الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
 ثقافة المقاطعة

ثقافة المقاطعة

قال لى صديقى أن ابنته ليلى التلميذة بالابتدائى وزميلاتها فى الفصل خاصمن صديقة لهن لأنها تشرب بيبسى وكوكاكولا ولم تقاطع مثلهن المنتجات التى يدعم مُلّاكها إسرائيل، وحين قال لها والدها محاولاً فهم ما يدور بعقلها أن هذه حرية شخصية ولا يجوز أن تغضب من صاحبتها، ردّت بأن ما تشربه يساهم فى مقتل أطفال فلسطين.. وروى صديق آخر أنه ذهب مع ابن أخيه للسوبر ماركت ليشترى له شيكولاتة، ولكن الطفل اشترط ألا تكون ضمْن سلع المقاطعة.. صديق ثالث حكى أن ابنه الشاب أرسل له قائمة بالمنتجات الموجودة فى قائمة المقاطعة وطلب منه ألا يشتريها.. صديق رابع شاهد سيدة بسيطة فى السوبر ماركت تسأل البائع هل هذا النوع من علب الجبن ضمْن المقاطعة؟ وعندما أجابها أنه لا يعرف اشترت قطعة «غير معلبة» قائلة هذا أضمَن.. ما سبق مجرد أمثلة تكشف حجم حماس المواطنين لمقاطعة المنتجات التى يتبرع أصحابُها لإسرائيل، وهو زخم لم يكن موجودًا من قبل فى أى دعوات سابقة للمقاطعة، فكثيرًا ما تمّت الدعوة لمقاطعة منتجات بعض الدول بسبب الإساءة للرسول- صلى الله عليه وسلم- من خلال نشر صور أو كاريكاتيرات مسيئة له، ودعوات أخرى لمقاطعة السلع التى ترتفع أثمانُها بسبب جشع التجار ولكنها فشلت جميعًا.. هذه المَرّة فاق نجاح المقاطعة كل التوقعات وانضمت إليها فئات لم تكن تهتم بها من قبل؛ بل إن حماس الأطفال والشباب كان أكبر من آبائهم بكثير، كما أن البسطاء يطبقونها بتلقائية وبساطة.. صحيح أن الدافع لهذا الزخم هو التعاطف والتضامن مع الفلسطينيين والغضب من إسرائيل بعد ارتكابها جرائم بشعة خلال العدوان فى غزة، ولكن هذا العمل السياسى والإنسانى يمكن أن نبنى عليه ونستثمره لصالح دعوات مقاطعة مماثلة نحتاج إليها لضبط الأسواق ومواجهة الغلاء، ومجابهة جشع التجار الذين يرفعون ثمَن بعض السلع دون داعٍ.. نعم يمكننا استغلال حماس المواطنين فى نشر ثقافة المقاطعة فى المجتمع وبين جميع الطبقات، وفى سبيل تحقيق هذا الهدف مطلوب أن تتحول حركة المقاطعة من العشوائية والفردية إلى التنظيم، وهو ما يجب أن تساهم فيه الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى، وعلى سبيل المثال على الحكومة تسهيل الاستثمار وتيسير إجراءات توسع المصانع المنتجة للسلع البديلة، والتى ستحتاج إلى زيادة العمالة.. وهنا يأتى دَورُ وزارة القوى العاملة ومنظمات المجتمع المدنى فى تلقى شكاوَى العاملين فى المصانع والمحلات التى تنتج وتبيع السلع الواردة فى قوائم المقاطعة والذين تم الاستغناء عنهم بسبب انخفاض المبيعات وإعادة تعيينهم وتوظيفهم فى المصانع والشركات التى توسعت فى إنتاجها بعد الاتفاق مع أصحابها، كما يمكن توجيه رجال الأعمال الذين حصلوا على حق استغلال علامات تجارية عالمية على تحويلها إلى منتجات مصرية مماثلة كما فعلت روسيا بعد الحرب مع أوكرانيا؛ حيث ألغت وتخلت عن جميع العلامات التجارية وحولت المحلات التى تبيعها إلى منتج روسى.. وبهذا يمكن تفادى الخسائر وعدم الاستغناء عن العمالة والمشاركة فى التضامن الشعبى مع الفلسطينيين، على أن المجتمع المدنى له أدوار أخرى منها مراقبة الأسواق ووضع قوائم سوداء تضم أى سلعة ترفع أسعارها دون داعٍ استثمارًا للإقبال عليها بسبب مقاطعة المنتجات المثيلة لها، وهو ما فعله أصحاب بعض مصانع المنتجات الغذائية مؤخرًا، وكذلك التأكد من المنتجات المدعمة لإسرائيل حتى لا توضع فى القائمة المحظورة سلع بريئة من هذه التهمة؛ حيث يقوم بعض المنتجين باستغلال الموقف وبث شائعات عن بعض السلع لضرب منافسيهم.. وإذا كان أطفالنا كشفوا أنهم يستطيعون الاستغناء عن سلع يحبونها ولم يضعفوا أمام إغرائها فيجب أن ننمّى هذا الاتجاه لديهم ونكرسه داخلهم، وهو ما يمكن أن يتم من خلال المدارس ومناهج التعليم، ووقتها يمكننا أن نرى جيلاً فى المستقبل يستطيع مواجهة الاستغلال وردع مَن تسول له نفسه زيادة الأسعار دون داعٍ.. لا نريد أن تكون المقاطعة هذه المَرّة مجرد هوجة تنتهى سريعًا أو يفتر الحماس بعد فترة من الوقت فلدينا فرصة حقيقية لاستثمارها، ولكن بشرط حُسن إدارتها.