الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حتى لو كان العدد قبطيًا واحدًا

حتى لو كان العدد قبطيًا واحدًا

 معركة مفتعلة وضد المواطنة جرت وقائعها على صفحات السوشيال ميديا منذ أيام، عقب تصريحات البابا تواضروس التى أدلى بها خلال لقائه مع الزملاء الصحفيين المهتمين بالملف القبطى وقال فيها إن عدد المسيحيين فى مصر 15 مليونا بالداخل ومليونان بالخارج وفقا للحصر المتبع للكنيسة لحالات الزواج والوفاة والمعمودية، وحتى نفسر الأمر لمن لا يعرف فإن المعمودية سر من أسرار الكنيسة السبعة، ويتم مع المواليد الجدد بعد بلوغهم أربعين يومًا للذكور و80 يومًا للإناث، حيث يتم تغطيسهم فى الماء الذى تمت الصلاة عليه لكى يكونوا مسيحيين تشبها بما حدث مع المسيح عندما عمده يوحنا المعمدان فى نهر الأردن، وهو طقس ضرورى لكى يصبح الإنسان مسيحيًا، ولذلك يتم أيضا مع الكبار الذين يعتنقون المسيحية فى أى سن، وفى حالات الوفيات فإنه من اللازم إقامة صلاة الجناز والقداس على المتوفى قبل دفنه من أجل راحة نفسه وطلب غفران جميع خطاياه ليسامحه الرب ويؤهله لنيل الحياة الأبدية، أما الزواج فهو سر من أسرار الكنيسة أيضا ولا يتم إلا من خلال الكهنة وإلا اعتبر زواجًا مدنيًا لا تعترف به الكنيسة ولا بالأولاد الناتجين عنه، ولذلك تحرص الأغلبية العظمى من المسيحيين على عمل إكليل الزواج من خلال الكهنة وداخل الكنائس، بهذا يصبح لدى الكنيسة إحصاءً بعدد المواليد الجدد والذين اعتنقوا المسيحية وهم كبار وعدد الوفيات وكذلك حالات الزواج، ومن خلال هذه الأرقام التى تم تجميعها من كل الكنائس على مستوى الجمهورية استخلص البابا الرقم الذى صرح به، وهو بالطبع رقم تقريبى، ولم يقل البابا هل هذا العدد يخص الأقباط الأرثوذكس فقط أم أنه يضم أيضًا المسيحيين المصريين الكاثوليك والإنجيليين؟ ولكن رغم اعتماد البابا على إحصائيات من داخل الكنائس إلا أنه أثار ضجة كبيرة، وانتهزها البعض فرصة للنيل منه واتهموه بأنه يردد كلام الحكومة وقالوا إن عدد المسيحيين المصريين يصل إلى 18 مليونا، وقال آخرون أنه يتجاوز 25 مليونا، وزاد البعض أنه يزيد على 30 % من إجمالى عدد السكان فى مصر، وفى المقابل فإن عددا من المسلمين المتشددين لم يعجبهم رقم البابا وقالوا أن عدد المسيحيين لا يزيد على 10 ملايين وبالغ آخرون وقالوا 8 ملايين ونزل به البعض إلى 6 ملايين فقط.



الفريقان ممن لم يعجبهم كلام البابا لم يعتمدوا على أى مصادر فى كلامهم وإنما انطباعات فى ظل رفض الدولة الإعلان عن عدد الأقباط ورفض الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء وضع خانة الديانة ضمن استمارات الإحصاء الذى يقوم به حتى لا يخالف القواعد الدولية لإحصاء المواطنين، حيث يمنع إعلان الأمم المتحدة الصادر عام 1985 الاعتماد فى عمل الإحصاء على الديانة أو السؤال عنها، وبالتالى لا يوجد رقم رسمى إلا ما صرح به أبو بكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للإحصاء عام 2012 عندما قال إن عدد الأقباط المصريين يبلغ 5 ملايين و130 ألفا، وبرر الجندى الأرقام بأن الأقباط أكثر هجرة وأقل فى نسبة الإنجاب، مؤكدا أن هذه الأرقام موثقة ورسمية وليست محل شك، والغريب أن الجندى صرح بهذه الأرقام رغم تحفظه من قبل على إعلان أى أرقام خاصة بأعداد المسيحيين وكثيرا ما قال فى حوارات صحفية أن توجه الأمم المتحدة هو عدم سؤال الأشخاص عن ديانتهم عند إجراء التعداد، وأثارت أرقام الجندى وقتها غضبا واستنكارا شديدين بين الأقباط ووصفوها بأنها «تسريبات متعمدة لتحقيق أغراض سياسية والتأثير فى حقوقهم»، خاصة أنه فى هذه الفترة كان يتم الإعداد لعمل دستور جديد، ورفض الأنبا باخميوس أسقف البحيرة هذا الرقم - وكان وقتها أيضا القائم مقام البطريركى بعد وفاة البابا شنودة وقبل انتخاب البابا تواضروس - مطالبا الجندى بإعلان عدد المسيحيين فى كل محافظة، وقال الأنبا مرقص أسقف شبرا الخيمة أن عدد الأقباط من 15 إلى 18 مليونا، وكان آخر إحصاء للسكان فى مصر جاء فيه ذكر لعدد الأقباط عام 1986 وكانت النسبة 6 % من عدد المصريين، وفى المقابل فإن تقرير اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية ذكر أن نسبة المسيحيين المصريين 10 % من إجمالى السكان وهى نفس النسبة التى جاءت فى تقرير الخارجية البريطانية عن أوضاع المسيحيين فى الشرق الأوسط، هذه الأرقام رفضها عدد غير قليل من الأقباط مؤكدين أن الرقم أكبر من ذلك، وفى المقابل رفضها المتشددون الإسلاميون مدعين أنها أكثر من الحقيقة، على أن هذه الضجة المثارة هى بصدق ضد المواطنة، وإذا كنا نريد بالفعل أن نرسخ هذا المبدأ فى بلدنا فإن الأرقام لا تهم، وما الفارق إذا كان عدد المسيحيين مواطنا واحدا فقط أو نصف عدد المصريين أو أنهم الأغلبية طالما سنطبق قواعد المواطنة ونصوص الدستور التى تنص على أن جميع المواطنين سواء لا فرق بينهم بسبب دين أو عقيدة.

إن الإصرار على ذكر عدد الأقباط والخلاف بين من يريدونه كبيرًا ومن يتمنونه صغيرًا لا يخدم سوى المتطرفين الذين يريدون قسمة البلد ويرغبون فى تطبيق المحاصصة والكوتة حسب النسب والأعداد وهو أمر خطير ولا يليق بنا، لا بد من وقف مثل هذه المناقشات الضارة والعمل على إعلاء مبادئ المواطنة والعمل على نشرها فى المجتمع فهذا أفيد وانفع من أى أرقام مهما كبرت أو صغرت.