الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أهل غزة.. شخصية العام

أهل غزة.. شخصية العام

بجدارة ودون منافسة، يستحق فلسطينيو غزة أن يكونوا شخصية عام 2023 والذى قارب على الانتهاء، وذلك بعد البطولات التى أظهروها أمام العدوان الإسرائيلى الغاشم والمتوحش عليهم ولصمودهم فى مواجهة المجازر التى تجاوزت كل حدود الإنسانية، قصفت إسرائيل المنازل، دكت المستشفيات، هدمت المدارس، خربت المساجد والكنائس، منعت الأغذية والأدوية والماء والغاز.. ورغم كل هذه المعاناة وقفوا شامخين، الجميع هناك أبطال الأطفال والنساء والكهول والشيوخ والشباب الكل قدم تضحيات غير مسبوقة فى سبيل وطنهم الغالى، وأفسدوا بمقاومتهم المخططات الإسرائيلية، نتنياهو ورفاقه كانوا يتصورون أن قنابلهم ومدافعهم ودباباتهم وجميع أسلحتهم التى دكت غزة ليل نهار ستؤدى إلى انهيار معنويات الفلسطينيين وسيستسلمون ويوجهون اللوم لقادة المقاومة وحماس ويتهمونهم بأنهم سبب الدمار والخراب بعد ما فعلوه فى 7 أكتوبر واقتحامهم مستوطنات ومواقع للجيش والأمن الإسرائيلى واستيلائهم على وثائق مهمة وأسر العديد من الجنود ومن سكان المستوطنات فى عملية عسكرية ناجحة سيتم تدريسها مستقبلاً فى كل الكليات والمعاهد والأكاديميات العسكرية العالمية، اعتقد مجرمو الحرب أن تدميرهم لغزة سيجعل أهلها يبادرون بالإفصاح عن أماكن قادة حماس وأماكن احتجاز الأسرى، ولكن كل ذلك ذهب هباء وكان الرد الفلسطينى: نحن مع المقاومة إلى آخر نفس وحتى من كان على خلاف سياسى مع حماس وقف معها وأيدها لإدراكهم أن ما يحدث معركة بقاء، وأن الهزيمة هى نهاية القضية الفلسطينية إلى الأبد، ولهذا لم يستجب الفلسطينيون لمحاولات التهجير القسرى رغم الضرب المكثف والقصف المتواصل ليل نهار والحصار المفروض عليهم، الجميع ضربوا المثل فى التضحيات، رجال المقاومة الذين يواجهون بأسلحة بسيطة جيشًا نظاميًا مجهزًا بأحدث الأسلحة ورغم ذلك يوقعون به خسائر موجعة، فشل الإسرائيليون فى مهمتهم، لم يستطيعوا تحرير أسراهم أو قتل قادة حماس وتكبدوا تحطيم معدات وعدد من القتلى غير مسبوق وهو ما جعلهم يتصرفون بجنون.



قائمة الأبطال تضم أيضًا الأطفال الذين وصل عدد الضحايا منهم إلى أكثر من 8 آلاف شهيد حتى كتابة هذه السطور وهو رقم يتجاوز الضحايا الأطفال فى كل مناطق النزاعات فى العالم فى الأعوام الأخيرة.

لقد بكى الغرب على أطفال أوكرانيا الذين لم يتجاوز عددهم 510 ضحايا فى الحرب مع روسيا فى حين غضوا الطرف عن أطفال غزة، ومن نجا من هؤلاء الأطفال أصبح يعانى من فقد أسرته بالكامل أو أحد أفرادها على الأقل، سيتذكر العالم الطفلة الصغيرة التى قالت والدموع فى عينيها عندما شاهدت إحدى جثث الضحايا «هى أمى أنا عرفتها من شعرها» وسيتذكر أيضًا يوسف صاحب الـ7 سنوات وأمى تبكى وهى تصفه «شعره كيرلى وأبيضانى وحلو» ولن يغيب عن الأذهان الأب الذى ظل يصرخ ويقول «أولادى.. دول ثلاثة يا عالم.. دوروا معايا بلكى ألاقى واحد عايش» الأمر كما قال أحد مواطنى غزة «بينتقموا منا فى الأولاد»، هدمت إسرائيل المدارس على رءوس الأطفال ودفنوا تحت أنقاضها، ولكن من بقى منهم سيكملون الحياة فى أرضهم وبلدهم مهما كانت التضحيات، والشاهد على ذلك الفيديو الرائع لأطفال يقفون بالقرب من حفرة عميقة وحين سألهم المراسل التليفزيونى ماذا تفعلون أجابوا: «نلعب فيها وسندفن فيها» وواصلوا ضحكهم ولعبهم، المرأة الفلسطينية فى غزة مثال للبطولة فقد استشهدت خمسة آلاف سيدة حتى الآن، ومن تبقى منهن فقدن أزواجًا وآباء وأمهات وإخوة وأولادًا، ولكنهن على استعداد لتقديم المزيد، وضرب الأطباء أروع الأمثلة فى الصمود بعد أن أصروا على استكمال عملهم رغم التهديد المتكرر بقصف المستشفيات، وهو ما حدث بالفعل حتى استشهد 300 من العاملين فى القطاع الصحى والعدد يزداد كل يوم، ومن كتبت لهم الحياة واصلوا دورهم العظيم استقبلوا المصابين وحاولوا إسعافهم وإنقاذ حياتهم بأقل الإمكانيات، وكثير من هؤلاء الأبطال كانوا يفاجأون بأن الشهيد أو المصاب هو أحد أفراد أسرهم، ورغم الألم والحزن جففوا دموعهم وبادروا بإسعاف المصابين، أيضًا الصحفيون والإعلاميون كانوا مستهدفين من إسرائيل حتى بلغ عدد الضحايا منهم 90 صحفيًا والعدد قابل للزيادة كل لحظة، كما أرادت إسرائيل أن ترعبهم حتى لا يؤدوا عملهم ويفضحوا المجازر والأكاذيب فتعقبتهم بالمقذوفات القاتلة، وأصيب عدد كبير منهم مثل وائل الدحدوح الذى فقد 14 فردًا من أسرته بينهم زوجته وابنه الصحفى وابنته وحفيده، وكذلك الصحفى مؤمن الشراقى الذى استشهد 22 فردًا من أسرته بعد قصف منزله، وأيضًا أنس الشريف الذى استشهدت والدته بعد استهداف بيته ولم يجدوا سيارة إسعاف لنقلها إلى مكان الدفن فحملوا جثمانها على عربة كارو، وهناك المصور التليفزيونى سامر أبو دقة الذى أصابه جنود جيش الاحتلال بقذيفة وتركوه ينزف عدة ساعات حتى استشهد، الأسماء السابقة مجرد أمثلة على استهداف الصحفيين ولكنهم جميعًا رفضوا الرحيل عن غزة وتمسكوا بالبقاء تحت الخطر من أجل نقل الصورة وكشف ما يحدث فى بلدهم، ومن خلالهم عرف العالم الجرائم التى ترتكبها إسرائيل، ولولاهم لما تغير الرأى العام فى معظم دول العالم الذين صدقوا فى البداية الأكاذيب الإسرائيلية التى روجت لها مثل ذبح الأطفال وبقر بطون الحوامل حتى عرفوا الحقيقة من رسائل الصحفيين والإعلاميين، ما سبق نذر بسيط من البطولات فى غزة وهى تستحق أن تذكر وتسجل فى كتب وتصنع من قصصها أفلامًا سينمائية وتسجيلية مثل أفلام الحرب العالمية الثانية التى روت وسجلت تضحيات أهالى مدن ليننجراد ولندن وباريس وغيرها من المدن التى واجهت ألمانيا النازية، وهى تضحيات أقل مما يقدمها الفلسطينيون الآن فى مواجهة النازية الإسرائيلية، فلسطينيو غزة هم شخصية العام بلا منازع.