الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مؤشر الفتوَى يرد على استدلال المعارضين بفتاوَى تراثية لدار الإفتاء انتفاء الضرر والغرر وراء تعديل فتوَى تحريم البنوك قديمًا.. وإصدار فتوَى بالجواز

تتبّع المؤشر العالمى للفتوَى فتاوَى دار الإفتاء المصرية التراثية، التى يستند إليها ويستشهد بها كثير من السلفيين المعارضين لفتاوَى الدار والكثير من الفتاوَى الرسمية الآن ليثبتوا أن منهجية تلك الفتاوَى أصابها العوار بزعم تسييسها وعدم اتباعها قواعد فقهية أو أصولية متزنة أو منضبطة، وأكد المؤشر أن هؤلاء يستشهدون بفتاوَى خاصة للشيخ الراحل «جاد الحق على جاد الحق»، منها فتوَى صدرت عام 1979 جاء فيها: «حرّمت الشريعة الإسلامية القروض ذات الفائدة المحددة أيًّا كان المقرض أو المقترض لأنها من باب الربا المُحرَّم شرعًا بالكتاب والسُّنة والإجماع».



وحول الأموال المودعة فى البنوك وبنك فيصل الإسلامى أفتى الشيخ جاد الحق على جاد الحق عام 1980 أيضًا بأنه إذا كانت الفوائد التى يؤديها بنك فيصل الإسلامى محددة مقدمًا كانت من هذا القبيل المُحرَّم شرعًا؛ أمّا إذا كان طريقها الاستثمار دون تحديد سابق للفائدة؛ وإنما يبقى العائد خاضعًا لواقع الربح والخسارة كل عام أو فى كل صفقة كان هذا التعامل داخلًا فى نطاق عقد المضاربة الشرعية، والربح واستثمار الأموال بهذه الطريقة حالًا لشدة الحاجة إليها فى التعامل؛ لأن من الناس من هو صاحب مال ولا يهتدى إلى التصرف، ومنهم من هو صاحب خبرة ودراية بالتجارة وغيرها من طرُق الاستثمار ولا مال له، فأجيز عقد المضاربة الشرعية لتنظيم وتبادل المنافع والمَصالح.

ولاحظ المؤشر أن الفتوَى كان لها تفسير جديد فى هذا الوقت مفاده جواز عقد المضاربة الشرعية لتبادل المصالح والمنافع، وهو تطور واضح حدث لفتاوَى هذا النوع من المعاملات بعدما انتشرت التعاملات البنكية وبدأ الكثير من الناس يسألون عن ماهيتها وتطورها مع الزمان.. وقد ذكر المؤشر أن تحريم المعاملات البنكية (آنذاك) جاء لعلل شرعية هى: قاعدة كل قرض جَرَّ نفعًا.. وثبات معدل الفائدة.. وتحديد الفائدة مسبقًا.

وأشار المؤشر إلى أن الفتوَى الرسمية استمرت على الحكم بالتحريم إلى أن صدرت فتوَى الشيخ محمد سيد طنطاوى عام 1991، ومن بعده الشيخ نصر فريد واصل، والشيخ على جمعة، وصولًا إلى فضيلة الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية.

وفى العصر الحديث وتحديدًا عام 2021 أورد فضيلة المفتى الدكتور شوقى علام الأسباب الشرعية لاختيار دار الإفتاء المصرية القول بجواز أخذ أرباح البنوك ذهبت دار الإفتاء المصرية حيث اعتبرت الدار تلك الفوائد أرباحًا تمويلية ناتجة عن عقود تُحقِّق مصالح أطرافها. 

وذكر المؤشر أن العودة للقول بجواز المعاملات البنكية منذ أكثر من 4 عقود حتى الآن جاء لعلل شرعية، هى: انتفاء الضرر والغرر.. وأن هذه المسألة خلافية، ولا ينكر الحكم المختلف فيه، ولا حرج على من أخذ برأى أحد من العلماء فيها، كما أن العقد مع البنك لا يحل حرامًا، ولا يحرم حلالاً؛ لأن المعاملات البنكية ليست من العقائد ولا العبادات، إضافة إلى التراضى الذى يتم بين العميل والبنك، كما أن حكم الحاكم فى قضية البنوك يرفع الخلاف فى المسألة.

يُذكر أنه وفق التقرير السنوى لمؤشر الفتوَى، خلال عام 2022 ومن خلال عيّنة قوامها نحو (350) فتوَى عربية سواء، كانت رسمية أمْ غير رسمية، تتعلق بالاقتصاد وفوائد البنوك وشهادات الاستثمار، والمعاملات المالية الحديثة على المستوى العربى؛ استمر التيار السلفى فى تناوُل الفتاوَى الخاصة بفوائد البنوك وكذلك شهادات الاستثمار وفوائد البريد وما على شاكلتها، والتى جاءت بنسبة (15 %) من جملة فتاوَى التيار السلفى بين جميع المجالات الإفتائية الأخرَى خلال العام، وبنسبة (60 %) من بين الفتاوَى المتعلقة بالاقتصاد والمعاملات المالية عند السلفيين فى جميع الدول العربية.

وفى المقابل؛ أصدرت دارُ الإفتاء المصرية خلال عام 2022 عدة فتاوَى هدفت إلى دعم الوعى الادخارى وتقوية الاقتصاد المصرى، وجاءت تلك الفتاوَى، بنسبة (35 %) من بين الفتاوَى الاقتصادية وفتاوَى المعاملات المالية المتعلقة بالدار، مثل فتواها القاضية بأن شهادات الاستثمار «حلال ولا شبهة فيها» بسبب أنها عقد تمويلٍ، ولا تُعَدُّ بحال من الأحوال قرضًا، وأن الشهادات الاستثمارية لها حماية قانونية تُنظِّمها وتضبطها، وفتواها الأخرى بأن فوائد البنوك وإيداع الأموال فيها جائز شرعًا وليست ربا، وفتوَى ثالثة لها قضت بأن فوائد البريد من المعاملات المالية الحديثة التى لم تكن فى عهد الرسول أو الصحابة وهى جائزة سواء كانت أرباحًا أو شهادات أو ادخارًا، مؤكدة أنه يجوز إنفاق هذه الأموال فى جميع ما يحتاجه الإنسان دون خشية أى شبهة.

محاربة المعاملات الفاسدة 

ووفقًا لتقرير مؤشر الفتوَى فقد ساهمت الفتوَى الرسمية فى العديد من الدول العربية، مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والأردن والمغرب وفلسطين وسوريا، فى التصدّى لعدد من المعاملات المالية التى تؤثر سلبًا على اقتصادات الدول فى العصر الحاضر، مثل الاحتكار والذى جاء بنسبة (20 %) من بين إجمالى عيّنة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة، وظاهرة المستريح التى جاءت بنسبة (18 %)، ثم العملات الافتراضية بنسبة (16 %)، وغسيل الأموال بنسبة (13 %) وبيع العملات فى السوق السوداء؛ خصوصًا فى الأزمات الاقتصادية وجاء بنسبة (13 %) أيضًا، ثم الفوركس بنسبة (11 %)، وأخيرًا التسوق الشبكى بنسبة (9 %) من بين الظواهر السلبية التى حاربتها الفتوَى الرسمية. 

فبالنسبة للفتاوَى المرتبطة بقضية الاحتكار التى مثلت نسبة (20 %) من إجمالى عيّنة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة؛ حيث حرّمت الفتوَى الرسمية العربية فى الكثير منها مَنْ يَسْتَغل ظروف الناس ويحتكر السلع ويبيعها بأسعار مُبالغ فيها؛ نظرًا للضرر الناجم عن استغلاله احتياج الناس إلى مثل هذه السلع؛ فهو يضرُّ الناس ويضيِّق عليهم، وهذا يؤدى إلى إيذائهم ماديًّا ومعنويًّا.

 ومن نماذج الاحتكار المُحرَّم الذى وُرد بالفتاوَى، القول بأن: «التاجر المشترى للسلع وقت الغلاء وحبسها متربصًا زيادة السعر مع حاجة الناس إلى ما حبسه وبيعه بالسعر الذى يراه ما لم تكن هناك ضرورة أو حاجة بالناس للسلعة المحبوسة، والحاصل أن العلة فى منع الاحتكار ليست ذات الاحتكار؛ بل الإضرار بالناس

تحريم ظاهرة «المستريح»

وجاءت الفتاوَى المرتبطة بظاهرة المستريح بنسبة (18 %)؛ حيث تفاعلت الفتوَى الرسمية مع بعض الظواهر الاجتماعية التى تتعلق بالاقتصاد، منها تحريم وتجريم ما يقوم به ما يوصف بـ «المستريح»؛ لأنَّه يبنى مَشْرُوعَه على استغلال البسطاء وغيرهم بالتَّخَفِّى وراء مظلة أو صبغة شرعية، فمعايير الكسب الحلال غائبة عن أطراف هذه المعاملات؛ لأنّها قائمة على الغِشِّ، والتدليس، والخيانة، وأكل أموال الناس بالباطل؛ حيث يتم استخدامها لكلا الجانبين كوسيلةٍ لكسب المال السريع، ورُغْمَ تَوسُّط السلعة هنا؛ فإنها أصبحت صورية، وعدم وجود ضمانات قانونية لأصحاب الأموال، ولا يَخْفَى ما فى هذا من الغَرَر، والجهالة، وإضاعة الأموال التى أَمَرنا الله تعالى بالمحافظة عليها، وأيضًا ما ثبت لدَى أهل الاختصاص أن شيوع مثل هذا النمط من المعاملات يترتب عليه أضرار اقتصادية بالغة تتعارض مع المقاصد الشرعية.

تحريم العُملات الافتراضية

بينما جاءت الفتاوَى المرتبطة بالتعامل بالعُملات الافتراضية بنسبة (16 %) من إجمالى عيّنة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة؛ حيث حرّمت الفتاوَى فى كثير من الدول تداوُل العُملات الافتراضية والتعامل من خلالها بالبيعِ والشراءِ والإجارةِ وغيرها؛ لآثارها السلبية على الاقتصاد، وإخلالها باتزان السوق ومفهوم العمل، وفقدان المتعامل فيها للحماية القانونية والرقابة المالية المطلوبة، ولما فيها من الافتيات على وُلاة الأمور، وسلب بعض اختصاصاتهم فى هذا المجال، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِّ فى مَصْرِفها ومِعْيارها وقِيمتها، وذلك يدخلُ فى عموم قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». فضلًا عما تؤدى إليه ممارستُها من مخاطرَ عاليةٍ على الأفراد والدول، والقاعدة الشرعية تقرّر أنه «لا ضرر ولا ضرار».

تحريم ظاهرة «غسيل الأموال»

بينما الفتاوَى المُحرِّمة لغسيل الأموال بلغت نسبتها (13 %) من إجمالى عيّنة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة؛ حيث اعتبرت الفتاوَى أن غسيل الأموال بكل صوره مُحرَّمٌ شرعًا ومُجَرَّمٌ قانونًا؛ فإنه قد بدأ بمحظورٍ شرعيٍّ هو التكسب من الجرائم والمحرمات، وانتهى إلى محظورٍ شرعيٍّ هو تصرفُ مَن لا يملك فيما لا يملك، وما لزم عن ذلك من حرمة المعاملة التى بُنيت على مُحرَّم؛ لأن ما بُنى على حرام فهو حرام، وآل إلى محظور شرعى هو الإضرار بالأوطان؛ لما فى استباحة غسل الأموال من تهديد الاقتصاد الوطنى، فضلًا عن أن ذلك قد يستخدم فى تمويل الحركات الإرهابية؛ مما يعود بالضرر الكبير على أمن الوطن وسلامته، كما أنه تحايلٌ وتدليسٌ وكذبٌ حرَّمه الشرع.

تحريم بيع العُملات الأجنبية فى السوق السوداء

وبنسبة (13 %) من إجمالى عيّنة المؤشر المتعلقة بالمُعاملات المالية الحديثة جاءت الفتاوَى المتعلقة بتجارة العُملات الأجنبية؛ حيث أكدت كثيرٌ من الفتاوَى على عدم جواز التعامل فى النقد الأجنبى إلا عن طريق البنوك وشركات الصرافة المعتمدة المرخص لها فى هذا النوع من التعامل، والمال المكتسب مما يعرف بـ«تجارة السوق السوداء» كسب غير طيب، يدخل ذلك فى الاحتكار المحرم شرعًا، وهو أيضًا مُجَرَّمٌ قانونًا، ومرتكبُ هذا الفعل مرتكبٌ لإثمٍ كبير؛ لأنه يضيق على عامة الناس من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومتطلبات الحياة بسبب شحّ العملة، فيلحق الضرر باقتصاد البلاد، ويؤثر سلبًا فى الاستقرار ومسيرة البناء والتنمية، ويوقع المحتاجين فى المشقة والحرج.

تحريم «الفوركس»

وبنسبة (11 %) جاءت الفتاوَى الموضّحة لحكم التعامل فى «الفوركس» من إجمالى عيّنة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة؛ حيث انتهت الفتاوَى الرسمية وكذلك بعض المؤسّسات الفقهية؛ كمُجمع الفقه الإسلامى الدولى بجدة؛ إلى أن التعامل بالفوركس حرام شرعًا، ويجب منعها، أمّا على القول بضرورة الالتزام بالعقود المسمَّاة وعدم جواز إحداث عقود جديدة؛ فإن معاملة الفوركس قد أصابها الخلل الذى يمنع من تركيب العقود من جهات أخرى. وأمّا على ما عليه التحقيق من جواز إحداث عقود جديدة من غير المسمَّاة فى الفقه الموروث؛ فإن ذلك الجواز مشروط بخلو العقود المستحدثة من الغرر والضرر، وهذه المعاملة قد تحقق فيها الغرر والضرر فى أشد صورهما:

أمّا الغرر؛ فقد اتفق الاقتصاديون وخبراء المال على أن معاملة الفوركس قد حوت أكبر قدر من الغرر فى العقود المالية الحديثة على الإطلاق، وأنها أصبحت بذلك أشبه بالمقامرة التى تؤدى إلى الخراب المالى على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسّسات.

وأمّا الضرر؛ فلما اشتملت عليه هذه المعاملة من ضرر بالغ يتمثل فى إذعان العميل بتحمله الكامل لنتائج هذه المعاملة الشديدة المخاطرة دون أدنى مسئولية على البنك أو السمسار، كما أنها تهدد اقتصاديات الدول بصورة واضحة؛ فمن الممكن أن يؤثر يومُ عملٍ فى سوق العملات على عملة دولة، وهو ما وقع فى الثمانينيات فى دول شرق آسيا.

تحريم التسويق الشبكى (كيونت)

وأخيرًا جاءت الفتاوَى المرتبطة بالتسوق الشبكى بنسبة (9 %) من إجمالى عيّنة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة؛ حيث حَرّمت الفتاوَى ذلك النوع من التسويق؛ وذلك لأسباب كثيرة، منها عدم توافر الأطر القانونية الخاصة المنظِّمة لعمل الشركات فى هذا المجال؛ فلا توجد قوانين مسنونة لتنظيم التعامل بها، وغياب الرقابة المالية، والتأثير السلبى لهذه المعاملة على الاقتصاديات المحلية، وذلك يتضح فى جانبى الإنتاج وحجم الادخار من العملة الأجنبية، والأثر الخطير على منظومة القيم فى المجتمعات من خلال التشجيع على الاستهلاك غير الرشيد، وعلى الاتجاه نحو الكسب السريع الذى لا ينتج عن تحسن فى حجم الإنتاج.