السبت 10 يونيو 2023
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الملك «تشارلز الثالث» فى مواجهة التحدى المستمر.. هل يعلن الكومنولث الاستقلال عن التاج البريطانى؟

بعد 65 عاماً من الانتظار، تولى «تشارلز الثالث» التاج رسمياً كملك للمملكة المتحدة فى 6 مايو الجارى، فى حفل تتويج تقلص مدته الزمنية مقارنة بأيام الملكة الراحلة «إليزابيث الثانية»، رغم أن الحفل الفعلى والأحداث ذات الصلة استمرت لمدة ثلاثة أيام متتالية.. فبعد وفاة الملكة «إليزابيث الثانية» التى تولت أطول فترة حكم بريطانى فى التاريخ، حيث صعدت إلى العرش عام 1952 وهى فى الخامسة والعشرين من عمرها، أصبح ابنها الأكبر ملكاً تحت اسم «تشارلز الثالث»، ليبدأ حكمه على الفور، ليحكم ليس «المملكة المتحدة» فحسب، بل 14 دولة أخرى، تُعرف هذه باسم (عوالم الكومنولث)، التى يعيش فيها نحو 150 مليون نسمة.



تعترف تلك الدول بالملك «تشارلز الثالث» ملكاً لها ورئيساً للدولة، وهى دول: «أستراليا، كندا، نيوزيلندا، جامايكا، جزر البهاما، بليز، جرينادا، بابوا غينيا الجديدة، أنتيجوا وباربودا، سانت كيتس ونيفيس، سانت لوسيا، سانت فنسنت، وجزر جرينادين، وجزر سليمان، وتوفالو»، حيث رأى صناع السياسة فى البلدان، التى احتفظت بالنظام الملكى أن المؤسسة مصدر قيم للشرعية السياسية والاستقرار، وأن إبقاء الملك على رأس دولتهم يمنحهم رمزاً للوحدة الوطنية والاستمرارية الدستورية.

جدير بالذكر أن (عوالم الكومنولث)، تختلف عن (دول الكومنولث)، إذ تعد الأخيرة مجموعة كبيرة من 54 دولة، كانت ذات يوم جزءاً من الإمبراطورية البريطانية، إلا أن معظمها لم يعد خاضعاً للنظام الملكى، إذ خرجت عشرات الدول المستقلة حديثاً من بقايا الإمبراطورية البريطانية فى موجة إنهاء الاستعمار التى حدثت بعد الحرب العالمية الثانية.. كما أصبح العديد من هؤلاء، ومن بينهم دول: «الهند، ونيجيريا، وباكستان» جمهوريات، ليتخلصوا من الملكية تماماً.. وكانت «بربادوس» آخر دولة تركت النظام الملكى فى عام 2021، ما حفز حركات مناهضة للملكية فى كل من «جامايكا، وجزر الباهاما، وبليز» تحديداً لتصبح واحدة من أكبر التحديات التى تواجه الملك الحالى مثلما واجهت والدته الراحلة من قبل.

أما (عوالم الكومنولث) فتعد ممالك دستورية، حيث تكون سلطات الملك رمزية إلى حد كبير ويتم اتخاذ القرارات السياسية من قبل برلمان منتخب وينفذها رؤساء الوزراء. وبالتالى، فإن الملوك هم رئيس الدولة ولكنهم ليسوا رئيساً للحكومة، مما يعنى أنهم لا يشاركون فى الحكم اليومى.

بالنظر إلى الطبيعة الرمزية إلى حد كبير لدور «تشارلز» كرئيس للدولة، يقول المحللون السياسيون إن مواقف بعض الدول الموالية للتاج فى (عوالم الكومنولث) ستتغير على الفور، إذ يتوقع العديد من الخبراء الدوليين أن الخلافة الملكية الجديدة، يمكن أن تعزز الحركات الجمهورية الموجودة فى تلك العوالم.

أبرز الدول التى ترغب بالاستقلالية عن التاج

كشف استطلاع حديث أجراه الرئيس السابق لحزب المحافظين فى «المملكة المتحدة»، «اللورد أشكروفت» أن ما يقرب من نصف الدول فى (عوالم الكومنولث) تدعم فكرة التخلص من الممالك الدستورية. 

وأوضح الاستطلاع، الذى شمل 22 ألف شخص فى الكومنولث، أن 6 دول صوتت لصالح التخلى عن النظام الملكى، من بينها: «أستراليا، وكندا، وجامايكا، وجزر الباهاما، وجزر سليمان، وأنتيجوا وبربودا»، ورغم التوقعات بأن «جامايكا»، هى أول من سيسعى للاستقلال عن التاج الملكى البريطانى، إلا أن «جزر سليمان» كانت من أكثر المؤيدين فى الاستطلاع لأن تصبح جمهورية مستقلة، حيث قال 59 ٪ من المشاركين إنهم سيلغون النظام الملكى.

الاستطلاع الأخير، نشر بالتزامن مع إرسال النشطاء من 12 دولة من (عوالم الكومنولث) رسالة إلى «تشارلز» قبل يومين من تتويجه يحثونه على الاعتذار عما فعله الاستعمار البريطانى، وكان من بين الموقعين عضو مجلس الشيوخ الأسترالى «ليديا ثورب»، التى قالت منذ أيام إن: «على «تشارلز» بدء عملية إصلاح أضرار الاستعمار، بما فى ذلك إعادة الثروة المسروقة التى تم أخذها من شعبنا».

وبالحديث عن «أستراليا»، فيذكر أن رئيس وزرائها الحالى «أنتونى ألبانيز» - الذى حضر التتويج وانضم إلى قسم الولاء للملك- يفضل التخلى عن التبعية للملكية البريطانية، رغم أنه استبعد إجراء استفتاء خلال فترة ولايته الأولى الحالية التى تستمر ثلاث سنوات احتراماً للملكة الراحلة.

على كل، يبدو أن حكم «تشارلز» قد يواجه فى أماكن أخرى ـ أيضاً - التحدى عينه، فرغم أن الدعم الكندى للانفصال عن النظام الملكى البريطانى لا يزال يمثل وجهة نظر الأقلية، إلا أنه صار ينمو بشكل ملحوظ خلال الفترات الأخيرة..

وبالمثل، تؤيد رئيسة وزراء «نيوزيلندا»، «جاسيندا أرديرن» الاستقلال عن النظام الملكى البريطانى، حيث أوضحت «أرديرن»- عقب وفاة الملكة «إليزابيث الثانية»- أن حكومتها لا تخطط لتغير وضع بلادها إلى جمهورية مستقلة وسط أنباء عن وفاة الملكة. ومع ذلك، قالت- فى الوقت ذاته- إنها تتوقع أن تحل الجمهورية محل الملكية فى وجودها.

يأتى ذلك، بعد أن قالت رئيسة وزراء «بربادوس»، «ميا موتلى» فى سبتمبر 2020، إن الوقت قد حان لبلادها لكى تترك ما وصفته بماضيها الاستعمارى وراءها.

من جانبه، أعلن رئيس وزراء «جامايكا» «أندرو هولنس» ـ مراراً- أن بلاده تعتزم مغادرة النظام الملكى البريطانى. وأكد «هولنس»- عندما استقبل ولى العهد الأمير «ويليام» وزوجته «كيت»، خلال جولة ملكية فى منطقة البحر الكاريبي- أن بلاده تعتزم أن تصبح مستقلة تماماً. 

وفى نفس الرحلة، لاحظ وريث العرش القادم «وليام» أن العلاقة بين النظام الملكى البريطانى، ومنطقة البحر الكاريبى قد تغيرت، وقال فى حفل استقبال فى «جزر الباهاما»، إن العائلة المالكة ستدعم بفخر وتحترم قراراتهم بشأن مستقبلهم.

من جانبها، قالت المدافعة عن تغيير دستور «جامايكا» للتخلص من الملكية البريطانية «روزاليا هاميلتون»، إنها كانت تنظم منتدى فى يوم تتويج «تشارلز» لإشراك المزيد من الجامايكيين فى عملية الإصلاح السياسى؛ موضحة أن توقيت الحدث يهدف إلى إرسال إشارة إلى المقر الملكى البريطانى بأن الأولوية هى الابتعاد عن قيادته، بدلاً من التركيز على التتويج الجديد.

على الجانب الآخر، تضغط الجماعة الكاريبية (CARICOM)، وهى هيئة إقليمية تهدف لإقامة دعوى أخلاقية، وقانونية، لدفع التعويضات من قبل حكومات جميع القوى الاستعمارية السابقة إلى دول وشعوب الجماعة الكاريبية عن الجرائم ضد الإنسانية- على «المملكة المتحدة»، والحكومات الأوروبية الأخرى، من أجل التعويضات عن تجارة الرقيق البريطانية فى المنطقة.

من ناحية أخرى، أكد رئيس وزراء دولة «أنتيجوا وباربودا»، «جاستون براون» أن البلاد ستجرى استفتاءً جمهورياً فى غضون ثلاث سنوات.. حيث أكد «براون» أن هذا ليس عملاً عدائياً، أو تفرقة بين بلاده والنظام الملكى البريطانى؛ ولكنه الخطوة الأخيرة لإكمال دائرة الاستقلال، من أجل ضمان أنهم أمة ذات سيادة.

وقبلها بخمسة أعوام أصدرت لجنة الإصلاح الدستورى فى «سانت لويزا» فى عام 2015، تقريراً يوصى بالانفصال عن الملكية البريطانية؛ إلا أن رئيس الوزراء «فيليب جى. بيير» لم يدلِ ببيان بعد حول مستقبل «سانت لوسيا» داخل الكومنولث.

أما «سانت فنسنت»، وجزر «جرينادين» فقد فشلتا فى عام 2009، فى إلغاء الملكية البريطانية. ومع ذلك، اقترح رئيس الوزراء «رالف جونسالفيس»ـ مؤخراً- أن تفكر البلاد فى استبدال النظام الملكى البريطانى بـ«رئيس تنفيذى»؛ مؤكداً أن الاستفتاء الجمهورى هو مهمة ديمقراطية وطنية.

فى النهاية، يبدو أن الملك «تشارلز الثالث» يواجه تحديا مستمرا منذ أيام والدته الراحلة «إليزابيث الثانية»، التى غادر فى عهدها قرابة 20 دولة من (الكومنولث). ويبقى التساؤل الأكثر خطورة فى عهده: هل يدفع الملك «تشارلز الثالث» الدول المتبقية فى (عوالم الكومنولث) إلى التحرك نحو الاستقلالية عن سلطة التاج البريطانى، والمطالبة بجمهورية مستقلة؟