الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
البطل المنسى

البطل المنسى

منذ أيام مر 225 عاما على إعدام البطل محمد كُريّم بأمر من نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية على مصر، وللأسف لم يتذكر أحد هذه المناسبة الجليلة رغم أهمية أن تعرف الأجيال الجديدة تضحيات جدودهم من أجل استقلال بلدهم وكيف عانوا وواجهوا الصعوبات والتحديات الكثيرة والكبيرة رافضين أن يتخلوا عنها، وهى رسالة مهمة فى ظل الرغبة المنتشرة لدى الكثير من الشباب فى الهجرة بحثا عما يعتقدون أنها حياة أفضل وفرص أكبر وهربا من تعقيدات عديدة تواجههم وتؤرقهم إزاء مستقبلهم، مثل هذه المناسبات تكون فرصة لكى نقول إن الوطن ومهما كان يمر بظروف صعبة لا يجب أن نتركه فى أزمته أو نتهاون فى حمايته، ولذا كنت أتمنى أن تكون هناك احتفالية كبيرة فى ذكرى مرور قرنين وربع على استشهاد كُريّم نذكر فيها الشباب ببطولته وتضحياته ونقول من خلالها أننا لا ننسى أبطالنا مهما طال الزمن، لا أدرى لماذا تم تجاهل أو نسيان هذه المناسبة؟ ولا أعرف من المسئول عن ذلك؟ كنت أتوقع أن تبادر كل المؤسسات خاصة فى الإسكندرية بعمل احتفال كبير يليق بذكرى بطل عاش من أجل وطنه ومات فى سبيله.



الكثيرون يعرفون اسم محمد كُريّم فقد جاءت حكايته فى كتب التاريخ التى يتم تدريسها فى المدارس فى الفصل الخاص بالحملة الفرنسية على مصر، ولكن هذا لا يمنع أن نذكر من نسى أو من لا يعرف ماذا فعل هذا البطل؟، كان كُريّم حاكما للإسكندرية عندما جاءت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت لاحتلال مصر، وحاصر الأسطول الفرنسى المدينة وطلب من أهلها الاستسلام، ولكنه رفض وقاد المقاومة ومعه أهل الإسكندرية وكانت المواجهة غير متكافئة فنجح الفرنسيون فى دخول المدينة، ولكن استبسال البطل المصرى وشجاعته جعلت نابليون يستقبله بعد القبض عليه، ورد إليه سلاحه وأبقاه حاكمًا على الإسكندرية، وعين معه الجنرال كليبر حاكمًا عسكريًا للمدينة، ولكن محمد كُريّم استمر فى رفضه للاحتلال الفرنسى وظل ينظم المقاومة الشعبية ضده، متخذا من الصحراء القريبة مكانًا لترتيب وجمع المجاهدين وتنظيم الصفوف، ومن دمنهور فناء خلفيا للعمل المسلح، ومع زيادة أعمال المقاومة ونشاطه الكبير عرف الفرنسيون أنه وراءها فقبضوا عليه، وعينوا بدلا منه محمد الشوربجى الغريانى حاكما على الإسكندرية، وتم ترحيله إلى القاهرة حيث حوكم بتهمة خيانة فرنسا، وأصدر نابليون أمرا بإعدامه رميا بالرصاص، ومصادرة أملاكه وأمواله، ولأن نابليون كان معجبا بشجاعته فقد خيره بين دفع ثلاثين ألف ريال خلال أربع وعشرين ساعة ليفتدى نفسه وينقذ حياته أو الإعدام، وحسب ما ذكره المؤرخ المعروف عبدالرحمن الرافعى نقلا عن المراجع الفرنسية أن كُريّم رد على نابليون قائلا «إذا كان مقدورا على أن أموت فلن يعصمنى من الموت أن أدفع هذا المبلغ، وإن كان مقدورا لى الحياة فعلام أدفعه؟»، ونفذ الحكم فعلا بميدان الرميلة فى 6 سبتمبر 1798، ظل كُريّم حيا فى وجدان الناس رغم تجاهل الحكام له لسنوات طويلة، ولكن بعد ثورة يوليو تم تكريمه، ففى عام 1953 وضعت صورته لأول مرة مع صور محافظى الإسكندرية فى مبنى المحافظة، كما أطلق اسمه على أحد شوارع المدينة، وعلى إحدى المدارس بسموحة، وأيضا على مسجد بجوار قصر رأس التين، ووضع له تمثال فى حديقة الخالدين، هذه هى قصة البطل والتى تستحق أن نفخر بها وأن نرويها لأولادنا وأن نقول لهم ليس معنى أننا نمر بفترات صعبة أن نتخاذل ونستسلم، فلدينا بطل قاوم أسطولا وجيشا مدججا بأحدث الأسلحة وقتها، ورفض أن يهادن مثلما فعل غيره من الذين قبلوا التعاون مع المحتل، ورغم ثرائه وقدرته على دفع الفدية إلا أنه فضل أن يعدم على أن يعطى الفرنسيين فرصة أن يشاهدوه وهو منكسر ومتخاذل، رحل الفرنسيون مهزومين واحتقر الناس من تعاونوا معهم، وبقى اسم محمد كُريّم خالدا، فمهما فعل الاستعمار وأعوانهم فإن الأبطال سيظلون محفورين فى ذاكرة الشعوب.