الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

شَلَل بالخرطوم.. أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تهز السودان

تمر السودان بأزمة هى الأصعب فى تاريخها، حيث دعت لجان المقاومة فى السودان إلى مظاهرات احتجاجية جديدة لرفض الاتفاق السياسى وتنديدًا لغلاء المعيشة.



وطالبت المتظاهرين بالتوجه إلى القصر الجمهورى بوسط الخرطوم وتجنب الاحتكاك مع قوات الأمن واستبقت السلطات الأمنية الاحتجاجات وأغلقت جسرًا رئيسيًا يربط مدينة بحرى بوسط الخرطوم.

 

تأتى دعوات التظاهر بعد  تأكيدات رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان بأن الاتفاق الإطارى الموقع مع القوى المدنية كفيل بتحقيق الاستقرار السياسى.

كما تأتى دعوة لجان المقاومة بعد أيام من بدء المرحلة النهائية من العملية السياسية والتى تمهد الطريق للاتفاق النهائى. ووقع قادة الجيش وقوى المعارضة الرئيسية اتفاقًا إطاريًا فى ديسمبر الماضى من شأنه أن يُمهد الطريق لتشكيل حكومة مدنية. وينص الاتفاق على تشكيل حكومة مدنية يرأسها رئيس وزراء بصلاحيات واسعة، بالإضافة إلى مجلس للسيادة برئاسة مدنية.

إضرابات

اضطر آلاف الموظفين وطلاب الجامعات للوصول إلى أماكن عملهم وجامعاتهم مشيًا على الأقدام، وأصيبت العاصمة الخرطوم بشلل كبير بعد أن نفّذ أصحاب حافلات النقل إضرابًا عامًا احتجاجًا على ارتفاع رسوم الترخيص والمخالفات المرورية والضرائب.

ويعتمد أكثر من 80 ٪ من سكان الخرطوم والمدن السودانية على الحافلات فى تنقلاتهم فى ظل عدم وجود شبكات قطارات داخلية وارتفاع تكلفة أجرة التاكسى والسيارات التى تعمل بتطبيقات النقل.

وأشار صاحب حافلة تعمل فى مجال نقل الركاب بين مناطق العاصمة المختلفة إلى أنهم يواجهون صعوبات كبيرة فى التأقلم مع التكاليف العالية التى يتطلبها العمل فى نقل الركاب.

ويأتى إضراب سائقى حافلات النقل فى ظل موجة إضرابات واسعة فى عدد من قطاعات الخدمة المدنية بالبلاد بسبب ضعف الأجور وتردى الأوضاع المعيشية فى ظل تآكل قيمة الجنيه السودانى الذى شهد انخفاضًا جديدًا أمام العملات الأجنبية الخميس الماضى، حيث جرى تداول الدولار الواحد بنحو 585 جنيهًا.

ومع تفاقم أزمة إضراب معلمى مدارس التعليم العام، اضطرت السلطات السودانية إلى إغلاق المدارس فى مرحلتى الأساس والثانوى قبل أسبوع واحد من موعد امتحانات منتصف العام، مما أحدث ارتباكًا كبيرًا فى أوساط الأهالى.

ويعتبر إضراب حافلات نقل الركاب هو الأحدث فى سلسلة إضرابات معلنة شملت حتى الآن قطاعات فى التعليم والصحة وديوان الضرائب والمراكز البحثية والأرصاد الجوية.

ووضعت الزيادات الأخيرة التى أدخلت على أجور العاملين فى بعض القطاعات، مثل الكهرباء والأجهزة الأمنية، الحكومة أمام تحدى ردم الهوة الكبيرة فى الأجور، فى ظل استمرار التدنى الكبير فى أجور العاملين فى قطاعات حساسة مثل التعليم والصحة.

وتقول النقابات والتنظيمات المهنية: إن الخلل الاقتصادى العام أدى إلى تدهور كبير فى أوضاع الموظفين والعاملين خصوصًا فى ظل الضعف الكبير فى الأجور التى تتراوح بين 70 إلى 110 جنيهات «140 إلى 200 دولار» فى معظم القطاعات، فى حين تؤكد دراسات متخصصة أن الاحتياجات الأساسية للأسرة المتوسطة تكلف ما بين 350 إلى 450 ألف جنيه «600 إلى 800 دولار».

ويطالب العاملون فى قطاعات النقل والتعليم والزراعة والصحة وعدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى بتحسين أجورهم لمجاراة الارتفاع الكبير فى أسعار السلع الأساسية والخدمات.

وتسارعت خلال الفترة الأخيرة وتيرة التدهور الاقتصادى فى البلاد، وسط ارتفاع كبير فى معدلات التضخم التى فاقت الـ 200 بالمائة على أساس سنوى، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للموظفين فى ظل تدنى الدخول وتراجع قيمة الجنيه، وزيادة الضرائب والرسوم، مما أدى إلى رفع معدلات الفقر إلى أكثر من 60 بالمائة من السكان البالغ تعدادهم نحو 40 مليون نسمة.

الاتفاق الإطارى

يتعهد الاتفاق الإطارى بتهيئة الأجواء لفترة انتقالية مدتها عامان، مع تعيين رئيس وزراء مدنى من قبل الأحزاب السياسية الموقعة على الاتفاق الإطارى. وتضمن الاتفاق خمسة موضوعات هى: العدالة الانتقالية، والإصلاح الأمنى والعسكرى، ومراجعة اتفاق السلام، وتفكيك نظام الرئيس السابق عمر البشير، وحلّ قضية شرق السودان.

فى الأسبوع الماضى، انطلقت الجولة الأخيرة من العملية السياسية فى السودان، فى محاولة للتوصل إلى توافق بشأن إجراءات تفعيل المرحلة الانتقالية فى البلاد، وكان السودان بلا حكومة عاملة منذ أكتوبر 2021، عندما أقال الجيش الحكومة الانتقالية لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وأعلن حالة الطوارئ، وهى خطوة نددت بها القوى السياسية، ووصفتها بأنّها «انقلاب عسكرى».

ويبدو أن عودة الإخوان إلى المشهد فى السودان سببت حالة من الارتباك للجميع، ويرى مراقبون أن القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان سعى فى بداية الأمر لاستخدام الجماعة لدعم الانقلاب، بينما وقف قائد قوات الدعم السريع ضد هذه الخطوة.

آمال الإصلاح

هناك العديد من التحديات الصعبة، لكن يظل الجانب السياسى هو الأهم فى الساحة، حيث يكون الكثير من الاستقطاب السياسى والمنافسة الشرسة الثبات وتثبيت أى قوة سياسية لنفسها وبطبيعة الحال السباق نحو الانتخابات وربما تكوين تحالفات ذات طبيعة فكرى.

أيضًا يلاحظ تزايد الهجمات الإلكترونية المنظمة وحملات اغتيال الشخصيات إلكترونيًا، وأيضًا من التحديات طبيعة العلاقة بين المؤسسة العسكرية بمختلف فروعها وأجهزتها والتداخلات الكبيرة فى تسيير الدولة والتقاطعات مع عمل الحكومة التنفيذية رغم إعلان المؤسسة العسكرية عن خروجها من المشهد السياسى إلا أن مظاهر عدم الثقة الواضحة بين قوى الثورة والجيش يشكل تحديًا واضحًا.

بجانب ذلك، توجد تحديات اقتصادية برزت جليًا منذ أول أسابيع عمل الحكومة السابقة، فهناك الأحزاب اليسارية التى تدعو إلى ما سمته الحلول الوطنية التى تم صياغتها فى البرنامج الإسعافى لقوى الحرية والتغيير فى 2019، أما الأحزاب القائمة على سياسات اقتصادية ليبرالية بالتعاون مع صندوق النقد الدولى والمؤسسات المالية الدولية وهى سياسة تعتمد على خروج الدولة من دعم السلع الأساسية والمحروقات وكذلك من النشاط الاقتصادى وهو ما أدى للخلاف العميق وخروج الحزب الشيوعى من إعلان الحرية والتغيير بعد المؤتمر الاقتصادى الذى أقر بسياسات صندوق النقد الدولى، حيث انتقدت اللجنة الاقتصادية المنبثقة من الحرية والتغيير -والتى يسيطر عليها اليسار فى 2020– السياسات التى تتبعها الحكومة متهمة إياها بنهج طريق النظام السابق فى تنفيذ برنامجه الذى يسمى بـ«البرنامج الخماسى (2020-2015) الذى يقضى بنهاية العام 2020 برفع الدعم عن المحروقات والخبز تمامًا» وهو ما حدث بالفعل بعد عام. 

هذه التحديات وتحديات أخرى مثل قضية دمج الدعم السريع وإصلاح اتفاقية جوبا والترتيبات الأمنية وقضية معالجة الديون والدعم الاقتصادى كلها تحديات تُشكل صعوبة بالغة لنجاح الفترة الانتقالية فى عامها الرابع؛ ما يتطلب وعيًا حقيقيًا لتجاوز هذه الخلافات.