان هناك تشابه أيضًا فى طريقة التعبير الساخرة، التى اعتمدها «البوغة» فى كتابة كلماته بشكل يتماشى مع لغة العصر وبوستات السوشيال ميديا والحكم الملصقة على سيارات الميكروباص والتكاتك فى المناطق الشعبية.

ولكى يكتمل الكمال، أجاد «وسام عبدالمنعم» فى الاعتماد على الإيقاعات الصعيدية والبلدية 4/4 المعروفة بطابعها الحماسى والراقص، بالإضافة إلى استخدام الكيبورد على طريقة الأفراح الشعبية فى الفواصل الموسيقية.

ولأن الأغنية درامية ساخرة، فكان من الذكاء غناء «عمرو دياب» من مقام «الحجاز» الذى يغزى غزارة الشعور بالأسى والشفقة، لكى تخرج لنا الأغنية بكل هذا الكمال الغنائى.

 يا قمر

من كلمات «مصطفى حدوتة» وألحان «عمرو دياب» وتوزيع «وسام عبدالمنعم»، وسرعة الأغنية «101».

واحدة من أعقد الأغانى فى هذا الألبوم على مستوى التنفيذ، فهى أكثر أغنية بها حصيلة كلمات من حيث العدد، كما أن البناء فى سرد الأغنية مبنى على الزيادة العددية من رقم 1 حتى 12، وكأننا أمام عملية حسابية، ثم بعد الوصول إلى رقم 12، نجد «كوبليه» إضافيًا لزيادة تأكيد غزل الحبيب فى حبيبته بأنها لا تشبه أى أنثى أخرى رأتها عيناه.

اختيار «مصطفى حدوتة» بالتحديد يعد تكليلًا لنجاحاته المدوية، بل هو كاتب الأغانى الأنجح «من حيث نسب المشاهدة» فى الوطن العربى، فهو صانع (بنت الجيران، عود البطل، مسيطرة، مخاصماك، بسكوتاية مقرمشة، وسع وسع)، وغيرها، وبسبب نجاحاته الكبيرة، أجبر كتاب أغانى الـ«pop»، على تجديد مفرداتهم اللغوية وألفاظهم المستخدمة فى صياغة المواضيع، لمجاراة هذا النجاح الهائل، وهذا ما دفع «عمرو دياب» للاستعانة بصاحب هذه الثورة نفسه بدلًا من محاولات مجاراة ما يقدمه، ولكن بالشكل الذى يتماشى مع هويته الموسيقية، ولذلك قام «الهضبة» بتلحين كلمات «حدوتة» بنفسه، رغم صعوبة تنفيذها بسبب طريقة سرد الكلمات التى تختلف بشكل كلى عن «تقسيمة» الأغانى المتعارف عليها والتى يقدمها «عمرو دياب».

ومن الأمور الجيدة فى تنفيذ هذه الأغنية، هو استخدام «وسام عبدالمنعم» لأصوات الجماهير فى خلفية الفواصل الموسيقية وكأن «عمرو دياب» يغنى وسط حشود تحاوطه، للتعبير عن الحالة التى صنعت من أجلها الأغنية، والتى تستهدف بشكل رئيسى التجمعات والأفراح وأماكن السهر الليلية. 

 الكلام ليك

من كلمات «تامر حسين» وألحان «محمد قماح» وتوزيع «أسامة الهندى»، وسرعة الأغنية «126»

أغنية (الحفلة) هى الأكثر استماعًا فى عام 2023، ومن أسباب نجاحها الرئيسية كانت ألحان «محمد قماح»، ولأن «عمرو دياب» صاحب مشروع، ويحب أن يستكمل نجاحاته، فكان من الطبيعى والمنطقى أن يبنى على نجاح العام الماضى ويستكمل تعاونه مع «محمد قماح»، ولكن هذه المرة ليس بنفس «إفيهات» أغنية (الحفلة)، ولكن بكلمات عاطفية، واضحة ومباشرة فى المعانى بدون تشبيهات واستعارات، بكلمات «تامر حسين» وتوزيع «أسامة الهندى» على إيقاع «المقسوم» بلمحة موسيقى دول البحر المتوسط، هذه الخلطة الـ«ديابية» التى لا تتغير مهما اختلف أسماء صناعها، وهى أغنية من أدبيات المشروع الغنائى الـ«ديابى»، وبمجرد صدورها تجاوب الجمهور معها على منصات التواصل الاجتماعى، ويبدو أنها ستحقق انتشارًا جماهيريًا خصوصًا فى حفلات «عمرو دياب» الجماهيرية الكبرى.

 ما بتغيبش

من كلمات وألحان «عزيز الشافعى» وتوزيع «أحمد إبراهيم»، وسرعة الأغنية «129»

واحدة من كلاسيكيات هذا الألبوم وكعادة «عزيز الشافعى» فى الأغانى التى يكتبها ويلحنها يكون موفقًا لأقصى مدى، وأيضًا هو لديه القدرة على كتابة وتلحين أغانى «تفصيل» على أساس المشروع الغنائى لكل فنان يتعامل معه.

وفى هذه الأغنية قدم لنا «عمرو دياب» بنسخة غناء تميل لما كان يطلق عليه فى الماضى «الغناء الطربى»، وهذه النوعية من الأغانى قليلة فى مشروع الهضبة.

وما يؤكد هذا الاتجاه هو التوزيع الشرقى البحت للأغنية على إيقاع المقسوم، وأيضًا استخدام الجملة اللحنية لـ«السينيو» كفواصل موسيقية، وأيضًا كـ«intro»، حيث تم استخدام نفس الجملة اللحنية بصولو الأكورديون، ثم تم تكرار نفس الجملة باستخدام باقى الآلات الموسيقية المستخدمة فى التوزيع الموسيقى، وبدأ «عمرو دياب» الغناء أيضًا بنفس الجملة اللحنية، لدرجة أننا استمعنا إلى نفس الجملة اللحنية بتكرارها بأصوات مختلفة لمدة دقيقتين ونصف، منذ بداية الأغنية، حتى منتصفها، وهذا التكرار، هو صفة سائدة فى الأغانى القديمة التى كان يطلق عليها فى الماضى «طربية».

 المعنويات مرتفعة

من كلمات «أيمن بهجت قمر» وألحان «عزيز الشافعى» وتوزيع «وسام عبدالمنعم» وسرعة الأغنية «127».

وهى تعتبر واحدة من أهم أعمال الكاتب الكبير «أيمن بهجت قمر»، بعد عدد لا بأس به من الأغانى التى لم يحالفه التوفيق فيها فى السنين الأخيرة خصوصًا مع «عمرو دياب»، حيث استعاد فورمته مرة أخرى وعبر برشاقة كلماته وبحصيلة ألفاظه الساخرة عن شعور التمرد الذى غناه «عمرو دياب»، فهى أغنية تعبر عن كل شخص يريد أن يبدأ حياة جديدة، ويتعلم من أخطاء الماضى، وكان من الجيد عدم اختزال الكلمات فى العلاقة العاطفية حتى تكتسب انتشارًا واسعًا حسب الموقف الذى يمر به كل مستمع بشكل منفصل.

وكعادة «عزيز الشافعى»، يقوم بصياغة ألحان بلمحة شرقية أصيلة، رغم استخدامه لمقام «الحجاز» الذى يعتبر جزءًا من الموسيقى الشرقية والغربية أيضًا، ويستخدم كثيرًا فى أشكال الموسيقية «الفلامنكو» وهو نفس المقام الذى بنيت عليه أغنية (نور العين).

موسيقى «الفلامنكو» تستخدم 4 مقامات عربية هي «العجم، النهاوند، الكرد، والحجاز»، وربما لهذا السبب استخدم الموزع «وسام عبدالمنعم» صولو الجيتار فى مقدمة الأغنية، ولكن ما يعيب هذا الاستخدام هو اختفاؤه من الأغنية مرة واحدة بمجرد دخول إيقاعات المقسوم وكأن الأغنية أصبحت عبارة عن جزئين منفصلين غير مترابطين، ولو قمنا بحذف المقدمة فلن تتأثر الأغنية بأى شكل، بل ربما تكون أكثر ترابطًا.

 ملاحظة الوجه الأول:

سرعات الأغانى تبدأ من 91 وتنتهى فى 127، ولذلك فإن الترابط بينها كبير، ليس فقط على مستوى التوزيعات المعتمدة على الإيقاعات الشرقية، بل وكذلك السرعات متقاربة جدًا، وهذا يؤكد أن صناعة هذه النوعية من الأغانى لم يتم اختيارها أو صناعتها عشوائيًا، وتصلح أن تصدر كـ «ألبوم» موسيقي شرقي مترابط على مستوى التوزيعات والسرعات أيضًا.

 

 الوجه الثانى «أجنبى»

 بيوحشنا

من كلمات «تامر حسين»، وألحان «مدين»، وتوزيع «أحمد إبراهيم»، وسرعة الأغنية «93»

يعتبر «عمرو دياب» واحدًا من أهم الذين قدموا الأشكال الموسيقية لـ«الفلامنكو» بتنويعاتها، من بعد تجربته فى ألبوم (ويلوموني) ثم النجاح المدوى فى (نور العين).

(بيوحشنا) تنتمى إلى هذه الشجرة الموسيقية، «الفلامنكو»، ولكن هذه المرة بطريقة غجرية، خاصة فى طريقة غناء «عمرو دياب» والعُرب التى قدمها بصوته منطلقًا من مقام «الحجاز».

التوزيع الموسيقى لم يكن به أى مزج مع أى شكل موسيقى آخر، بعكس أغلب أغانى هذا الوجه «الأجنبى»، واعتمد التنفيذ على الجيتارات و«السقفات» و«الصاجات الخشبية الإسبانية».

ومن حيث الموضوع، الفكرة فى الأغنية تعبر عن اشتياق الحبيب لمحبوبته، وعلى مستوى الكلمات، فجاءت واضحة ومباشرة فى معانيها ولم تستخدم أى استعارات لتعطى أبعادًا أخرى قد يتم تأويلها من قبل الجمهور، ولذلك هذه الأغنية هى الأعلى استماعًا بين كل أغانى الألبوم حتى وقت كتابة هذا المقال، إذ وصلت إلى 4 ملايين استماع فى وقت قياسي!

 معرفش حد بالاسم ده

من كلمات «أيمن بهجت قمر»، وألحان وتوزيع «أحمد إبراهيم»، وسرعة الأغنية «80».

تعتبر هذه الأغنية هى الأقل سرعة من باقى الأغنيات فى الألبوم، وذلك مناسب للحالة الدرامية التى برع فى تنفيذها «أيمن بهجت قمر» فى التعبير عن شعور الحبيب بالندم على اختياره لشريك حياة لم يكن مناسبًا له، وربما تلقى هذه الأغنية رواجًا كبيرًا بين المصريين على وجه التحديد خصوصًا بعد ارتفاع نسب الطلاق لتصل إلى حالة كل 117 ثانية طبقًا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى عام 2023.

يعتقد الكثيرون أن الأغنية تصنف «Latin pop»، ولكن هذه الأغنية أقرب إلى «R&B Ballads»، أو «Slow jam» مع إضافات البيانو والجيتار.

 ظبط مودها

من كلمات «بهاء الدين محمد»، وألحان «محمد يحيى»، وتوزيع «عادل حقى»، وسرعة الأغنية «111».

تعتبر هذه الأغنية من أعقد الأغانى فى الألبوم، على كل المستويات، بداية من التوزيع الموسيقى الذى يحمل تداخلات كثيرة، فقد يعتقد الكثيرون أن الأغنية «Reggaeton» ولكنها ليست كالأغانى الكلاسيكية لهذا القالب الموسيقى التى اشتهر بها «Daddy Yankee»، والأغنية فعلًا بها هذا الشكل الإيقاعى، ولكن عليه بعض الإضافات، ولكنها أيضًا ليس «Bachaton»، لأن الأغنية لا تحتوى على جيتار كهربائى وكذلك البونجوس والجويرا، ولذلك هى أميل إلى الـ«moombahton»، بسبب الـ«Brass» والتى لعبت بالبرامج الموسيقية ولم تعزف بطريقة حية.

أما على مستوى تنفيذ الأغنية ككلمات وألحان، فكان دائمًا هناك «حجة محفوظة» يطلقها صناع هذه النوعية من الأغانى الإيقاعية السريعة عندما يقوم أحد بانتقاد تماسك الأغنية من حيث التعبير بالكلمات، ويكون الرد بأن تقطيعات اللحن وسرعاته لا تعطى للكاتب الأريحية بكتابة حالة متماسكة، ولكن كالعادة يؤكد أستاذنا الكبير «بهاء الدين محمد» على أنه قادر على الكتابة على أى شيء، بل أنه زاد من رونق اللحن «الكاتشى» الذى صنعه «محمد يحيى»، وككاتب مخضرم استطاع رغم سرعة الأغنية أن يقدم موضوعًا متماسكًا، وقد فعلها فى العديد من المرات مع الكثيرين من الفنانين فى الوطن العربى، ومنهم «عمرو دياب» نفسه فى أغنية (لو عشقاني) على سبيل المثال.

 مكانك

من كلمات «تامر حسين» وألحان «عمرو دياب» وتوزيع «أحمد إبراهيم»، وسرعة الأغنية «109»

 تعبر الأغنية أيضًا عن حالة اشتياق الحبيب لحبيبه بعد الفراق، كعادة أغلب أعمال «تامر حسين» فى هذا الألبوم، والتى أجاد فى تنفيذها بكلمات واضحة ومباشرة لا تحتمل التأويل.

وعلى مستوى التوزيع الموسيقى فهذه الأغنية من أجمل ما تم تقديمه فى هذا الألبوم، فهى تصنف كـ«Latin ballad» مع الـ«pop»، والأهم من كل ذلك، أن الأغنية غنية موسيقيًا، ولكن تنفيذ «أحمد إبراهيم» لم يشعرنا بالإزعاج، رغم تواجد الجيتار مع الأكورديون والوتريات والبيز، وكل منها له خط موسيقى منفصل، ولكننا استمعنا إليها فى انسيابية وتناغم شديد، ولذلك تستحق هذه الأغنية أن تحمل اسم الألبوم.

 لوحدنا

من كلمات «تامر حسين» وألحان «عمرو دياب» وتوزيع «أسامة الهندى»، وسرعة الأغنية «125»

استمرارًا لتواصل «عمرو دياب» كملحن مع «تامر حسين»، وهى أسرع أغنية فى هذا الوجه «الأجنبى»، وبها كل مواصفات الخلطة الـ«ديابية» المعروفة عنه فى الأغانى الإيقاعية السريعة، من تكرار للكلمات، واستخدام الكلمات التى «تضيء» أجمل مناطق القوة فى صوته، عندما يقول «حبيبى»، و«الليلة»، فالهضبة يمتلك عددًا هائلًا من الأغانى التى بنيت بالأساس على هاتين الكلمتين، فهو يفضل فى هذه النوعية من الأغانى السريعة، الابتعاد عن الكلمات ثقيلة النطق، لسهولة الحفظ من السماع الأول على تقطيعات الجمل اللحنية القصيرة.

وعلى مستوى التنفيذ الموسيقى، ربما يعتقد البعض أن الأغنية تنتمى إلى الـ«House music»، ولكنها تصنف كـ«Dance-pop»، مع بعض مؤثرات الـ «EDM»، والجيتارات المعزوفة على طريقة الـ«Funk»، مع الإيقاع البلدى باستخدام الطبلة لتحقيق مفهوم المزج الذى يحب أن يصنعه «عمرو دياب» دائمًا بدمج الثقافة الشرقية مع الأجنبية، وهى واحدة من الأغانى النموذجية فى هذا الألبوم.

 ما تتعوضش

من كلمات «تامر حسين» وألحان «عزيز الشافعى» وتوزيع «شريف فهمى»، وسرعة الأغنية «97»

هى واحدة من أهم الأغانى فى هذا الألبوم، مكتملة الأركان ككلمات وألحان وتوزيع.

من حيث الكلمات عبر «تامر حسين» عن ندم الحبيب وإدراكه لحجم الخسارة التى ارتكبها بعد فقدانه للشريك وفشله فى تعويضه رغم كل محاولاته المستمرة بمعرفة شركاء آخرين، ورغم أن «عمرو دياب» يغنى بإحساس الندم والضعف، ولكنه ضعف «ذكورى»، بعيدًا عن مفردات «الشحتفة»، و«العويل» كما يفعل الآخرون.

وألحان «عزيز الشافعى» على مقام النهاوند ولذلك ربط الجمهور بين هذه الأغنية وبين (زى ما انتي) التى صنعها نفس الملحن فى ألبوم (سهران)، كما واصل إبداعه فى (ما تتعوضش) بصياغة جمل لحنية متميزة تترك بصمة فى الأذن من المرة الأولى للسماع.

ومن حيث التنفيذ الموسيقى فهذه الأغنية تنتمى إلى سلسلة أغانى «الفلامنكو» التى تحدثنا عنها فى مراجعة أغنية (بيوحشنا)، فهما من نفس القالب الموسيقى، وتقريبًا نفس السرعة، لأن (بيوحشنا) سرعتها «93»، و(ماتتعوضش) سرعتها «97»، فالفرق فى السرعات يكاد لا يذكر، والاختلاف بينهما فيما يخص التوزيع الموسيقى هو تواجد الأكورديون الذى يتشارك مع الجيتار أسفل صوت «عمرو دياب» فى (ما تتعوضش)، كمان أن «intro» الأغنية يذكرنى بأغانى فريق «Gipsy Kings» الذين يعتبرون أفضل من قدموا هذه النوعية من الأغانى فى العالم.

اللياقة الصوتية لـ«عمرو دياب»

رغم تخطى «عمرو دياب» الثانية والستين من عمره، إلا أنه قدم ألبومًا موسيقيًا يؤكد على لياقته الصوتية، فلم نشعر بأى إزعاج من أى نوع فى أى أغنية من الأغانى، ولا يزال يؤدى بالشكل الأمثل، وينطق الحروف بطريقة مفهومة وممتازة، ربما يقول البعض أن التقنيات التكنولوجية الحديثة تساهم فى هذه الجودة الصوتية التى استمعنا إليها فى (مكانك)، ولكن هذه التقنيات موجودة ومتاحة للجميع، ولو قارنا لياقة (عمرو دياب) الصوتية بزملائه من نفس جيله سنجد بلا شك أن الكفة ستميل إلى «الهضبة»، بل أنه يتفوق على الأجيال الأحدث التى تغنى فى نفس فئة الـ «pop music».