الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. التبنى والتكافل فى قانون الأسرة للمسيحيين.. شنودة ليس طفلاً لقيطاً ولكنه إنسان!

مصر أولا.. التبنى والتكافل فى قانون الأسرة للمسيحيين.. شنودة ليس طفلاً لقيطاً ولكنه إنسان!

فى 29 مارس 2023 انتهت أزمة الطفل «شنودة» بعد أن أمرت نيابة شمال القاهرة الكلية بتسليمه مؤقتاً إلى السيدة آمال إبراهيم بناء على دعواها رقم 73338 لسنة 76 قضائية، والتى عثرت عليه كعائل مؤتمن بعد أن تعهدت بحسن رعايته والمحافظة عليه وعدم تعريضه للخطر، وكلفتها باستكمال إجراءات كفالته وفقا لنظام الأسر البديلة. وذلك بعد أن استطلعت النيابة العامة رأى د. شوقى علام «مفتى الجمهورية» فى ديانة الطفل فى ضوء ملابسات التحقيق، حيث أصدر فتوى بأن الطفل يتبع ديانة الأسرة المسيحية التى وجدته استناداً إلى آراء فقهية مفصلة.



كما طلبت النيابة العامة من وزارة التضامن الاجتماعى النظر فى الطلب المقدم من الأسرة التى عثرت على الطفل لاستلامه.. وفقاً لأحكام قانون الطفل ولائحته التنفيذية، بنظام الأسر البديلة. كما طلبت النيابة العامة من خط نجدة الطفل بالمجلس القومى للأمومة والطفولة باتخاذ الإجراءات القانونية نحو إعادة تسمية الطفل باسم رباعى اعتبارى مسيحيا لأب وأم اعتباريين مسيحيين فى ضوء ما انتهت إليه التحقيقات.

 معلومات دقيقة

أولاً: زوجان مسيحيان لما ينجبا طيلة 29 عاماً، ووَجَدا طفلاً رضيعاً حديث الولادة عمره أياًم عام 2018 بأحد حمامات كنيسة السيدة العذراء مريم بالزاوية الحمراء بالقاهرة، وكان هناك شهود من المواطنين (المسيحيين والمسلمين) عند خروجهما بالطفل الرضيع.. وهو ما جعل تلك الأسرة تقوم بتبنيه وتربيته وحضانته، وإصدار شهادة ميلاد باسم «شنودة فاروق فوزى». وبسبب الطمع فى الميراث.. قامت إحدى قريبات الزوج بتقديم بلاغ لقسم الشرطة باتهامها أن هذا الطفل الرضيع لم يعثر عليه داخل الكنيسة وإنما خارجها، وبالتالى فهو طفل مجهول النسب. وترتب على ذلك اتصال من مركز الشرطة للأسرة الجديدة لتسليم الطفل، وإيداعه دار رعاية للأطفال..

ثانياً: حيثيات اختلاف التبنى بين المسيحية والإسلام.. هى اختلاف مرتكز على العقيدة الدينية.. فالنقطة الخلافية الأساسية هى النسب. لا يوجد تبنى فى الإسلام، ولكنه يقر «الكفالة». يرفض الإسلام التبنى لكى لا تختلط الأنساب، وما ينتج عن ذلك من مشكلات فى قضايا اجتماعية على غرار: الميراث وتوزيعه، ومحارم الزواج. وذلك لأنه إذا لم يتم تحديد النسب الحقيقى لشخص ما، وتم نسبه لمن هما ليسا والديه.. تحدث مشكلتان: الأولى أنه لا يرث أبويه الحقيقيين، وربما يحصل على ما لا يستحق من ميراث لأبويه بالنسب.. رغم أحقية آخرين لذلك الميراث. أما الثانية، فهى أنه قد يتزوج هذا الشخص من أحد محارمه.. ويتحول زواجه لزواج غير شرعى.

ثالثاً: التبنى فى المسيحية لا مشكلة فيه من الأساس، وقد أجازت لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس.. والمعروفة بلائحة 38 فى الفصل الثانى «فى ثبوت نسب الأولاد غير الشرعيين» من المادة 97 وإلى المادة 109، ثم الفصل الثالث «التبنى» الذى يتضمن من المادة رقم 110 إلى المادة رقم 123. والذى أقر التبنى وفقاً لشروط محددة مثل: تجاوز المتبنى عامه الأربعين، وألا يكون لديه أبناء شرعيون، وأن يكون فارق العمر بينه وبين الطفل 15 عاماً على الأقل أن يكون حسن السمعة ولا يجوز التبنى إلا إذا وجدت أسباب تبرره وتعود منه فائدة على المتبنى. ولكن موقف الكنيسة من لائحة 38.. تسبب فى حالة من الجدل والالتباس فى تطبيقها من عدمه.. فى ظل عدم وجود قانون واضح للأحوال الشخصية للأسرة المسيحية المصرية.

دستور وقوانين

رابعاً: نص القانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل، والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 فى المادة رقم 4: (للطفل الحق فى نسبه إلى والديه الشرعيين والتمتع برعايتهما. وله الحق فى إثبات نسبه الشرعى إليهما بكافة وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية المشروعة. وعلى الوالدين أن يوفرا الرعاية والحماية الضرورية للطفل، وعلى الدولة أن توفر رعاية بديلة لكل طفل حرم من رعاية أسرته، ويحظر التبنى). وهو بذلك يتسق مع المادة الثانية من الدستور المصرى، والتى تنص على (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع). 

خامساً: أقر دستور ثورة 30 يونيو الذى صدر سنة 2014 فى المادة الثالثة على (مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية). وهو بذلك يتسق مع نص المادة الأولى من الدستور التى تنص على المواطنة. وهو ما يعنى أنه من خلال النص الدستورى.. يمكن إعادة النظر فى مقترح مشروع «قانون الأسرة للمسيحيين» الجارى الإعداد له الآن.. خاصة أنه لا يتضمن موضوع التبنى بعدما قامت الكنائس المسيحية بإلغاء هذا الباب من القانون، وذلك مع اقرار جميع الضمانات القانونية لتأكيد وحدة ديانة الأسرة المسيحية البديلة والطفل المتبنى ومنع الاتجار بالبشر.. ولكى لا نضطر فيما بعد لإصدار قانون منفصل للتبنى والتكافل.

سادساً: أعتقد أنه من المفيد الرجوع إلى النص الدستورى باعتباره المرجع الرئيسى للحياة القانونية المصرية والاستناد إليه فى الحوار والنقاش حول قضية التبنى والتكافل.. على اعتبار ما سترتب عليه من سن قوانين خاصة تطبق على الذين سيوجه لهم إصدار تلك القوانين ومخاطبتهم بها على غرار «قانون الأسرة للمسيحيين» وقانون الطفل. كما أوجه دعوة لانتهاز الفرصة فى مراجعة مفردات وكلمات بعض القوانين لتغيير بعض مصطلحاتها مثل «لقيط» لكونه يترك أثراً نفسياً قاتلاً لإنسان لا ذنب به سوى تحمله خطأ خارج نطاق مسئوليته. 

 تداعيات

من أخطر ما صاحب قضية الطفل شنودة ما حدث من أحدى قريبات الأب بسبب الطمع فى الميراث.. بتقديم بلاغ لقسم الشرطة باتهامه وزوجته بعدم عثورهما على هذا الطفل الرضيع داخل الكنيسة وإنما خارجها، ثم عادت واتهمت قريبة لها وللأب بأن الطفل شنودة ابنها من زوج مسلم. وهى اتهامات ثبت زورها وبطلانها.. ترتب عليها نوع من تأجيج المناخ الطائفى على السوشيال ميديا، ونتج عنه سجال دينى عقيم.. اختطف قضية الطفل شنودة من المربع الإنسانى إلى المربع الطائفى والدينى.

ملاحظة هامة، أشار إليها الصديق أسامة سلامة فى مقال «الطفل شنودة ووصايا الكتاب المقدس» بالعدد السابق للمجلة، وهى أن عودة الطفل شنودة إلى أسرته الجديدة بقرار من النيابة العامة بنظام الأسرة البديلة، وليس بالتبنى. وهو ما يعنى أهمية إعادة النظر فى «قانون الأسرة للمسيحيين» الذى تم الانتهاء منه، وعلى وشك الإصدار كما ذكرت سابقاً.. فالتشريعات والقوانين تصدر لصالح الإنسان والحفاظ على حقوقه.. ولم يخلق الإنسان للقانون.

 نقطة ومن أول السطر

أتمنى أن نستكمل مسيرة دولة 30 يونيو فى مراجعة القوانين بما يتسق مع حقوق الإنسان وتحقيق منظومة المواطنة.. تكريساً للدولة المدنية المصرية.. دولة نفاذ القانون والعدالة الناجزة. وحتى لا نظل تحت رحمة الفتاوى الدينية التى ربما تحلل فى وقت وسياق محدد.. ما تحرمه فى وقت وسياق آخر..

انتهت أزمة الطفل شنودة، ولكن لن تنتهى أزمات مشابهة سوى بانتصار الإنسانية، التى هى انتصار للدولة المدنية المصرية التى يحاول البعض تشويهها بقناع الدولة الدينية الفاشية.