الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كتاب و أديب.. «ابنة البابا» الرواية التى تبرئ صاحبتها من تهمة «الخيانة».. قصة «لوكريسيا» المثيرة للجدل.. هل هى قاتلة أم ضحية؟ الحلقة (11)

شخصية مثيرة للجدل، صورها الأدباء والمؤرخون بأنها عاهرة وقاتلة وخائنة.



من أبرز كبار الأدباء الذين نقلوا إلينا وقائع عائلتها المتسلطة هم،  ألكسندر دوما، فيكتور هوجو وماريا بيلونشى، ولكن أكثرهم أهمية كان «جون فورد» الكاتب والمسرحى البريطانى وهو من العصر الإليزابيثى، حيث ألف مسرحية فى بدايات القرن السابع عشر بعنوان «لسوء الحظ أنها عاهرة»، إنها «لوكريسيا بورجا» الابنة غير الشرعية للبابا الكسندروس السادس والذى أنجبها قبل دخوله فى سلك الكهنوت.

 

ولكن بالبحث وجد الأدباء أن مصدر ما قيل عنها فى هذه الفترة كان مرجعا رومانيا وحيدا وهو «أوفيد».. والكتاب الذى سنعرضه اليوم هو كُتِب دفاعًا عن لوكريسيا التى برأها القضاء من كل ما وُصِمت به على مدار قرون عديدة، حيث يكشف كتاب «ابنة البابا» للكاتب الإيطالى والمسرحى الساخر «داريو فو» دور عائلة الـ«بورجا» فى حياتها، خاصة والدها وشقيقها اللذين كانا يستغلانها لصالح صفقاتهما المالية والسياسية من دون أن تأخذهما بها شفقة أو رحمة.

ولكن بداية وقبل أن نتحدث عن أحداث الكتاب المثيرة لا بُد أن نعرف من هى عائلة لوكريسيا والتى كانت من أكثر العائلات المثيرة للجدل خاصة الأب والذى هناك من يراه البابا المصلح وآخرون كانوا يجدونه من أكثر الباباوات فسادًا إنه البابا «ألكسندر السادس» والذى وُلِد باسم رودريك دى بورجا فى الأول من يناير عام 1431 - روما، وتوفى فى 18 أغسطس 1503 وهو البابا الرابع عشر بعد المئتين للكنيسة الكاثوليكية من سنة 1492 حتى مماته (1503).لا نعرف الكثير عن أجداد بورجا، إذ ينسب البعض لهذه الأسرة الإسبانية انحدارها من آل ملوك أراغون دفعة واحدة، لكن هذا يبقى احتمالا ضعيفا.

ويبدأ تاريخ الأسرة من ألفونس بورجا والذى عرف باسم دومينيجو أحيانا، وباسم خوان أحيانا أخرى.

ولد ألفونس عام 1378 فى بلنسية. عين كاتبا سريا فى بلاط ملوك أراغون، ثم غير رداءه بغمضة عين لنجده، خلال زمن قصير، يرتدى ملاءة أسقف بلنسية. وبهذا اللباس يرسو فى نابولى، إبان حصول الملك ألفونس دى أراغون على لقب «عاهل النابوليين». عام 1444 عيِّن ألفونس بورجا كاردینالاً.

ومن المعلوم أن المخطط الإسبانى ينافس المخطط الفرنسى، منذ منتصف القرن الخامس عشر، على انتزاع منصب البابا وإمبراطوريته الأوروبية. وكان آل بورجا رواد الاستحواذ على العرش البابوى بل كان ألفونس تحديدًا أول من شغل منصب الحبر الأعظم من أسرته، وتكلل بالتاج البابوى عام 1455 بلقب كالكيستوس الثالث. وبعد أن وطد مفاصل حكمه، انتقل عدد كبير من أقاربه إلى روما، سواء أولئك الذين تجمعهم صلة الدم بقداسة البابا البلنسى، أم أولئك الذين تقربوا منه. وكان من بين هؤلاء قريبه العزيز: رودريغو.

يجمع كل المؤرخين والباحثين المختصين فى تاريخ آل بورجا، على أن رودريغو قدم إلى روما وهو ابن ثمانية عشر عاما تقريبا، واضعا نفسه تحت تصرف الحبر الإسبانى، تتلمذ رودريغو على يد المعلم غاسبارى دا فيرونا، ذى الخلفية الثقافية الواسعة والقدرات الهائلة فى مجال التعليم.

 بعد بضع سنوات، ينتقل الفتى إلى مدينة بولونيا، شمال إيطاليا، لدراسة القانون. يستغرق الحصول على الشهادة نحو سبعة أعوام و سرعان ما حظى باستلطاف زملائه فى الجامعة وتقديرهم. كان رودريغو شابا يضج عنفوانا، وسيم الملامح، لطيف الكلام. وكان محبوبًا من الجميع لدى الفتيات وسخيا مع الأصدقاء.

كان يحضر كل الدروس، دقيقًا فى خضوعه للامتحانات، ويحصل دومًا على ثناء كبير. وفى الوقت نفسه لا يتغيب عن المآدب فى المطاعم الشعبية وبيوت البغاء العامة... فى التاسع من أغسطس 1456، ورغم أنه لم ينه كامل دراساته، يجتاز رودريغو الامتحان النهائى، كان عمه حينذاك قد اعتلى العرش البابوي؛ يسره النبأ فيتحمس ويعينه كاردينالا مكافأة على جهوده، بالإضافة لصلة القرابة التى بينهما.

ولا يتوقف مسلسل المنح والامتيازات عند هذا الحد، حيث قرر البابا كاليكستوس الثالث تعيين ربيبه النجيب مبعوثا بابويا إلى مقاطعة أنكونا. وهذه ليست بالوظيفة السهلة، فالقائمون على تلك المقاطعة كانوا يتمردون ضد حكومة روما، ويتناحرون ما بينهم فى الآن ذاته، إلا أنه استطاع أن يسيطر على الأوضاع وحين وصل لروما استقبله الشعب خير استقبال، وكافأه البابا بتنصيبه نائبا له.. كان رودريغو بورجا رجلًا فاجرًا وفاسقًا غير نادم، كما تصرف على هذا النحو طوال حياته كعلمانى وككاردينال وكبابا أكثر من ذلك، دون أدنى اهتمام بإخفاء سلوكه الحياتى المشين عن الآخرين.

نثرت دروبه فى الأرض العديد من الأبناء، وبطبيعة الحال كلهم غير شرعيين. ومن علاقة مقامة مع جوفانا كاتانى والمسماة فانوتسا وُلد أربعة أبناء وثلاثة آخرين  ولدوا من امرأة مجهولة. وخلال فترة بابويته وُلد له طفلان آخران، من عشيقته الرسمية كانت جوليا فارنيزى زوجة أورسينو أورسينى.

ورغم كل ذلك كانت علاقته بعمه راسخة وتتمدد فى جو ودى متزايد، إلا أن الحبر الأعظم أصيب بداء النقرس وبلغ مرحلة شديدة الخطورة وبقى رودريغو وحيدا بجواره بعد أن تركه الجميع وظل معه حتى توفى.

وظل رودريغو نائبا بابويا حتى اعتلائه كرسى ماربطرس الرسول بعد 35 عاما من رحيل عمه.. ولئن كان انتخاب سلفه شيبو، ملطخًا بالتأكيد بمفاوضات سيمونية بإشراف الكاردينال جوليانو ديلا روفيرى والكاردينال بورجا نفسه، فإن انتخاب بورجا كان كذلك، لدرجة أنه بمجرد انتخابه، سارع باتخاذ إجراءات فورية لاحترام الالتزامات التى تم التعهد بها.

فى بداية توليه البابوية نفذ بورجا تغييرات مهمة فى روما الفوضوية آنذاك. استعاد النظام فى المدينة الخالدة والتى سقطت فى فوضى كاملة خلال فترة فراغ المنصب البابوى وتبنى تدابير مهمة فى السياسة الاقتصادية لإصلاح المالية العامة. وكان يبدو أن بابوية لائقة مؤكدة قد بدأت وربما أيضًا يقودها تنشيط روحانى، من خلال الوعد بالتخلى عن ذلك السلوك المتحرر الذى ميز وجوده حتى تلك اللحظة.. أحب البابا الكسندر ابنته غير الشرعية لوكريسيا وميزها كثيرًا عن أخواتها إلا أنه استغلها أسوأ استغلال ووقعت ضحية طموحه السياسى وفى السطور القليلة القادمة سنتعرف عليها.

 لوكريسيا

لوكريسيا بورجا ولدت فى 18 أبريل 1480 وتوفيت فى 24 يونيو 1519 وهى ابنة غير شرعية لـ رودريغو بورجا، من عشيقته فانوتسا دى كاتانى وشملت أشقاءها تشيزرى بورجا، جيوفانى بورجا، جوفرى بورجا. أصبحت عائلة لوكريسيا فى ما بعد صورة مصغرة من المكيافيلية السياسة العديمة الرحمة والفساد الجنسى المزعوم لتكون سمة مميزة لعصر النهضة البابوية كثيرا ما صُوِّرت لوكريسيا باعتبارها امرأة فاتنة، وهو دور قد صورته العديد من الأعمال الفنية كما هو الحال فى والروايات والأفلام.

قذفت لوكريسيا بورجا طوال القرون بأشنع التهم: ومنها القضاء على الأزواج، والأنسباء والأعداء بالسم، واتخاذ عدد كبير من العشاق، والتدخل فى الشئون السياسية فى عدد من الدول الإيطالية.

 فبدت طوال فترة من الزمن غير قصيرة وحشًا من وحوش الإثم والخطيئة. غير أن البحث والتحقيقات التى أجريت أخيرًا برأتها من معظم هذه المزاعم والادعاءات. كانت الابنة الحسناء الذكية للبابا ألكسندر السادس (بورجا)، وشقيقه سيزار بورجا، وقد زوجها ثلاث مرات لأسباب سياسية، وكان آخر أزواجها وارث دوق فيرارا أحد أفراد أسرة ايستى النبيلة. وربما لم تكن لوكريسيا تحبه، ولكنها استخدمت نفوذها وماله لإقامة قصر فخم كانت تستقبل فيه أبرز الشخصيات الأوروبية، وبخاصة الفنانين من أمثال تيسيانو ويبدو أنها كرست معظم وقتها للأعمال الخيرية، ولا سيما فى أوساط الأطفال الفقراء.

هل كانت لوكريسيا بورجا تلك التى تصفها الرواية المعاصرة شيطانًا للرذيلة والإثم؟ وهل كانت تلك البغى السافلة التى تتقلب بين أذرع أبيها وأخويها؟ أم هل كانت ضحية اتهام شائن تمليه الخصومة والحقد؟

هذا ما أخذه الكاتب الساخر داريو فو على عاتقه ألا وهو إظهار حقيقة لوكريسيا ورد اعتبارها فى روايته «ابنة البابا»، حيث فند فيها عائلة لوكريسيا فردًا فردًا، بداية من والدها مرورًا بأخواتها وأخيرا أزواجها.

أوضح فو أن لوكريسيا ما هى إلا ضحية لعلاقات مسمومة لأفراد عائلتها التى بنيت عليها الميكافيللية حيث يؤكد أن أخاها تشيرزى بورجا هو شخصية الأمير فى كتاب ميكافيللى. يسرد فو طفولة لوكريسيا وصدمتها فى معرفة حقيقة والدها حيث أنه كان يخبئ أبوته عن أولاده جميعا إلا أن احتياجه لهم فى مكائده السياسية يجعله يصارحهم. رتبت زيجات لوكريسيا الثلاثة لتتلاءم مع مصالح العائلة: انتهى الزواج الأول عندما ألغاه أبوها البابا، وانتهى الثانى بمقتل زوجها، ربما بترتيب من شيرازى.. وفى الرواية أظهر فو أن لوكريسيا  تتحلى بالجمال والذكاء. تولت خلال فترة وجيزة واجبات والدها الكنسية، دافعًا باستمرار الشخصيات، التى تستند إلى شخصيات تاريخية حقيقية، إلى مدح مزاياها.

تقع الشخصيات بسرعة تحت تأثيرها وتتبدل حالات الكره العميق بسرعة.. وقبل موتها نتيجة مضاعفات حملها العاشر، خُلد جمال لوكريسيا فى لوحات وقصائد.

حاول فو تبرئة اسم لوكريسيا التى تناولتها مسرحيات وأفلام كثيرة على مدار عقود طويلة فجاء كتابه الذى يسخر فيه كنوع من الكوميديا السوداء من عائلة بورجا وهو فن غير بعيد عنه، ففو هو أديب ومسرحى إيطالى ولد قرب فاريزى يوم 24 مارس 1926 حاصل على جائزة نوبل فى الأدب لسنة 1997.

ويعد من أعمدة المسرح الإيطالى لا سيما فى مجال التمثيل الكوميدى والمسرح السياسى الذى اشتهر على نطاق شعبى واسع، وارتبط اسمه بالحزب الشيوعى الإيطالى فترة من الوقت، وحين انفصل عنه فيما بعد لم يخفت صوته الانتقادى المسرحى للمؤسستين السياسية والدينية فى إيطاليا، وكان كاتبًا وممثلًا، وقد اشتُهر عالميا العام 1969 بفضل كتابه ميستيرو بوفو (ألغاز الكوميديا) وهو ملحمة عن المضطهدين مستوحاة من ثقافة القرون الوسطى يعلم فيها البطل وهو بهلوانى الثورة من خلال الضحك.

لم تكن ابنة البابا ومن قبلها الراهبة هما الروايتان الوحيدتان اللتان دافعتا عن المرأة وتحدثتا عما تعانيه المرأة فى فترة من الفترات الحالكة خاصة عصر محاكم التفتيش وما كانت تفعله الكنيسة فى شعبها خاصة النساء فها هى رواية «رؤى لوكريثيا» تطل علينا لتسرد حكاية فتاة اتهمت بممارسة السحر والشعوذة وسنعرف ما حدث لها ولكن فى الحلقة المقبلة بإذن الله.