الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
50 عامًا على اختراعه المحمول ماذا فعلنا به وفعل بنا؟

50 عامًا على اختراعه المحمول ماذا فعلنا به وفعل بنا؟

 فى أبريل عام 1973 وقف شخص فى أحد شوارع نيويورك يتحدث من تليفون يحمله فى يده وسط ترقب ودهشة من الصحفيين المتابعين لهذا الحدث العلمى، كان هذا الشخص هو مارتن كوبر الذى يعمل مهندسًا فى شركة موتورولا، أما الشخص الذى تلقى الاتصال على خط أرضى فهو جويل أنجل الذى كان يعمل مهندسًا فى شركة أخرى ويتنافسان معًا للوصول إلى هذا الاختراع، قال كوبر فى المكالمة: «جويل، أنا أتصل بك من هاتف محمول، هاتف حقيقى محمول باليد»، كانت هذه اللحظة هى بداية التليفون المحمول والذى أصبح اليوم فى كل يد فى العالم، ولكن الأمر لم يكن سهلًا،  فهو لم يصل إلى الأسواق وينتشر إلا بعد عشر سنوات من اختراعه، إذ تم طرحه للجمهور فى عام 1983 بثمن يصل إلى 3995 دولارًا بسعر ذلك الوقت، كان هم كوبر أن يجعل الاتصالات سهلة وفى أى وقت ومن أى مكان بدلًا من الانتظار فى المنازل أو الشركات أو السيارات لإجراء المكالمات، وتخيل وقتها كيف سيبدو شكل الجهاز، فهو يريد أن يكون «صغيرًا بما يكفى لوضعه فى الجيب، ولكن فى الوقت نفسه يسمح حجمه بأن يوضع على الأذن ويلتقط الصوت من الفم»، فقد كان الجهاز فى البداية يزن 310 جرامات وطوله 25  سنتيمتر وكانت البطارية تكفى 25 دقيقة فقط وتستغرق 10 ساعات لإعادة شحنها، وضخت الشركات الملايين من أجل تطوير الجهاز وجعله أكثر سهولة فى الاستعمال وهو ما نجحت فيه إذ كل يوم يظهر تطور جديد فى هذه الأجهزة، الآن وبعد مرور 50 عامًا على هذا الاختراع إلى أين وصل؟



أظهرت أحدث تقارير شركة جارتنر للأبحاث أن عدد الأجهزة المستخدمة حول العالم يصل إلى 6.2 مليار جهاز، أما فى مصر فقد كشف التقرير الشهرى لوزارة الاتصالات أن عدد المشتركين بالتليفون المحمول بلغ 103.45 مليون مشترك فى ديسمبر عام 2021، وأن لدينا 63.44 مليون مستخدم للإنترنت عن طريق الهاتف المحمول، والآن وبعد نصف قرن من اختراعه ماذا فعلنا بالمحمول وكيف استخدمناه؟ وماذا فعل هو بنا وكيف أثر فى عاداتنا وسلوكياتنا؟ وهل دوره كان إيجابيًا أم سلبيًا؟ الكثيرون يرون أنه نعمة حولناها بسوء استخدامنا إلى نقمة فى كثير من الأحوال، فقد خلق هذا الجهاز الصغير جوًّا من التواصل الاجتماعى، والاطمئنان على الأحباب والأقارب الذين يقيمون بعيدًا من خلال المكالمات أو الرسائل النصية والصوتية، كما أنه ساعدنا فى الحصول على كثير من المعلومات خاصة مع تطوره وقدرته فى الدخول إلى عالم الإنترنت والفضاء الإلكترونى، وفى الاقتصاد لعب دورًا ملموسًا فى إتمام الصفقات فى الداخل والخارج وفى إدارة الحسابات المصرفية، وفى الثقافة والفن ساهم فى الاستمتاع بمشاهدة البرامج التليفزيونية والأفلام والكتب والترويج لها، وفى الترفيه وفر الألعاب الإلكترونية لمن يحتاجها، كما تم استخدامه بعد اتصاله بالإنترنت فى كشف جرائم كان يصعب الكتابة عنها بسبب عدم توافر الأدلة ونفوذ من ارتكبوها وذلك عن طريق تصويرها وقت حدوثها وبثها على مواقع التواصل الاجتماعى وعمل حملات لمحاكمة مرتكبيها وهو الأسلوب الذى نجح فى كثير من  الوقائع.

لكن فى مقابل كل هذه الإيجابيات؛ أصبحت له سلبيات كثيرة أهمها تأثيره على الترابط الأسرى وزيادة التشتت العائلى إذ أصبح بديلًا عن الزيارات واللقاءات العائلية ما أدى إلى تجمد العلاقات، وأصبحنا نرى أبناء لا يسألون عن آبائهم وأمهاتهم إلا من خلال الاتصالات، وأخوة لا يرون بعضهم حتى لو كانت المسافات بينهم قريبة مكتفين بالمكالمات، بل إنه داخل الأسرة الواحدة انزوى كل فرد منها فى غرفته متوحدًا مع الموبايل، فلم تعد الأسر تجتمع وتجلس معًا لتناقش أمورها وأصبح المحمول هو وسيلة التواصل بين أفرادها، والملاحظ أيضًا أنه أصبح إدمانًا لأطفالنا وشبابنا لا يكاد يفارق أيديهم ليلًا أو نهارًا، وهو أمر ليس مقصورًا علينا بل فى العالم كله حتى إن مخترعه مارتن كوبر والذى بلغ التسعين من عمره أعرب فى مقابلة تليفزيونية مع إحدى القنوات الأمريكية عن ذهوله من الوقت الذى يهدره المستخدمون حاليًا على هواتفهم، وطالبهم بعدم الإفراط فى استخدام هواتفهم المحمولة، ناصحًا بأن يستمتعوا ويستفيدوا من أوقاتهم وحياتهم بشكل أفضل، بدلًا من إهدار الوقت على الهواتف.. ولكن الأكثر خطورة استخدامه فى بعض الجرائم مثل الابتزاز وفبركة الفيديوهات وتركيب الصور وإشاعة الفتنة فى المجتمع وهى جرائم ظهرت بوضوح مع انتشار هذا الجهاز، أعتقد أنه بمناسبة مرور 50 عامًا على ظهور هذه الأجهزة نحتاج أن تقوم الجهات المعنية بالدراسات الاجتماعية بدراسة تأثيره على مجتمعنا لمعرفة كيفية تعظيم الاستفادة منه وتقليل سلبياته.