الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الجعران خارج الجدران.. مهادن ومتردد وعميل ومنبوذ تجسير الفجوة بين المثقف والسلطة.. صور من قريب!

مصر أولا.. الجعران خارج الجدران.. مهادن ومتردد وعميل ومنبوذ تجسير الفجوة بين المثقف والسلطة.. صور من قريب!

يشغلنى كثيرًا حال الثقافة المصرية الآن!



قامت الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو بمواجهة شاملة لمواجهة التطرف والإرهاب قانونيًا وأمنيًا. وهو ما أعاد للمجتمع المصرى حالة الأمن والاستقرار. ولكن لم يقم المثقفون ولا المؤسسات الثقافية بدورهما فى المواجهة الفكرية والثقافية والمعرفية لأفكار التعصب والتشدد والتكفير المنتشرة فى العقل الجمعى للمجتمع المصرى. وهى أفكار تستغل الدين وتوظف التراث للانتشار والتغلغل فى تفاصيل حياتنا اليومية. ويظل المفقود هنا هو دور المثقفين الذين اكتفى غالبيتهم بالمشاهدة والمتابعة والنقد دون مشاركة مجتمعية أو إسهام فكرى يساعد على دعم ما حققته دولة 30 يونيو.

 

هل اختلف حال المثقف فى بداية القرن الواحد والعشرين عن بداية القرن العشرين.. خاصة فى علاقته بالقضايا الوطنية وتفاعلها معها؟!

هذه قضية خلافية.. لا تزال تثير إلى الآن السجال حول الشكل والمضمون الذى يحكم هذه العلاقة.. خاصة بعد المحاولات التى تمت بالفعل من جانب بعض المثقفين المنظرين لمنح شرعية لهذه العلاقة ومصداقيتها.. بالتلون لتحقيق أقصى استفادة شخصية ممكنة، وفى سبيل تحقيق ذلك «راهنوا» على القضايا الوطنية والمواقف الحاسمة لمحاولة «مسك العصا من النصف».. ليبقوا فى المساحة الرمادية السخيفة التى يروجوا لها باعتبارها المساحة الوسطية الجميلة والمتوازنة الآمنة لتحقيق الموضوعية، وهى فى الحقيقة منطقة وهمية افتراضية لا ملامح حقيقية لها. فالمثقف الحقيقى صاحب موقف واضح ومباشر دون مراوغة أو مساومة، والذاتية فى اختيار رأى والانحياز لموقف هى قمة اتساقه مع ذاته. 

 المثقف والسلطة

هناك سيناريوهات متعددة لعلاقة المثقف بالسلطة بشكل عام فى إطار الصور المتعددة للمثقف نفسه، وقبل أن أتعرض لهذه السيناريوهات.. لا بُد أن نحدد بصورة عامة بعض العناصر التى تمثل الإطار المرجعى لكل مثقف كالتالي: المعرفة العامة أو المتخصصة، والاهتمام بالشأن الثقافى، والاهتمام بالقضايا العامة بالمجتمع خارج نطاق تخصصه، ثم التعبير عن هذه الاهتمامات بقصد التأثير فى كل من المجتمع والسلطة معًا، فالمحصلة النهائية للمثقف هى مدى وعيه بقضايا وطنه وهموم مجتمعه، وإدراكه للدور الذى يجب أن يقوم به من إسهامات فكرية.. تترجم إلى أفكار عملية قابلة للتنفيذ والتحقيق، وليست مجرد أحلام ربما من المستحيل تحقيقها من الأصل، بالإضافة إلى استشراف أفضل للمستقبل.

أزمة المثقف تاريخيًا.. تعود إلى ما حدث فى فترة مبكرة من تاريخنا، حيث تم إرساء القواعد التى تحكم علاقة المثقفين ببعضهم البعض.. بنفى الرأى المختلف أو تصفيته جسديًا وتكفيره من جهة، وعلاقتهم بالسلطة.. بتملقها أو استعدائها أو رفضها تمامًا وغلق باب الاجتهاد من جهة أخرى. ومع مراعاة تغيير المسميات والكلمات والمصطلحات من المثقف والمفكر أو الفقيه ورجل الدين وغيره. فضلًا عن التحديات المكررة بين الولاء والانتماء للوطن من جانب، وبين التغريب وتأثيرات العولمة من جانب آخر. 

ولعل هذا الإطار هو الذى يفسر وجود البعض من المثقفين بصورهم المتعددة.. بداية من المتردد والمهادن والصامت، مرورًا بالعميل والعولمى والتطبيعى، ووصولًا إلى العضوى والخبير، وهو ما يفسر بصورة أو بأخرى ظهور بعض المثقفين «الأبطال» والبعض الآخر «المنبوذ»، كما يفسر - أيضًا - لماذا كان بعضهم عملاء أو شهداء؟ وإن كان معظمهم أشقياء، ولا نحتاج هنا إلى ذكر الأسماء بعد أن تخلت مثل تلك النوعية من المثقفين عن دورها، وأصبحوا مجرد مندوبين ربما لجهات ثقافية خارجية، أو وكلاء حصريين للدفاع عن دول أخرى.

 فراغ ثقافى

وهو ما يجعلنى أتساءل قبل أن أعود إلى صور المثقفين: أين المثقف حقًا؟!

على الرغم من أن هذه النوعية من الأسئلة تنحصر إجاباتها بين الإيجاب والنفى، فإن الوضع يختلف هنا.. لأن السؤال قديم وجديد فى آن واحد، وهو سؤال معلق وأصبحت إجابته غير معروفة تمامًا فى ظل الأقنعة التى يرتديها المثقفون الآن فى عصر العولمة والذكاء الاصطناعى ومحاولات الانتقاص من دور مصر الثقافى فى مقابل زيادة دور افتراضى يتم شراؤه بالهبات والحفلات والمهرجانات والليالي؟

إننا أمام مفارقات لصور بعض المثقفين لم نتعود عليها قبل ذلك، والأجدر أننا لم نعرفها من قبل، وربما يكون ذلك هو أحد أهم الأسباب الرئيسية لهذه المعارك الوهمية التى تدور بين فئة من هؤلاء المثقفين بحيث تتخذ أشكالًا لا تمت بصلة إلى تقاليد الفكر والمعرفة.. بقدر ما تنتمى إلى الدفاع عن من يمولهم ويشترى توجهاتهم مقابل حفنة من الدولارات.

وهو ما يجعلنى أتساءل أيضًا قبل هذا وبعده: هل سقطت جدران «الحمام» من حول المثقفين حسب السؤال الذى طرحه الراحل محمد حسنين هيكل فى أحد كتبه قبل ذلك؟

وهل يحتاج المثقفون بالفعل إلى «حزام العفة» حسب تعبير هيكل نفسه؟

إذن، إننا أمام الاستفهام السهل الممتنع؟!

السهل فى طرحه، والصعب جدًا فى محاولة الإجابة عنه للفهم والاستيعاب..

 صور المثقف

أتوقف هنا عند بعض صور المثقفين، وليس لحصر جميع صورهم، وقد حاولت التقرب من هذه الصور لأنها موجودة فى حياتنا، بل يحتل بعضهم الآن مناصب مرموقة ويتبوأ البعض الآخر مناصب ثقافية أكبر من حجمهم بكثير، وإن كانت أقل من مواهبهم ومؤهلاتهم الشخصية التى يعرفها كل من أقترب منهم.

على هذا النحو، نجد المثقف المهادن أو الصامت.. الذى تخلى عن دوره تجنبًا لبطش المؤسسة الثقافية أو بطش الشلل الثقافية، ويكتفى بأن يكون من ركاب العربة الأخيرة حتى لا ينتهى فى مكانه، فى الوقت الذى يحافظ فيه على وجوده. وإن كان ضعيفًا وبطيئًا إلى حدًا ما، ويمثل هذا النمط بعض المثقفين الذين تقدم بهم العمر، ويحاولون البحث عن مكان ما فى المشهد الثقافى المشوه.

وهناك المثقف المتردد، وهو ما ينطبق عليه أمثلة شعبية كثيرة، لأنه فى حقيقة الأمر لا يمكنه التمسك باتجاه فكرى أو أيديولوجى واحد، ففى هذا التردد والتأرجح بين القضايا الفكرية والمواقف الوطنية يستمد هذا المثقف مقومات بقائه واستمراريته. 

أضف إلى هذا المثقف العميل (رغم قسوة الوصف)، وهى صورة لها وجهان، الأول الذى يعمل من أجل تبرير كل السلوكيات طمعًا فى منصب جديد أو فى مكافأة مادية أو منحة أو تكريم أو جائزة، أما الوجـه الثانى فهو الذى يعــمل من أجل تحقيق مصالحه الشخصية، ولكن بطموح أكبر من الحدود الجغرافية سواء تحت بند الدفاع عن حرية الفكر وحقوق الإنسان أو عن الوحدة الوطنية. وأعتقد أن هذا النمط هو الذى عمل على تشويه الحياة الثقافية والحركة الحقوقية فى مصر لأن السائد «أن الحسنة تخص أما السيئة فتعم». ومع مراعاة أن «العمالة» هنا لا تقتصر على الولاء الخارجى بعيدًا عن حدود الوطن، فهناك عمالة غير مباشرة، والتى تصب أيضًا فى تحقيق مصالح البعض الخارجية، والتى ينفذها هؤلاء الفئة من المثقفين ربما دون أن يعلموا عنها شيئًا.

تطبيعى وعولمى

أتمهل هنا عند صورة المثقف العولمى أو التطبيعى الذى يبرر خرافة «ثقافة السلام» بشكل مطلق، وهو نمط يدل على محاولة نشر مفاهيم الفساد السياسى فى إطار ثقافى، ولا يمنعه ما سبق من المشاركة بالإعداد والتنظيم لمؤتمر دولى لنشر مفاهيم إنسانية راقية بأغراض خفية تصب ضد المصلحة الوطنية. ونموذج ذلك الدال الحديث عن مفاهيم «التسامح الدولى والأديان الإبراهيمية» و«السلام». والتى يتم ترديدها والترويج لها بأسلوب فلسفى شيق ومبهر، دون أى مراعاة للتاريخ وللذاكرة الوطنية تجاه تلك المصطلحات التى تعبر عن قضايا دولية شائكة.

ثم نتمهل أكثر عند صورة المثقف الخبير الذى يؤدى عمله دون الاصطدام بأحد حتى لا يصبح عميلًا أو يدخل ضمن نطاق صور المثقفين الشهداء الذين تضحى بهم المؤسسة الثقافية أو تضحى بهم الحركة الثقافية نفسها عندما تتخلى عن تدعيمهم فى مواقفهم، بل وتساعد أحيانًا على نحرهم إعلاميًا وثقافيًا. 

ولأن كل قراءة لواقع معين يمكن أن تكون محملة بدلالات كثيرة بعضها إيجابى وبعضها سلبى، وعلى الرغم من استعراضنا لبعض وليس كل الصور السلبية، فإن الوجه الآخر للمشهد الثقافى الآن يبشر بوجود نمط جديد من المثقفين الذين يطمحون فى عبور حقل ألغام الموت الثقافى الذى احتوى بعضهم، ولم يتمكن من البعض الآخر.

إن هذا النمط من المثقفين هو النمط الفعال الذى يعى دوره جيدًا ويدركه.. دون أية شبهة لمصالح شخصية، وهو النموذج الذى يجب أن يكون عليه جميع المثقفين.

 نقطة ومن أول السطر

نحن فى أشد الحاجة إلى دراسة منهجية فى ظل المأزق الذى تتعرض له الحياة الثقافية الآن، ويعيش فيها المثقف ربما فى حالة فراغ فكرى.

أعود وأسأل: هل سقطت جدران «الحمام» من حول المثقفين؟ وهل يحتاج المثقفون بالفعل إلى «حزام العفة» فى نهايات القرن العشرين؟! 

من منا يرى نفسه واحدًا من هؤلاء، ومن يعتقد منا أنه يعرف فإنه لا يعرف!

أسئلة ليست لها إجابات، على الأقل الآن.