السبت 12 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
سُوق الكَانتو .. دراما مخاطبة الماضى للحاضر

سُوق الكَانتو .. دراما مخاطبة الماضى للحاضر

تؤدى الدراما دوما دورًا فى حياة المشاهد إذا ما كان لدى هذا المشاهد دراية تاريخية وصلته بقراءة الكتب والروايات التى تعطى لنا مثالاً حيًا عما كان يحدث فى حياة أجدادنا وأسلافنا، وأحيانًا يكون ما وصل المشاهد من أحداث الماضى هى عبر عائلته كما حدث معى وآخرين.



فى رؤيتى لمسلسل (سوق الكانتو) كانت تتراءى لمخيلتى ما كان يحكيه لنا أبى وأمى عن زمنهما من خلال تسامرهما معنا عندما كانا يعقدان المقارنة بين زمننا وزمنهما أو بين أحداث سياسية وعسكرية واقتصادية تحدث وبين مثيلها فى الماضى الذى عاشاه بكل تفاصيله.

ربما يكون اسم (سوق الكانتو) جديدًا على أذهان الجيل الحالى، وربما لم يتعرفوا عليه ممن سبقوهم، ولكن الحقيقة (سوق الكانتو) كان اسمًا سمعته من أبى عندما كان يروى لنا عن فترة (كساد اقتصادى) عاشتها مصر ما بين الحربين العالميتين وحتى انتهاء الحرب الثانية منها.

حيث كان وكما تردد فى عبارة عابرة بالمسلسل على لسان (البطل طه - أمير كرارة) أنه لم يعد مع الناس فلوس يشترون بها قماشا لصناعة ملابسهم حتى ساد الركود سوق القماش ففكر بعض تجار القماش فى البديل وهو بيع الملابس المستخدمة والتى كان مصدرها فوائض العائلات الثرية أو (بالات) كما كان يطلق عليها وهو كيس مصنوع من القماش المشمع يحمل بداخله ملابس مستخدمة، ولكنها فى حالة جيدة وتأتى من دول أوروبا.

وبالفعل فإن بعض الوكالات التى كانت تشتهر ببيع أنواع مختلفة من القماش والتى كانت تنتجه بعض المصانع بمصر والخارج لم تعد قادرة على الإنتاج لظروف الحرب التى جعلت صعوبة فى الطاقة التى تتولد من الكهرباء والفحم لتشغيل هذه المصانع الذى صار إنتاجها ضئيلاً وعليه ترتب ندرة المنتج وغلاء أسعار القماش فلم يعد فى مقدور القاعدة العريضة من الشعب شراء الأقمشة من أى نوع نتيجة هذا الغلاء، وترتب عليه تغيير الوكالات لمسار بضاعتهم فلم تعد الأقمشة، ولكن الملابس المستخدمة الأقل سعرًا فى تكلفة القماش والتفصيل، ومع ذلك ظلت عائلات كثيرة خاصة من الطبقة المتوسطة لا تقبل على هذا النوع وصار البديل هو شراء للابن أو الابنة الكبيرة بالأسرة ملابس جديدة ولترحل ملابسهم التى صغرت عليهم لمن يصغرهم سنًا وهكذا بين أفراد الأسرة تترحل ملابس الكبير إلى الأصغر، وهنا ظهرت مهنة أخرى مصاحبة لذلك وهى تحويل بعض الخياطين إلى حرفة (التظبيط) لتأتى مقاس الأصغر الذى سيرتديها ويقبلها ويشعر أنها صارت على مقاسه، وأيضًا هذا (التظبيط) صار مهنة بديلة لبعض أصحاب حرفة الخياطة فى الأوساط الاجتماعية الوسطى.

فى المسلسل الدرامى الاجتماعى (سوق الكانتو) كان التلميس مع أحداث الحاضر ظاهرًا بقوة لمن لديه قراءة الماضى، حيث إن الحروب حتى لو لم يكن لبلدك ناقة فيها أو بعير، لكنها بالضرورة تنعكس على حياتك الاجتماعية والاقتصادية وإن ما ذكرته سلفًا كان توضيحًا للكساد الاقتصادى الذى كان فى هذه الحقبة والذى يتماثل مع هذه الفترة من حياتنا والتى حاولت القيادة السياسية أن تتلافى أن يكون للكساد الاقتصاد هذا الحضور السافر كما حدث فى الماضى وصار لدينا الآن معضلة أن الإنفاق لا يتساوى مع الدخل فى الأسر نتيجة الكساد والغلاء.

أما الانعكاس الاجتماعى الذى ظهر فى المسلسل فكان فى أن الأسر المتوسطة عريقة الأصل صارت تقبل المصاهرة وتزويج بناتهم مع من هم ذات أصول أقل (كما فى حالة فاطمة ورشاد أو حالة الفتوة علوان مجهول الأصل وشقيقة طه) كما ارتضت الأسر أيضًا تزويج بناتهم ما لديهم  المال، ولكنهم غير متكافئين مع البنات من حيث العمر والتعددية فى الزيجات، هذا حدث فى مصر أيضًا فترة السبعينيات عندما كانت الأسر المتوسطة العريقة تقبل بزواج بناتهم من أصحاب الحرف غير المتعلمين ولا متكافئين معهم من باب أنهم لديهم شقة وعربية وهى التى لم يكن يقدر على توفيرها الشباب المتعلم خريج الجامعة، ولكن فى وقتنا الحاضر لم يظهر الحراك الاجتماعى نتيجة هذا الكساد الاقتصادى وغلاء أسعار مستلزمات تأسيس منزل عرس جديد من سيكون الفايز فى الزيجات المستقبلية ومن أى حرفة أو طبقة سيكون؟

ولقد أوضح المسلسل أيضًا ظاهرة وضع اليد على ممتلكات الغير أو أملاك الدولة التى كانت تؤول للأوقاف وغيرها وكيف كان يحدث هذا بسرقة المستندات والأختام والادعاء الشفوى.

ولقد رأيت هذا فى بداية التسعينيات عندما كانت الدولة تقوم بتقنين الملكيات فى بعض المناطق التى لم تكن آهلة بالسكان لتعميرها فى مناطق العامرية والعجمى ومريوط وكان بعض واضعى اليد يظهرون مستندات مسروقة عليها عدة خلافات لأحقية الملكية وأختام عريقة من العهد المملوكى أو الإتيان بشهود زور يتقاضون أجرًا لإثبات أحقية مزورة حتى وضعت الدولة شروطًا وتواريخ لإثبات الملكيات، وحتى أتى الرئيس السيسى وحدد أراضى الدولة وقنن الملكيات لواضعى اليد من واقع خرائط وحفظ حقوق الدولة للشعب ككل وليس لفئة تنتفع دون الأخرى، وهذا كان فى المسلسل من خلال الادعاء بين أبطال المسلسل أن كلاً منهم أجداده هم المالكون الحقيقيون لوكالة القماش حتى إن (رشاد) معتاد السرقة كان يحتفظ برواية والده النصاب أنه فى مقدورهم السطو على مستند الملكية وهو ما حدث.

ونأتى للحياة السياسية والعسكرية فى المسلسل لتكتمل عناصر الدولة التى تتأثر بالأحداث.

وهذا ما جسده غياب ورجوع (صالح) شقيق البطل وهى الشخصية المحورية التى كانت مثار تساؤلات طوال حلقات المسلسل هل سيعود صالح؟ وماذا سيقول عند رجوعه عن فترة غيابه.

لتأتى الإجابة عند رجوعه أنه كان فى حرب، ولكن لم يتم ذكر أى حرب الذى كان بها صالح هل كان من شبابنا المجند أو المتطوع فى جيش بلاده وانخرط فى حرب لا تخص بلده أم كان المقصود حرب 48 التى جاء منها شباب مصر ليس لديه إلا فكر واحد لا بديل عنه وهو تحرير بلادنا من الاستعمار الإنجليزى الذى جثم على أرض مصر ينهب خيراتها ويعامل شعبها كدرجة ثانية على أرض بلاده.

هذه كانت ملحمة اجتماعية فى طياتها أحداث اقتصادية وسياسية وعسكرية كانت محاكاة للماضى وتجسيدًا لأحداث نعيشها ويجب أن نستوعب مجرياتها لننجو ببلادنا من التحديات التى تقابلها وتحوط بها من كل جانب.

شكرا للمؤلف (هانى سرحان).