الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كيف نجحت صلابة الموقف المصرى فى تغيير مختلف المعادلات؟

منظومة الأمن القومى العربى فى عالم ما بعد 7 أكتوبر

كيف نجحت صلابة الموقف المصرى فى تغيير مختلف المعادلات؟

تتجه الأنظارُ نحو القمَّة العربية الطارئة التى تستضيفها العاصمة السعودية الرياض اليوم السبت الموافق الحادى عشر من نوفمبر الجارى.. تنطلق القمَّة بَعد أكثر من شهر على حرب 7 أكتوبر والاعتداء الإسرائيلى الوحشى غير المسبوق على قطاع غزة.. تنطلق القمَّة بينما عداد الشهداء والمُصابين متغير على مَدار الساعة بَعد تجاوزه أكثر من 10 آلاف شهيد.. تنطلق القمَّة، بينما كل الآمال مُعَلقة بنجاح اتصالات القاهرة المُكثفة مع كل الأطراف المَعنية لإقرار هدنة إنسانية لبضعة أيام يتم خلالها إتمام تبادُل لعَدد من الأسرَى والمحتجزين بين إسرائيل وحماس.



 

تنطلق القمَّة برافد دبلوماسى حصيلته ما جرَى من استدعاء وتصويب للموقف الدولى فى قمة القاهرة للسلام وبتحركات المجموعة العربية داخل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.. تنطلق القمَّة وسط مطالبات بحتمية وجود رؤية عربية صلبة قادرة على التعامُل مع المتغير الاستثنائى الذى ضرب منظومة الأمن الإقليمى ويتحداها؛ ولولا صلابة الموقف المصرى وقدرة مصر على صياغة محددات واضحة منذ اللحظات الأولى لاندلاع الاشتباك فى 7 أكتوبر لكان الأمن الإقليمى برمته الآن فى مَهب الريح.. هذه الصلابة التى عكستها مواقف القيادة المصرية ممثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى والتفاف الشعب المصرى حول قيادته وانتباه مؤسّسات الدولة المصرية لخطورة السيناريوهات التى تحملها اللحظة، فكانت الثوابت الواضحة (لا لتهجير أهل فلسطين من أرضهم)، (لا حل إلا حل الدولتين وفق المرجعيات الدولية)، (لا تصفية للقضية الفلسطينية).

اشترطت مصر دخول المساعدات للسماح للأجانب بالخروج من القطاع ونجحت.. اشترطت مصر دخول المساعدات والمرضى والجرحى للسماح لمزدوجى الجنسية بالخروج من القطاع ونجحت.. قدّم المجتمع المدنى المصرى ممثلاً فى التحالف الوطنى ومؤسّسة «حياة كريمة» مَلحمة وطنية قومية سيذكرها التاريخ عكسَها بيانُ المساعدات حتى منتصف الأسبوع الماضى. هذا البيان كشف أن ما قدّمته مصر وشعبها يعادل؛ بل يتفوّق على ما قدّمه العالم أجمع.. وفى السياق نفسه؛ تحوَّل مطار العريش إلى قِبلة دولية وعربية لاستقبال المساعدات الإنسانية.

 

 خطورة الموقف الراهن وتحديات الشرق الأوسط بَعد 7 أكتوبر

لماذا نقول إن الشرق الأوسط بَعد 7 أكتوبر تبدّلت معادلاته الاستراتيچية.. باختصار شديد إن الموقف الراهن يختلف عن كل الاعتداءات أو الحروب التى شنتها إسرائيل من قَبل على أهلنا فى قطاع غزة.. الصراع بين إسرائيل وحماس وصل إلى نقطة اللا عودة.. ولا تمتلك إسرائيل القدرة على اقتلاع حركة حماس من القطاع ولا تمتلك حماس القدرة على إنهاء الاحتلال.

وصل إلى نقطة اللا عودة؛ لأن إسرائيل حدث لها أكبر انكشاف استراتيچى منذ وجودها.. انكشاف عكسَ العقيدة التى تأسّست عليها دولة الاحتلال والاستيطان القائمة على فكرة إرهاب خصمها والتمدد والإيهام بالقوة غير المحدودة والتخطيط الدقيق.. فوضى سياسية ومجتمعية داخلية طاحنة ضربت إسرائيل ولا تزال وجد معها نتنياهو نفسَه مُحاصَرًا؛ إمّا الاستمرار فى القتل والتطهير العرقى أو مواجهة التحقيق الداخلى ونهايته السياسية التى قد تقوده إلى السجن، وبالتالى لاستمرار أبعاد إسرائيلية داخلية لا يمكن استبعادها عند تقدير الموقف.

حركة حماس هى الأخرى لديها قرار سياسى خارج القطاع وقرار عملياتى داخل القطاع، وبين القرارَيْن تقاطعات واختلافات وصراعات كامنة.. حماس رسّخت وجودَها فى القطاع منذ العام 2006 بدعم غير مباشر من إسرائيل التى تعمدت إضعاف السُّلطة الفلسطينية على ما يقرب من عقدين.. وكلما زادت قوة حماس والفصائل داخل القطاع وتم إضعاف السُّلطة الفلسطينية أصبح الوفاق الفلسطينى بعيد المَنال.. رسّخت حماس وجودَها ببنية تحتية ممثلة فى شبكة عنكبوتية من الأنفاق الحديثة تكفلت بعدم إحداث أضرار جسيمة فى بنيان وقوام الحركة الماكثة تحت الأرض؛ أمّا فوق الأرض فالمدنيون هم الصيد السهل للمحتل المجرم.. كما طوّرت حماس من بنيتها العسكرية بشكل واضح.. وتكفّل خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بشرح خريطة حزام النار المحيط بالمنطقة من اليمن إلى لبنان وصولاً إلى العراق.

وبالتالى رغبة حكومة الاحتلال فى اجتثاث حماس من غزة لن تتحقق، ومن هنا بدأ تعمد تحريك سيناريوهات التهجير؛ خصوصًا إلى سيناء ليحقق نتنياهو انتصارًا استراتيچيًا أمام الرأى العام الإسرائيلى، وعمدت إسرائيل إلى تحريك هذا المخطط بالمكاشفة وبالتمرير عَبْرَ وسطاء دوليين، وكان الموقف المصرى عنوانه على الأرض إذا مسّت سيناء فالتصعيد سيواجه بالتصعيد.

 كيف نجحت مصر فى التأمين المُحكم لسيناء ومنع تكرار سيناريو الاقتحام؟

10 سنوات استغرقتها الحرب المصرية على الإرهاب.. قدّمت مصرُ خلالها أكثر من 3000 شهيد كى تظل سيناء مصرية خالصة، وبينما كانت يد التنمية تعمل ويد محاربة الإرهاب تنتصر؛ كان التخطيط الاستراتيچى حاضرًا؛ لاسيما بَعد القضاء على فوضى الأنفاق الحدودية التى دفعت مصر ثمنَها بعد 2011.

قبل سنوات وتحديدًا فى العام 2020 وقبل أن يدخل الشرق الأوسط فى دوامة الموجة الأولى من فيروس «كورونا».. كان الجدل قد ضرب الصحافة الإسرائيلية والصحافة الدولية بعد انتهاء مصر من تشييد تحصين فولاذى على طول 14 كم مساحة حدودها مع قطاع غزة، وفى الوقت نفسه كانت تطوّر من مَعبر رفح البرى والذى هو فى الأصل مخصّص لعبور الأفراد.

 

التحصين الفولاذى- كما وصفته الصحافة الدولية آنذاك- يتمثل فى سور من الفولاذ ارتفاعه يصل لـ7 أمتار تتقاطعه نقاط مراقبة محصنة، وخلفه طريق ممهد لعمليات التمشيط الحدودية، ثم جدار آخر أسمنتى ثم سياج من العوائق، والقدرات على التعامل بشكل مباشر مع أى اختراق للحدود.

امتلاك مصر للقدرة على الأرض جعلت الموقف المصرى يقف على أرض صلبة.. هذه الصلابة منبتها فى فكر الدولة الوطنية الحاضرة فى مصر التى تنظر دائمًا باستشراف مستقبلى نحو كل المَخاطر والتحديات التى يواجهها الأمن القومى المصرى على مختلف الاتجاهات من أبعد نقطة.

.. وللحديث بقية.