الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. غضب السماء وابتلاؤها..  الزلازل لغسيل الذنوب وتوبة المارقين!

مصر أولا.. غضب السماء وابتلاؤها.. الزلازل لغسيل الذنوب وتوبة المارقين!

بادرت مصر، خلال الأيام القليلة الماضية، بإرسال مساعدات إنسانية لكل من سوريا وتركيا.. رغم كل الاختلافات التى وصلت فى بعض الأحيان لصمت الدبلوماسية وتجميدها بسبب العلاقات المتشابكة حسب توجهات كل دولة ومصلحتها المباشرة.. غير أن الأزمات تعود بنا إلى مربع العلاقات الإنسانية المتجاوزة كل خلاف. وأصبح أمر المساعدات الإنسانية وإرسال فرق الإنقاذ المدربة هو فرض إنسانى عالمى.. فى ظل تحدى الكوارث الطبيعية لقدرة الإنسان والدول على مواجهتها. 



تابعت ما حاول البعض بثه على السوشيال ميديا من عبارات على غرار: (الزلزال حصل علشان نعود ونتوب إلى الله ونقترب منه، وهى رسالة للتخويف أيضاً)، و(.. توبوا إلى الله.. واتقوا الله.. ما اهتزت أرض تحت قوم إلا من كثرة ذنوبهم). بالإضافة إلى نشر البعض الآخر لدعاء الزلزال.. فى تحذير مباشر أنه عقاب من الله على الذنوب.

يطرح ما سبق العديد من الأسئلة، على غرار:

هل فعلاً ما تم هو عقاب من الله لدولتين يدين غالبية مواطنيهما بالإسلام؟

ولماذا حدث الزلزال فيهما.. ولم يحدث فى بلاد الغرب الكافرة حسب رؤية المتأسلمين.. أو بالأحرى لم يحدث فى إسرائيل مثلاً؟!

غضب السماء..

تنبأ فرانك هوجربيتس «الباحث الهولندى» بالزلزال الكارثى فى سوريا وتركيا طبقاً لنظريات ومعادلات علمية. ولم يتنباً بها بعد قراءة الكتاب المقدس أو بعد صلاة الاستخارة، ولم يتنبأ بها بتفسيرات غيبية ميتافيزيقية.. تكتفى بالدعاء والتحذير من غضب الله.. فالعدل الإلهى المطلق الذى تنص عليه المسيحية والإسلام.. لا يمكن أن يتسق مع ما يروج له وكلاء التدين الشكلى لتبرير حدوث الزلزال الذى تجاوز ضحاياه فى سوريا وتركيا حتى كتابة هذه السطور حاجز الـ 10000 إنسان بينهم أطفال وسيدات وكبار السن.. ولا يزال الرقم فى تصاعد.

الدين أم العلم..

وكلاء التدين الشكلى الظاهرى.. دائماً ما يربطون كل ما يحدث فى الحياة بالدين بكل الأشكال الممكنة لتبرير ما يحدث دينياً باعتباره أمرا خارج الفهم العقلى والاستيعاب الفكرى من جانب، وباعتباره دليل الإعجاز الذى يستحق البحث والدراسة من جانب آخر للتأكيد على صحة ما جاء به الدين علمياً. رغم أن الربط القصرى بين العلم والدين هو منطق فاسد شكلاً وموضوعاً. 

ما أطرحه عن الفصل بين الدين والعلم.. لا يستند إلى أفكار نظرية المؤامرة حسبما يختزل البعض رفض النقاش فى أسباب هذا الفصل وحيثياته. رغم أن حقيقة الأمر هو أن الفصل بين الدين والعلم.. يجنب النص الدينى عقد المقارنات مع النظريات العلمية لاثبات صحة أحدهما فى مقابل خطأ طرف المقارنة الثانى. 

لا يراعى وكلاء الإعجاز العلمى للأديان أن النص الدينى ثابت لا يتغير، أما النظريات العلمية فهى متغيرة حسب الزمان والمكان ضمن نطاق التطور العلمى المستمر.. الذى أصبحت وتيرة سرعته تتضاعف مع مرور الوقت.

أصبحت أكثر يقيناً أن الحديث عن الإعجاز العلمى للأديان هو نوع من الشعور بالعجز تجاه تقدم الغرب وتطوره وتكنولوجيته التى لا يستطيع مثل هؤلاء الوكلاء مواكبتها. وهنا يصبح السؤال البديهى فى مسألة ربط النظريات العلمية بالإعجاز الدينى: طالما أن الكتب المقدسة للأديان السماوية.. قد ذكرت لنا النظريات العلمية نحن أهل الإيمان.. فلماذا لم نكتشفها نحن.. واكتشفها الغرب المارق؟، ولماذا نتأخر دائماً ولم نتقدم، بل ويتقدم غيرنا ممن نصنفهم باعتبارهم ليسوا من أهل الإيمان.. بل يصل أن نعتبرهم فى بعض الأحيان من الكفار؟، وكيف يستقيم أن يكون الغرب المتقدم علمياً.. هو نفسه «المنحط» روحياً وأخلاقياً؟

لا يعنى بكل الأحوال ما سبق، الانبهار بالغرب والتبعية له.. ولكن متى يمكننا أن ندقق فيما نحكم لنستطيع تقدير موقفنا وبناء رؤيتنا المستقبلية.. بشكل مستقل عن رفض الغرب أو قبوله لأسباب وهمية.. لا تأثير لها فى الحياة العملية؟

تدين سابق التجهيز..

وكلاء التدين الشكلى لا يكتفوا فقط بتبنى أفكار الإعجاز العلمى للأديان، بل ليكتمل تأثيرهم على المجتمع.. ينتهجوا - حسبما يذكر الصديق العزيز د. أسامة الأزهرى فى كتابه الهام «الشخصية المصرية.. خطوات على طريق استعادة الثقة» - التكسب بهذا التدين المزعوم والارتزاق منه بصور كثيرة. وهو أمر يرتبط فى تقديرى بشعورهم بالمسئولية الشخصية الخاصة بالدفاع عن الدين وإعلاء رايته.. وهى تلك الحالة الذهنية التى يمكن أن تصل إلى حد أن يتخيل صاحبها أنه المسؤول عن تنفيذ تعليمات دينه، وفرضها على غيره بأساليب متعددة تصل إلى حد استخدام القوة والعنف. ويتبع ذلك استغلال التدين الشكلى فى تحقيق أهواء ومآرب شخصية خاصة وضيقة لها صور متعددة. وهو ما أطلقت عليه قبل ذلك التدين النفعى المرتبط بتحقيق مصلحة شخصية مباشرة من الإعلان عنه، مثل شيوخ الستالايت وكهنته. وينتج عن ما سبق، الجنوح بالتفسيرات إلى الخرافة واللا معقولية والشعوذة.. فى فهم النصوص الدينية، وتفسيرها وتبريرها بما يتلاءم مع الشكل المراد به توظيفها وتوجيه المجتمع لها.

حدثت أشكالاً متعددة من قطع الصلة وفصل العلاقة بين القول والفعل فى الممارسة العملية للقيم الدينية.. والذى ارتبط بما وصفته بأنه ظاهرة التدين الشكلى فى المجتمع، وهو بمثابة نوع من «التدين المرضى» فى تقديرى.. يتم فيه تضخيم قيمة الشكل فى تعريف المفاهيم والمصطلحات والأفكار على حساب المضمون، وما يترتب على ذلك من إعلاء قيمة المظاهر الخارجية على حساب المعنى القيمى لمحتوى النص الدينى. 

قطعاً، التدين الإنسانى الحقيقى.. يأتى على النقيض من التدين الشكلى الذى يوظف الدين ويستخدمه بغرض تحقيق أهداف خاصة سواء كانت شخصية أو سياسية. ومثال ذلك الدال.. التحول الذى حدث فى المجتمع المصرى من بروز تلك الحالة التى تظهر بين الحين والآخر.. من الطائفية المرتكزة على حالة التدين الشكلى. والتى أخذت منحى فى تحول شكل الخلافات على الرأى، وعلى الأرض، وعلى المرور، وفى المشاجرات اليومية، وعلى التلاسنات اللفظية بالكلمات والعبارات والشعارات إلى صدام بين أبناء الوطن الواحد.

السيطرة على الشارع..

أعلم جيداً أن تراثنا الفكرى والدينى يحتوى على بعض ما يخالف أصول الدين، ويخالف المنطق العقلى. وبالتالى، نحن فى حاجة إلى تحرير الخطاب الدينى أكثر بكثير مما نحتاج إلى تجديده، وهو ما لن يحدث إلا بتجديد الفكر الدينى. والبداية من تجديد التعليم الدينى الذى يعد مركز تجديد الفكر الدينى.. لأنه سيظل التعليم هو الذى يمكن أن يقوم بسد الفجوة بين التراث والتحديث بالمنطق العلمى الذى يدعم أركان الدين فى مؤسساتنا الدينية التاريخية، وليس بالمنطق الخرافى القائم على الدجل والشعوذة والخرافات.. لتدعيم فقه التبرير للعجز والفشل والهزائم أمام الغرب على مدار أكثر من 70 عاماً مضت.

يكتسب وكلاء التدين الشكلى المزيد من التأثير فى المجتمع بسبب قدرتهم على «مغازلة» الشارع المصرى فى بعض القضايا التى تتطلب استقطاب رجل الشارع العادى لتوجه لرأى ربما لا يعرف الشارع المصرى عنه شيء، بل وربما يكون خارج نطاق اختصاصه من الأصل. ومن الواضح، أن هذا المنطق قد أصبح هو المنطق الأساسى الذى يحكم الحوار الفكرى فى المجتمع المصرى. ودليل ذلك «الأكليشيهات» المتداولة التى تعبر عن مفردات «خطاب الأزمة» بداية من التشهير والتضخيم، ومروراً بالإقصاء والاستبعاد والتشويه، وصولاً للعزل والتهميش والتنمر. وهى المفردات التى يتهم بها كل من يختلف مع سياق الرأى الذى يروج له الوكلاء.

إن خطاب الأزمة المذكور يتم الترويج له من خلال نوع من خلط الأوراق بحيث لا نعرف فى نهاية الأمر الحقيقة من الوهم. وتكون الاتهامات على غرار الخروج من العقيدة والدين، أو تأويل بعض الكلمات بما ليس لها، أو الاتهام بالعمالة بألفاظ وعبارات وأشكال مختلفة. وهو أسلوب مراوغ لتصدير الخلاف الفكرى بشكل يوحى بما هو خارج نطاق المسموح به من الاختلاف وقبوله.. وفى سبيل تحقيق ذلك دائماً ما يتم تحويل أى خلاف فكرى أو ثقافى إلى مربع الاختلاف الدينى والعقيدى واختزاله فيه. 

نقطة ومن أول السطر..

الزلازل ليست غضب السماء.. بل هى ظاهرة جيولوجية طبيعية، وليست رسالة ربانية. كما أن الأورام السرطانية هى مرض شرس له أسباب وراثية وبيولوجية متعلقة بالتاريخ الطبى للمريض، وليست ابتلاء من الله كما أنها ليست مرض الملكوت.

لم يسهم التدين الشكلى على مر التاريخ ببناء دولة أو حضارة، بل على النقيض تماماً.. وما حدث فى مصر من صعود الإسلام السياسى ليس ببعيد عن مرمى البصر. وستظل القيم والمبادئ الإنسانية العليا والدين.. والعلم المرتكز على خدمة الإنسان وتقدمه وتطوره.. أساس صناعة الحضارة.