الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
طه حسين والصهيونية

طه حسين والصهيونية

أكتوبر شهر العزة والكرامة، فقد شهد انتصارنا على إسرائيل عام 1973 ويشهد الآن صمود أهالى غزة ضد العدوان الإسرائيلى الغاشم، ويتزامن ذلك مع مرور 50 عامًا على وفاة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وهو ما يذكرنا بواحدة من أقسى الاتهامات التى وجهت له وما زال البعض يرددها حتى الآن، وهو أنه مع الصهيونية وضد فلسطين، اتهام يطعن فى وطنيته، بل يرقى إلى درجة العمالة وما أقساها من تهمة، الغريب أن من وجهوا له الاتهام لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث فى كتابات العميد ويقرأوا ما كتبه دفاعًا عن فلسطين وضد الصهيونية، ولكن الكاتب  والباحث والمفكر الكبير حلمى النمنم وزير الثقافة الأسبق تصدى لهذه الفرية وفنّدها فى كتابه «طه حسين والصهيونية» الذى صدر منذ سنوات عن دار الهلال.. يقول النمنم: «يقسم بعض الكتاب بأغلظ الأيمان أن طه حسين لم يكتب كلمة واحدة طوال حياته عن فلسطين، وقد فسر بعضهم ذلك بأنه كان معاديًا لفلسطين والعروبة ومنحازًا لأوروبا والغرب وأن ذلك جزء من عدائه للإسلام، ولكن أرشيف طه حسين يكذب ذلك على نحو قاطع ذلك أن العميد كتب كثيرًا عن فلسطين».. وينشر النمنم بعض هذه الكتابات مثل مقاله فى جريدة  «كوكب الشرق» بعنوان «فلسطين»، والذى كتبه عندما لاحظ ازدياد هجرة اليهود إلى فلسطين وزيادة رأس المال اليهودى هناك، ويتحدث  فيه عن ضرورة الوقوف إلى جانب الفلسطينيين فى ظل الأحداث التى ألمّت بهم بعد قيام الإنجليز بالاعتداء عليهم، ويضيف: «كم نحب أن يشعر إخواننا من أهل فلسطين أننا شركاؤهم فيما يحسون من ألم وما يعلنون من سخط تجاه هذا الظلم الذى يصبه عليهم الأجنبى صبًا»، وينهى المقال بالدعاء لشهداء فلسطين، ونشر بعد ذلك بشهور مقالاً ثانيًا فى نفس الجريدة عنوانه «غريب» ويدور حول صديق فلسطينى هرب من التعنت الإنجليزى إلى مصر ومرضت والدته وأراد أن يزورها فمنعته السلطات الإنجليزية من دخول وطنه، وندد المقال بالاحتلال البريطانى متحدثًا عن فلسطين ومأساتها تحت الانتداب البريطانى،  ولكن هناك واقعتان يتخذهما خصوم طه حسين سببًا لاتهامه، الأولى تتعلق بإشرافه على رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة تقدم بها المستشرق اليهودى «إسرائيل ولفنسون» عن اليهود فى جزيرة العرب خلال الجاهلية وصدر الإسلام، والثانية أنه ألقى محاضرة فى مدرسة الطائفة اليهودية بالإسكندرية عام 1944 عن اليهود والأدب العربى، ويرد النمنم على هذين الاتهامين بقوله: «إن هناك فرقًا كبيرًا بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة سياسية عنصرية فليس كل يهودى صهيونيًا»، ويضيف النمنم أن ولفنستون وجه الشكر فى مقدمة رسالته إلى الشيخ الأزهرى المعروف عبدالوهاب النجار الذى أسدى له كثيرًا من النصح والإرشاد، كما أن لجنة التأليف والترجمة والنشر قامت بنشر الرسالة فى كتاب عام 1937  وهى تضم كوكبة من كبار الأدباء والمفكرين ولو أن بالرسالة ضعفًا أو عوارًا أو ابتعدت عن الروح العلمية لما وافقت اللجنة على نشرها.



أما عن محاضرة العميد فى المدرسة اليهودية فيقول النمنم: «إن المعترضين على المحاضرة يغفلون أنها ألقيت وسط تجمع ثقافى مصرى وحضرها وكيل محافظة القاهرة وعمداء كليات جامعة الإسكندرية وطائفة كبيرة من أهل الثقافة والكتابة، ويضيف النمنم: «إن من يقرأ المحاضرة يجدها تفيض إحساسًا بالعروبة وبالمصرية، وتحمل أفكارًا مضادة للصهيونية»، ويعود النمنم مرة أخرى إلى مقالات طه حسين والتى كتبها مدافعًا عن فلسطين وينشر أجزاء منها: «عاش العالم قرونًا على أن فلسطين عربية وجزء طبيعى من العالم العربى يعيش فيه الناس كما يعيشون فى أقطار البلاد العربية عيشة عادية لا عوج فيها ولا التواء، فلسطين عربية ويجب أن تبقى كذلك»،  ويكتب أيضًا: «إذا كانت أوروبا ترى أن هناك مشكلة يهودية فهى لم يصنعها الفلسطينيون ولا يتحملون مسئوليتها، بل هى مشكلة أوروبية ولا يجب أن تحلها على حساب غيرها من الناس»، وفى مجلة مسامرات الجيب يكتب عام 1945 مقالا بعنوان «الشرق» متهما بريطانيا وأمريكا بأنهما السبب فى المشكلة الفلسطينية، وكان ذلك من أوائل الكتابات التى  انتبهت وأشارت إلى الدور الأمريكى فى القضية الفلسطينية، ويكتب أيضًا فى جريدة البلاغ عام 1946 عن الصراع الهائل بين الحق الفلسطينى والباطل اليهودى، كما كتب مهاجمًا قرار تقسيم فلسطين الذى صدر من الأمم المتحدة، ويرى طه حسين أن الحل فى الجهاد  وهو واجب الحكومات وليس الأفراد  لأنها أنشئت لتنهض بأعبائه وأول هذا الجهاد مقاطعة هيئة الأمم المتحدة.

ويفند النمنم اتهاما آخر وجه لطه حسين  وهو رئاسته لتحرير مجلة الكاتب المصرى وهى مجلة تعرضت للهجوم لمجرد أن أصحابها كانوا أسرة هرارى اليهودية، يقول النمنم: «إنه لم يعرف عن هذه الأسرة أى ميول صهيونية، بل إنها تعرضت للانتقاد من المنظمات الصهيونية لأنها لم تدعمها، ولأنها لم تبدِ حماسًا لوعد بلفور»، ويدعى المغرضون أن المجلة لم تكتب حرفًا واحدًا مهاجمًا الصهيونية ومدافعًا عن فلسطين، ولكن النمنم يرد ساردًا وبالتواريخ المقالات الكثيرة التى نشرت بالمجلة وبأقلام كثير من كتابها، وهو ما يؤكد أن المجلة لم تغفل منذ العدد الأول عن المشكلة الصهيونية فى فلسطين ولا مشكلة الاستعمار، ويقول النمنم: «إن المجلة توقفت عن الصدور عام 1948، ولكن الاتهامات ضد طه حسين لم تتوقف إلى اليوم»، الكتاب يتضمن  كثيرًا من المقالات المهمة التى تثبت تعنت المهاجمين لطه حسين والمتربصين به وهو وثيقة تثبت براءة العميد من تهمة لاحقته كثيرًا.