الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
إلغاء شرطة الأخلاق

إلغاء شرطة الأخلاق

منذ أيام قليلة، قررت إيران إلغاء «شرطة الأخلاق» تحت ضغط الاحتجاجات التى شهدتها المدن الإيرانية، وكانت هذه الشرطة قد احتجزت الشابة «مهسا أمينى» بحجة مخالفتها لقواعد الملابس التى حددتها السلطات فى طهران للإيرانيات، وجاءت وفاة «مهسا» خلال احتجازها لتشعل موجة من الاحتجاجات التى استمرت من 14 سبتمبر الماضى وحتى الآن.



شرطة الأخلاق تم إنشاؤها عام 2006 فى عهد الرئيس الإيرانى الأسبق أحمدى نجاد من أجل «نشر ثقافة الزى اللائق والحجاب» ومراقبة مدى الالتزام بالملابس المحددة من السلطات الإيرانية فى الشوارع، وجاء إلغاء هذه الشرطة فى محاولة لاحتواء الموقف الذى يزداد اشتعالا، وهو ما يؤكد أن التعسف فى استعمال السلطة المطلقة والتى تتمتع بها هذه الشرطة الاستثنائية يؤدى وإن طال الزمن إلى انفجار الشعب وغضبه حتى ولو كانت هذه السلطة تمارس عملها باسم الدين وهو منها براء، ولعل إلغاء هذه الشرطة فى إيران يذكرنا بتحجيم دور هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى السعودية حتى أصبحت بلا عمل تقريبا فى ظل الانفتاح الذى تشهده المملكة فى السنوات الأخيرة، وكانت الهيئة التى أنشئت عام 1940 بمثابة شرطة دينية وأخلاقية، وحظيت لسنوات بنفوذ كبير فى الشارع السعودى، حيث كان عناصرها يراقبون تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية من وجهة نظرهم فى المدن السعودية، وتمتع أفرادها بصلاحيات كبيرة، مثل حقّهم فى طلب الوثائق الشخصية ومطاردة وتوقيف الناس، والتأكد من التزام النساء بارتداء العباءة السوداء وملاحقة روّاد المقاهى والمراكز التجارية وإجبار المحلات على الإغلاق وقت الصلاة، ولكن مع السياسة الجديدة التى انتهجتها المملكة تم تجريدهم عمليا من صلاحياتهم فى 2016 ومن وقتها تراجع دورها بشدة وأصبح وجودها كالعدم.

وإذا كانت السعودية وبعدها فى إيران قررتا إلغاء شرطة الأخلاق، فإن هذه الشرطة تزداد أفعالها فى مصر وأصبح الجميع فى مرمى نيرانها وهى شرطة ظهرت بشكل غير رسمى ولا تتمتع بأى وجود قانونى ولكن تمارس عملها ومهامها منذ سنوات، فى البداية كان أفرادها الذين يعتبرون أنفسهم قوامين على المجتمع يرفعون دعاوى الحسبة أمام القضاء ويقدمون بلاغات يتهمون فيها المفكرين بالكفر والفنانين بنشر الفسق ويطالبون أحيانا بمصادرة الكتب أو منع أحد الأفلام المخلة بالأخلاق من وجهة نظرهم، ومع الوقت ازدادت هذه الشرطة غير الرسمية قوة وانتشارا وساعدها فى ذلك وسائل التواصل الاجتماعى، وأصبحت توجه الاتهامات يمينا ويسارا وتقيم المحاكمات وتصدر الأحكام دون نقض أو استئناف، لم يسلم منها كاتب أو مفكر أو فنان أو لاعب كرة، كل المشاهير فى قبضتها، يكفى أن يتوفى واحد من هؤلاء فتقوم هذه الشرطة بصب لعناتها بدلا من الترحم عليه، وتنصب له المحكمة فى الوقت الذى لا يستطيع الدفاع عن نفسه، لم يعد الموتى يرقدون فى سلام، بل تتوالى عليهم الاتهامات والشتائم وتلصق بهم كل النقائص، ليس الموتى فقط من تتعرض لهم شرطة الأخلاق فالأحياء أيضا يعانون منها، ولنتذكر ماذا فعلت هذه الشرطة باللاعب العالمى محمد صلاح عندما نشر صور لأسرته وهم يتدربون فى الجيم، فانهالت عليه الشتائم لأنه يعرى ابنته بدلا من أن يحجبها رغم أنها طفلة صغيرة، نفس الأمر يتكرر مع كل فنانة ترتدى ملابس لا تعجبهم ويرونها مخالفة للأخلاق من وجهة نظرهم، هم يترصدون جميع المخالفين لأفكارهم وتوجهاتهم، ولا أدرى هل هناك تنظيم يحرك هذه الشرطة أم أنها تتكون من أفراد لا علاقة لهم ببعض ولا يربطهم سوى ادعائهم الدفاع عن الأخلاق؟، أعتقد أننا فى حاجة لدراسة هذا الأمر بجدية ومعرفة كيفية تحجيمه وإضعافه؟ هل يمكن أن تكون هناك قوانين رادعة لمن يتعرض للناس بالشتائم ويكيل لهم الاتهامات؟ إننى لا أرفض النقد وخاصة للشخصيات العامة، وأدرك أن كثيرا ما لعبت وسائل التواصل الاجتماعى دورا مهما فى إلقاء الضوء على جرائم أو كشف ما يقوم به بعض ذوى النفوذ من أفعال مخالفة للقانون استنادا لسلطتهم وأموالهم ومعارفهم، ولكنى أتحدث هنا عن الشتائم والسباب والاتهامات الباطلة ومحاولة فرض الأفكار وتنصيب البعض لأنفسهم رقباء على المجتمع وحماة للأخلاق، لقد أنهت إيران شرطة الأخلاق وحجمت السعودية هيئة الأمر بالمعروف فمتى نستطيع نحن إلغاء شرطة الأخلاق والحسبة فى بلدنا؟