الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
بغدودة يفتح ملف المهاجرين

بغدودة يفتح ملف المهاجرين

 لا أحب أن أطلق عليهم مسمى الهاربين، لأنه يحمل اتهاما لهم دون إجراء تحقيق فى الأسباب التى دفعتهم لترك الوطن والسفر إلى دول أخرى لكى يلعبوا باسمها أو يعملوا فيها وينتموا إليها، فقد يكونون أجبروا على ذلك بسبب الظروف التى عانوا منها، كما أننى لا أدافع عنهم ولا أقول أن تصرفهم صحيح، ومن يحدد ذلك هو دراسة الوقائع المتعددة والتى تختلف ظروفها من شخص إلى آخر، ولكن تكرار الأمر وفى أكثر من مجال يدعونا إلى الانتباه لهذه الظاهرة الخطيرة، لا أتحدث هنا فقط عن اللاعبين الذين سافروا إلى دول أوروبية لكى يلعبوا باسمها فى الرياضات الفردية وآخرهم ما حدث مع لاعب المصارعة بغدودة والذى فور فوزه بالمركز الثانى فى بطولة أفريقيا التى أقيمت منذ أيام فى تونس فاجأ الجميع بالسفر إلى فرنسا للعب باسمها أو للعمل بها، وهو تصرف سبقه إليه عدد من الرياضيين فى اللعبات الفردية بسبب ضعف المردود المالى وقلة الاهتمام بهم من قبل الاتحادات الرياضية، لا أدرى إن كان بغدودة ظالما أم مظلوما وهل سيعود لمصر أم لا؟ ولكن الواقع الرياضى يحتاج إلى نظرة شاملة لحل ما يواجه الرياضيين من مشاكل وعراقيل تعيق تحقيقهم لانتصارات أو تدفعهم لترك البلد، لكن الأخطر فى وقائع الهجرة ليس ما يحدث فى الرياضة رغم أهميتها ولكن الهجرة فى مجالات أخرى خاصة عندما تكاد تصبح ظاهرة، ففى الرياضة دون التقليل منها يمكن أن يكون هناك بدائل للاعبين المهاجرين أو الهاربين، أو حتى لا نشارك لعدة سنوات فى البطولات حتى نوجد البديل، أما فى المجالات المتعلقة بمستقبل البلد وارتقائها فلا بد من تدخل سريع لوقف نزيف العقول، وربما أهم هذه المجالات الطب لأنه يتعلق بالصحة وحق المواطن فى وجود طبيب يعالجه، وهى قضية كتبت عنها من قبل وتحدث فيها كثير من الأطباء ونبهوا إلى خطورة هجرة الأطباء فى السنوات الأخيرة ما ينذر بانخفاض حاد فى عدد الأطباء فى مصر خاصة العاملين فى وزارة الصحة والمستشفيات الحكومية فى السنوات المقبلة.



الأرقام التى تشير إلى هذا الخطر متاحة ومعلنة حيث تقدر نقابة الأطباء عدد الأطباء الذين استقالوا من وزارة الصحة من يناير حتى مارس الماضى بـ 934 طبيبا كما أصدرت النقابة عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» بيانًا يكشف أنه فى عام 2022 وصل عدد الأطباء المستقيلين إلى 4261، وهو العدد الأكثر خلال السنوات السبع الماضية، وأوضحت النقابة أن هذا العدد لا يشكل فى الحقيقة عدد الأطباء الذين هاجروا بالفعل فهناك حوالى ألفى طبيب لم يتسلموا العمل بالقطاع الحكومى، وبالتالى لا يشملهم هذا الرقم، وفى نفس السياق كشف تقرير بريطانى عن ارتفاع عدد الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا إلى 200% منذ عام 2016 حتى العام الماضى، والحقيقة أن القضية ليست جديدة وسبق أن حذرت دراسة حكومية نشرت عام 2018 من قلة عدد الأطباء العاملين، وأوضحت أن عدد الأطباء البشريين المرخص لهم بمزاولة المهنة حتى آخر عام 2018 - بدون أطباء المعاش - يقترب من 213 ألف طبيب، بينما من يعمل وقتها فعليا فى مختلف الجهات (وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والخاصة وغيرها) لا يزيد على 82 ألف طبيب، بنسبة 38% من العدد المرخص له بمزاولة الطب.

وفى أبريل من العام الماضى أصدرت نقابة الأطباء المصرية تقريرا بعنوان «نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر»، حذرت فيه من استمرار عزوف الأطباء عن العمل فى القطاع الحكومى، وتزايد سعيهم للهجرة خارج البلاد.. وتشير الإحصائيات أن معدل الأطباء فى مصر 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، أى أقل من طبيب لكل 1000 مواطن، فى حين يصل معدل الأطباء العالمى إلى نحو 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن، وهو ما يكشف عن عجز كبير فى عدد الأطباء.

المشاكل الأساسية التى تواجه الأطباء وتجعلهم يميلون إلى الهجرة معروفة لجميع الجهات وتتمثل فى انخفاض الأجور وضعف الإمكانيات وقلة عدد الأطباء ما يؤدى إلى زيادة الضغط على الطبيب، حيث يقوم بالعمل بما يقرب من 96 ساعة فى الأسبوع، بينما ينص قانون العمل أنه لا يجوز تشغيل العامل أكثر من 8 ساعات يوميا أو 48 ساعة أسبوعيا، وهو جهد لا يتناسب مع المردود المالى حيث يتراوح راتب الطبيب بين 4000 جنيه إلى سبعة آلاف، أى أقل من 250 دولارًا فى حين يرتفع مرتب الأطباء عن هذا الراتب فى معظم الدول بما فيها بعض الدول الإفريقية، يضاف إلى ما سبق ضعف الحماية القانونية للطبيب، حيث يتعرض لاعتداءات من أهالى المرضى عند وفاة المريض خاصة فى قسمى الاستقبال والرعاية المركزة.

وتسعى نقابة الأطباء منذ فترة طويلة إلى إصدار قانون بتغليظ العقوبات على المعتدين على الطواقم الطبية، وتطالب أيضا بسرعة الانتهاء من قانون «المسئولية الطبية» حيث يتم الآن التحقيق مع الأطباء فى النيابات ومحاكمتهم بالقانون الجنائى عند اتهامهم بالإهمال والخطأ الطبى والتقصير ما يجعلهم عرضة للحبس دون ذنب نتيجة عدم فهم جهات التحقيق والمحكمة لفنيات الطب وطبيعة العمل.. حقيقة حاولت الحكومة إيجاد بعض الحلول لهذه المشاكل، ولكن حتى الآن لم تصل إلى حد إقناع الأطباء بعدم الهجرة، بالطبع لا تقتصر خطورة الهجرة على الطب وهناك مجالات أخرى مهمة، ولكنها لا ترتبط مباشرة بالمواطن واحتياجاته مثل الصحة، وربما كانت الميزة الأهم فى قضية بغدودة هى إعادة طرح ملف الهجرة فى المجالات المميزة مرة أخرى وربما نجد فى هذه المرة استجابة أكبر وبحثا حقيقيا عن الحل.