الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أمريكا واللعب من خلف الستائر السوداء حرب أكتوبر بريئة من رفع أسعار النفط عالميا!

أمريكا واللعب من خلف الستائر السوداء حرب أكتوبر بريئة من رفع أسعار النفط عالميا!

«لا علاقة بين حرب أكتوبر ورفع أسعار النفط فى العالم، وكان أسهل على الدول المنتجة للنفط أن تعلن الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ولا تفرض حظرا بتروليا أو ترفع أسعاره بالطريقة التى تريدها»!



ما نرويه هنا مفاجأة مذهلة، لكن ليس وجهة نظر أو رأيا شخصيا أو كلاما عاما، إنما «حقائق» علمية مدعمة بالوثائق والأدلة والشهود، واردة فى دراسة دكتوراه عمرها يتجاوز أربعين عاما، دراسة مدهشة لم تنل ما تستحقه من رواج وذيوع وتأمل، فى ظل صخب إعلامى منحاز ومضلل، رسالة فى الاقتصاد من جامعة جرينوبل، واحدة من أشهر الجامعات الفرنسية، تحت إشراف البرفيسور «جان مارى شيفاليه»، الاقتصادى اللامع صاحب الثلاثين كتابا فى الطاقة وأزماتها ومستقبلها والذى رحل عن عالمنا قبل عامين.

 

صاحب الرسالة هو الدكتور مختار خطاب، نعم وزير قطاع الأعمال فى حكومة الدكتور عاطف عبيد من 1999 إلى 2004، وهى تزيح الستائر السوداء عن «وقائع» خفية عن رفع أسعار النفط فى السبعينيات، خاصة فى زمن حرب أكتوبر 1973، من الذى وراء الرفع؟، كيف فعلها؟، والرسالة بعنوان «تكوين أسعار النفط الخام فى الأسواق الدولية».

المدهش حين تحدثت مع الدكتور مختار خطاب قبل أيام وسألته: كيف لم تنشر رسالة دكتوراه بهذه الأهمية فى كتاب، يجده القارئ والباحث فى المكتبات وهى تسجل «فترة شديدة الأهمية» فى اقتصاد العالم؟، قال لى بتواضع جم: لا أعرف، ربما لأنى لا أهوى الشهرة، ولم أسع إلى أى ناشر، أنا أنهيت عملى وحصلت على درجتى العلمية وكفى.

ثم قال: فعلا مصادفة أن تسألنى فى الوقت الذى أكتب فيه دراسة بالفرنسية عن تلك الفترة وسوف أنشرها فى مجلة معهد التخطيط القومى قريبا.

نعود إلى الرسالة المدهشة ونقرأها عليكم بعيدا عن المصطلحات ولغة الاقتصاد الصعبة.

وفكرة الرسالة داهمت عقل الدكتور مختار خطاب، حين سأل نفسه سؤالا: لماذا تكاثفت حملات الهجوم الشرسة على العرب بعد حرب أكتوبر، واتهمتهم بالجشع والتسلط، بعد أن تضاعف سعر برميل النفط عدة مرات فى فترات وجيزة؟

لم يكن يسعى إلى تبرئة العرب من أى اتهامات، لكنه لاحظ أن العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى بداية السبعينيات قد اشتعل بعشرات الحروب والمعارك والأزمات، ولم يتأثر بها سعر برميل النفط كأنها لم تقع، وظلت أسعاره ترتفع أو تنخفض بمقدار سنتات، حتى فى وجود منظمة أوبك، التى احتفل رئيس مجلس إدارة شركة «أسو» بتأسيسها بخفض سعر برميل النفط عشر سنتات، وكان البرميل وقتها بدولار و18 سنتا، ولم يرتفع بزيادة ملحوظة إلا فى أوائل عام 1970 مقدرها 62 سنتا دفعة واحدة، أى حوالى 50 %، ليصل إلى دولار و80 سنتا..أى كان استهلاك النفط أرخص من استهلاك الفحم المتوفر جدا فى أوروبا.

من هنا قرر أن يدرس كيف يتكون سعر برميل النفط فى الأسواق العالمية.

مبدئيا.. كان سعر النفط احتكاريا، لمجموعات مالية عالمية متنوعة النشاط الاقتصاددى والمالى أغلبها أمريكية مثل روكفلر، ميلون، مورجان، إذ امتلكت شركاتها البترولية حقوق الإنتاج والتسويق لكل أبار النفط بعقود امتياز، وهى التى تحدد الكميات والاسعار، وتمنح الفتات للدول ملاك الآبار الأصليين.

ولعب النفط دورا رئيسيا فى إعادة إعمار أوروبا بعد الدمار الذى ضربها فى الحرب العالمية الثانية، فسدت شركات البترول حاجات أهلها من الطاقة بأسعار بخس، إلى درجة أن النفط كان أرخص من الفحم المتوفر جدا فى أوروربا، وعملت الشركات على تعويض ضآلة الأسعار باستنزاف الآبار، حتى وصلنا إلى نهاية الستينيات.

كانت حركات التحرر من ربقة الاستعمار على أشدها، ومعها استرداد الثروات الوطنية من ناهبيها، فلجأت بعض الدول إلى تأميم نفطها، كالعراق وليبيا والجزائر، وألغت دول أخرى نظام الامتيازات واستبدلت به نظام المشاركة فى رأسمال هذه الشركات، التى لم تمانع لسبب بسيط جدا، وهو أنها المسيطرة على التسويق، كما أن علاقاتها بالدول الأكثر قدرة على الإنتاج داخل الأوبك متينة وصلبة، ومؤثرة فى قراراتها، خاصة أن الطبقة الحاكمة فى تلك الدول الحليفة تستثمر أموالها مع المجموعات المالية العالمية، فى مصانع كروب للصلب، مصفاة بورتريكو العملاقة، شركة هوكست للأسمدة والميثانول، شركة سينتافى للنفط والغاز الطبيعى، جزيرة كياوا السياحية، ثلاثة عشر بنكا ومصرفا وشركة ملاحة بريطانية، خلاف مشتروات السلاح.

ناهيك عن أن هذه المجموعات المالية كانت تفكر فى مستقبل الطاقة، فالنفط ثروة ناضبة، بعد خمسين سنة أو مئة سنة، وبالتالى درست سبل الاستثمار فى الطاقة البديلة، دون أن تتكلف الكثير، فكانت فكرة المشاركة جيدة، وهى أن تبيع جزءا من استثماراتها فى حقول النفط، وتمول بها أبحاث الطاقة البديلة، فأوعزت الإدارة الأمريكية إلى الدول النفطية الصديقة أن تطلب نصيبا فى ملكية الشركات البترولية.. وحدث بالفعل حتى وصل الأمر إلى الملكية الكاملة، لكن ظل التسويق خارج قرارها.

طيب ما علاقة هذا برفع الأسعار؟، طبيعى من يملك يحدد السعر، لكن ليس فى عالم تحكمه الولايات المتحدة.

نعم الولايات المتحدة هى التى تبنت سياسة رفع أسعار النفط، وسربت الفكرة أو أوحت إلى الدول بارتكاب الفعل وحمل مسئوليته أمام سكان الأرض جميعا.. كيف؟

كان لسعر النفط الرخيص والتوسع فى الصناعات القائمة عليه وجه قبيح أو عوارض جانبية، إذ أهمل العالم تماما تنمية مصادر الطاقة الأخرى، ووجدت الدول الغربية نفسها تواجه ما اسمته أزمة الطاقة، أو بمعنى أصح أزمة الاعتماد على النفط، ودرست أنها ستكون فى حاجة إلى 130 مليار طن نفط على نهاية القرن العشرين لو داومت على نمط الاستهلاك الحالى، وهو ما لن يتوفر لها.

كما أن سعر النفط الرخيص القادم من الشرق الأوسط تسبب فى إهمال «الاكتشافات البترولية» فى أمريكا وبحر الشمال البريطانى، إذ كانت تكاليف الإنتاج أعلى من سعر البيع.

هنا تفتق الذهن عن حل عبقرى.. يقلل من استهلاك النفط، يطور مصادر الطاقة البديلة، يتيح تنمية حقول النفط خارج دول منظمة أوبك.

كانت تكلفة البرميل فى بحر الشمال سبعة دولارات، وفى ألاسكا 15 دولارا.

فى الوقت نفسه كانت أمريكا تعانى مأزقا خاصا بها، يعرض أمنها للخطر كقوى عظمى، فى حالة نشوب حروب أو أزمات فى الدول النفطية، إذ ارتفعت وارداتها النفطية من الشرق الأوسط بدرجة خطيرة، خاصة بعد أن تخلت رؤوس الأموال الأمريكية عن تنمية الحقول داخل أمريكا وسعت إلى التكاليف الرخيصة فى الخارج، مما أجبر الرئيس الأمريكى إيزنهاور فى عام 1959 إلى تقنين الواردات النفطية..ولم يتغير الموقف حتى جاء الرئيس ريتشارد نيكسون، وكلف لجنة من خبراء الطاقة فى نهاية الستينيات بدراسة الملف، فأوصت اللجنة بخفض أسعار النفط الأمريكى وفرض ضرائب استيرادية على النفط المستورد.. ولم ينفذ وصيتها.

وكلف لجنة أخرى، انتهت إلى ملخص: إن بقاء اسعار النفط فى السوق العالمى عند مستوياتها الحالية يمثل كارثة على مصادر النفط الأمريكى، ويزيد من تبعيتها لنفط الشرق الأوسط.

وبالفعل ارتفع سعر البرميل 73 سنتا إضافيا ليصل إلى 2.55 سنتا فى سنة 1971، فى اتفاق طهران وطرابلس مع الدول المنتجة، التى كانت تحلم بأن تزيده ما بين 12 إلى 17 سنتا فقط. ولم يكن السعر الجديد كافيا؟

أذن هو رفع جديد لأسعار النفط؟، لكن إلى أى مدى؟

فى مؤتمر النفط العربى السابع فى الجزائر، يونيه 1972، قال جيمس أيكنز مستشار الرئيس الأمريكى للطاقة إن بعض أعضاء أوبك يفكرون فى رفع السعر إلى 5 دولارات.

وبعده بأسابيع قال فى محاضرة أمام المعهد الأمركى للطاقة: إن سعر 10 دولارات للبرميل لا يبدو سعرا غير واقعى، ويجب أن تستمر الأسعار فى الارتفاع إلى مستوى تكاليف الطاقة البديلة.

وجاءت حرب أكتوبر فهيأت المناخ ليرتفع السعر إلى الرقم الذى حدده جيمس أيكنز، وبعدها توالت الارتفاعات تباعا، وصارت أمرا طبيعيا متناسبا مع مصادر الطاقة البديلة.

ماذا عن حظر النفط العربى خلال الحرب؟

لم تغضب أمريكا وإن تظاهرت بالرفض، لأن الضرر منه كان هامشيا، فالذى تضرر هو أوروبا واليابان بالدرجة الأولى، وكانت أمريكا تفضل فى ظل المنافسة الاقتصادية أن تهدئ من نموهما الاقتصادى قليلا، النمو الذى أنتج سلعا أرخص من السلع الأمريكية وأفقد الميزات التجارى الأمريكى بعضا من توازنه.

هذا بالضبط ما حدث.. ومازال اللعب مستمرا لكن مع روسيا الآن.