الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«وأنت السبب يابا»

«وأنت السبب يابا»

منذ أيام حلت الذكرى 94 على ميلاد الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم (22 مايو 1929)، ورغم وفاته منذ ما يقرب من 10 سنوات (ديسمبر 2013 ) فإن حضوره الصاخب مازال موجودًا، ففى كل مناسبة يظهر شعره وإبداعه والأغانى التى ترنّم بها الشيخ إمام، كتب الكثيرون عنه وكتب هو عن نفسه، ومذكراته «الفاجومى» كشفت الكثير عن حياته ومواقفه وأفكاره، ولكن ظل جانب خفى لم يقترب منه كثيرًا ولم يتناوله أحد فى الكتابة عنه وهو علاقته ببناته، وكيف كانت فى ظل انشغاله شبه التام بقضايا الوطن وغيابه فى المعتقلات لفترات طويلة ومطاردة السلطات له فى كل العصور وحياة الصعاليك التى عاشها بالطول والعرض، حتى جاءت ابنته نوارة لتتحدث عن علاقتها بأبيها فى كتابها البديع الذى صدر منذ شهور عن دار نشر «الكرمة» بعنوان «وأنت السبب يابا»، ويبدو العنوان وكأنه يحمل لومًا أو عتابًا أو غضبًا، ومن يقرأه يجد شيئًا من هذه الأحاسيس المؤلمة، ولكن فى الحقيقة فإن الكلمات والعبارات تقطر حبًا  وربما يلخص ما سبق ما كتبته نوارة فى نهاية الكتاب بعد وفاة والدها: «فى غيابه انقطعت محاولاتى معه وأصبح لدىّ وقت لمراجعة علاقتنا فشعرت بغضب شديد منه وتذكرت كل ما كنت أستحقه وأصابنى منه، جلست على طاولة وأخذت أتحدث معه فى عقلى وأتهمه وأسبه وألعنه، وكان ذلك فى ذكراه الثالثة ونمت باكية، وفى اليوم التالى اتصلت بى أم زينب وقالت إنها رأت أبى وكان نائمًا فى العناية المركزة ودخلت أنا عليه وأخذت أهاجمه وأتهمه فأخذتنى أم زينب خارج الغرفة وحاولت تهدئتى وقالت إننى محقة فيما أشعر به، ولكنه لا يقصد الأذى وإنه يحبنى ثم حضر ممرض ليخبرنا أن الأستاذ فى خطر فهرعت إلى غرفته باكية وأنا أردد: يا حبيبى يا بابا، فدخلت عليه لأجده يجلس على سريره بكامل صحته وقال لى: هديتى يا نوارة فاحتضنته وأنا أبكى وأضحك فقال: انتوا مقعدنى ليه فى المستشفى يالا نروح»، تضيف نوارة:  «تكررت مثل هذه الحكايات وكلما جلست مع نفسى وانتابتنى نوبة غضب منه أو قلق عليه أو اشتياق إليه أجد شابة شديدة الجمال تتواصل معى وتخبرنى أنها رأت أبى فى المنام وأنه يطلب السماح أو يطمئننى عليه أو تخبرنى برسالة منه»، هكذا كان الفاجومى مختلفًا فى كل شىء حتى بعد وفاته، فى حياته عاش قابضًا على جمر مبادئه رغم أنه كان فى إمكانه أن يتواءم مثل عدد من المبدعين مع السلطة فى العصور المختلفة أو حتى يبتعد عن مهاجمتها أو يكون معارضًا لطيفًا ويصبح ثريًا ويعيش هو وأسرته وبناته فى ظروف أفضل، ولكنه اختار أن يكون للوطن لا عليه وأن يدفع ضريبة هذا الاختيار ومنها ابتعاده عن بناته لفترات طويلة، وربما لأن نوارة كانت تريد منه الكثير من الاهتمام والحنان والعطف فإنها بدت فى بعض حكاياتها غاضبة وعاتبة، ولكن من منطق المحبين، ويظهر ذلك فى عباراتها: «لم يغب أبى عن خاطرى لم يكن ذكرى أبدًا كان دومًا حاضرًا»، ربما خفف من لومها أنها عرفت أن والدها مختلف واستثنائى فلا يجوز أن يقارن بغيره أو أن يُطلب منه تصرف متوقع أو تقليدى، ولهذا كانت حكايتها معه وكتابتها عنه غير تقليدية أيضًا، تقول: «لن أروى إلا قصتى معه – قصته– عبر كاميرا مثبتة فى حدقة عين طفلة ثم مراهقة ثم شابة عاشت فى ظل شخص استثنائى على المستويين الإبداعى والإنسانى.



يمتلئ الكتاب بحكاياتها مع والدها منذ طفولتها إلى وفاته والتى تكشف عن عمق العلاقة بينهما والحب الكبير الذى يكنه الاثنان لبعضهما رغم العتاب واللوم، وهى علاقة يمكن اختصارها فى القصيدة التى كتبها بإلهام منها وأصبحت تتر مسلسل «حضرة المتهم أبى» وأخذت منها عنوان الكتاب، كانت قد جلست معه تلومه لأنه أنجبها وهو يتعامل مع الإنجاب بلا اكتراث، فكتب وكأن الكلام على لسانها:

 «نازل وأنا ماشى ع الشوك برجليا

وأنت السبب يابا يا اللى خليت بيا

لا فرشتلى بستان ولا حتى بر أمان

أعيش عليه إنسان والدنيا فى ايديا

وأنا لما جيت م الغيب العدل كان كيفى

والحق مطمعى والحب كان سيفى

دقيت على الأبواب لقتنى فى السرداب

غابة من الأنياب مسنونة حواليا

مع الأسف يابا الدنيا دى غابة

ملناش مكان فيها

يا عينى يا وعدى

ع المغرمين بعدى

 والطيبين فيها»

وكتب الرد فى تتر النهاية:

«حقك على عينى

يا ابنى يا نور عينى

لاجل الوفا بدينى

لك عندى بعض كلام

أنا كنت وحدانى

والدنيا واخدانى

عايز ونيس تانى

يقاسمنى فى الأحلام

غريب وأنا فى بلدى

جبتك تكون سندى

انصفنى يا ولدى

واصبر على الأيام»

وبالفعل أنصفت نوارة أباها فى الكتاب والذى أنهته بالتوقيع بالاسم كاملاً دليلاً على الاعتزاز به: «نوارة الانتصار أحمد فؤاد عزت محمد محمد سيد أحمد نجم».