الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
شريف عرفة ناظر مدرسة الإخراج الفنية التجارية الحديثة

شريف عرفة ناظر مدرسة الإخراج الفنية التجارية الحديثة

هل كان الفتى الذى يشاهد من شرفة منزله بالمنيل فى منتصف السبعينيات سينما الجزيرة التى تقدم أكثر من فيلم فى بروجرام واحد يعرف أنه فى يوم من الأيام سيكون مخرجًا عظيمًا، بل سيصبح ناظر مدرسة الإخراج السينمائى الحديثة.. الناظر شريف عرفة.



ومثل أى ناظر تتعاقب الأجيال على مدرسته - سينماه، لكنه يستطيع وبسهولة أن يواكب الأجيال الجديدة، يفهم لغتهم يذاكرهم جيدًا، ومع أنه حضرة الناظر لكنه لا يتوقف أبدًا عن المذاكرة، فهو يطالع كل جديد فى مدرسة الإخراج، وكل جديد فى ذائقة الجمهور، وكل جديد فى تقنيات الصنعة، لعل أهم عنوان يمكن أن نضعه لحياة شريف عرفة هو أنه لا يتوقف، حين يفشل لا يتوقف عند هذا الفشل، وحتى حين ينجح لا يتوقف عند هذا النجاح يبحث عن نجاح آخر، شريف عرفة الذى فشلت أفلامه الأولى تجاريًا مثل: الأقزام قادمون والدرجة الثالثة بالرغم من نجاحها فنيًا، لم يسقط، وتعلم كيف يقوم من جديد، وربما تلك البداية المتعثرة جماهيريًا، خلقت بداخله هاجس النجاح الجماهيرى، وظل ذلك الهاجس يؤرقه، وحين تعامل مع النجم الجماهيرى الكبير عادل إمام تعلم منه كيف يتحسس ذائقة الجمهور، عرف شريف عرفة الجمهور عايز إيه، لكنه قدم لذلك الجمهور ما يحتاجه بطريقة شريف عرفة، وحل بذلك معضلة فنية كبيرة، لم يحتكر رؤية فنية لا يفهمها سواه كما فعل بعض المخرجين، ولم يستسهل ويقدم المقرر السهل، افتتح مدرسة جديدة هى مدرسة الإخراج الفنية التجارية الحديثة.

وكلمة مدرسة التى أطلقها على شريف عرفة ليست مجازية بل هى كلمة حقيقية، فكما أن المدرسة لا تقدم مادة ولا منهجًا واحدًا وفقط، فكذلك حضرة الناظر شريف عرفة قدم للسينما مادة الفانتازيا والتاريخ والاستعراض والأكشن والغنائى والكوميدى والسيرة والحربى والثريللر.

فشريف عرفة هو مخرج: سمع هس، ويا مهلبية يا، والناظر، وطيور الظلام، والجزيرة، والكنز، والممر، والجريمة.. بالتة ألوان واسعة من الطيف السينمائى، صنع كل أنواع الأفلام وأجاد فى كل ما قدمه، ولعل السبب يرجع لشغفه الدائم بالمذاكرة والتطوير والاطلاع على الجديد مما جعله لا يقف طموحه عن نوع معين، سبب آخر وهو أنه شارك فى كتابة القصص السينمائية لبعض أعماله، هذا جعله مسيطرًا على أدواته.

فى المرحلة الأولى التى تبدأ من منتصف الثمانينيات قدم شريف عرفة ثنائية مع السيناريست القدير ماهر عواد أنتجت أفلامًا فانتازية لم يستسغها الجمهور وإن كان قد أشاد بها النقاد، وقدم فيها الأقزام قادمون، والدرجة الثالثة، ويا مهلبية يا، وسمع هس، ثم كانت المرحلة الثانية وقدم فيها خمسة أفلام عظيمة بعد أن كون ثلاثيًا عظيمًا مع النجم عادل إمام والكاتب الكبير وحيد حامد وصنعوا خماسية بديعة قدمت وصلة هجاء نقدى بحس كوميدى ساخر من أول اللعب مع الكبار، ثم الإرهاب والكباب، ثم المنسى، ثم طيور الظلام، وأخيرًا النوم فى العسل، ثم أخذ فاصلًا قصيرًا مع فيلمه البديع «اضحك الصورة تطلع حلوة»، مع النجم أحمد زكى والكاتب وحيد حامد، قبل أن يعود مغيرًا جلده تمامًا، فصار بمثابة الأب الروحى للكوميديا الجديدة آنذاك، وقدم علاء ولى الدين فى ثلاثية عبود على الحدود، والناظر، وابن عز، وفيها دشن وجود محمد سعد فى شخصية اللمبى التى لم يفارقها سعد طويلاً، وكذلك دشن وجود أحمد حلمى، وغيرهم، فهو صانع نجوم حقيقى، يفهم الدراما والكوميديا جيدًا، ويستطيع أن يرى ما لا يراه الممثل فى نفسه، هل يتوقف شريف عرفة ويقبع فى منطقة الكوميديا بعد نجاحه الصارخ فيها، يطير بعيدًا ثم يعود بضربة قوية فى الأكشن حين قدم مافيا، ثم يثور على الأكشن نفسه الذى قدمه فى مافيا، ويقدم أكشن من وحى البيئة المصرية فى الجزيرة، لا يقف هنا عند هذا النجاح، ويذهب ليوثق رحلة العندليب عبد الحليم حافظ فى حليم، ثم يفكر فى أفلام الجاسوسية فيقدم أولاد العم، ثم يسأل نفسه وهو يدخن سيجاره الكوبى لماذا لا أقدم فيلمًا تاريخيًا فيخرج لنا الكنز، وبينما تتشابك خيوط دخان غليونه يفكر فى عمل فيلم ثريللر فيقدم فيلم الجريمة، قبلها لا يفوته تقديم فيلم حربى فيمتعنا بفيلم «الممر»، ويرعبهم بالمموه اللى بيخافوا منه، وأحيانًا يستخدم فاصلًا كوميديًا بديعًا بين فيلم أكشن ومسرحية عظيمة يخرجها، فيقدم لنا هنيدى وحلمى بشكل لا يتكرر فى سور الصين العظيم، وإكس لارج، أو يقدم تجربة السيت كوم الاستثنائى تامر وشوقية.

كل سنة وأنت طيب يا أستاذ شريف بقدر ما أضحكتنا وأسعدتنا وأبكيتنا، وبقدر ما ملأت صدورنا بالأمل، وبقدر ما رفعت الأدرينالين فى عروقنا من فرط الانفعال بمشاهدك السينمائية العظيمة والجميلة المغرقة فى الصدق والرقة والتوتر.. كل سنة وأنت مبدع يا أستاذ.. كل سنة وأنت طيب يا حضرة الناظر.