الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الأستاذ مفيد فوزى حكاية رجل أخلص للصحافة

الأستاذ مفيد فوزى حكاية رجل أخلص للصحافة

البشر هُم كنز الرّحلة.. رحلة كل إنسان فى الدنيا.. وفى مهنة الصحافة رُزقنا بكنَز كبير تَمَثّل فى أجيال مُتعاقبة من الأساتذة أخلصوا للعمل الصحفى حتى النهاية وانحازوا للمهنة بكل جوارحهم.. جيلٌ عرفَ قدرَ نفسه وقدرَ مهنته وقدرَ قلمه وقدرَ رسالته نحو مجتمعه وأمام وطنه ومن قبل كل ذلك أمامَ الله.



الكتابة انفعالٌ على الورق مَحكوم بالضمير والمبدأ والمعرفة.. لذا قد تختلف مع كاتب، ولكن تصدّق صدق سطوره.

هذا الجيل العظيم هو مَن أعطى الزخم لوصف الأستاذ الكبير محمد التابعى للصحافة بأنها (صاحبة الجلالة)، ثم دفعوا لكى تصبح وتظل (السُّلطة الرابعة) فى وجدان الأمّة.. الجورنالجية الذين لا يمتلكون من حصاد حياتهم إلا سيرة وطن وثقوها حسب قناعتهم وتركوها لمَن بَعدهم ويأمل كل منهم عند انتهاء رحلته أن يكون قد أدّى أمانته وبلّغ رسالته.

الأستاذ مفيد فوزى لا ينتمى فقط إلى هذه الأقلام الكريمة.. أقلام الماس فى عُقد الصحافة المصرية والعربية.. ولكنه جوهرة استثنائية صعب تكرارها.

كان لى شرفُ الأحاديث والحوارات الكثيرة والمباشرة والممتدة على مدَى 17 عامًا مع الأستاذ مفيد فوزى.. بعضها صحفية وبعضها إذاعية ومعظمها شخصية.

ارتبط الأستاذ «مفيد» بوالدته ارتباطًا شديدًا.. هذا الارتباط حدّد محورية المرأة فى سلامه النفسى.. امتد هذا الارتباط  من الأم إلى زوجته الإذاعية الكبيرة آمال العمدة وصولاً إلى ابنته الزميلة الراقية الكاتبة حنان مفيد فوزى.

فى أحد الأحاديث اعترفَ لى الأستاذ «مفيد» أن نجوميته أخذت من حظ نجومية زوجته وابنته، ولكن بقدر ذلك لأن آمال العمدة إذاعية من طراز رفيع وقلم حنان مفيد يُعبر ويُعلن عن قيمته.

ما بين أسطورة إحسان عبدالقدوس وعبقرية أحمد بهاء الدين وعظمة محمد حسنين هيكل تشكّلَ الچين الصحفى لـ مفيد فوزى إذا جاز التعبير.

تَشَرَّبَ الصنعة من الأستاذ أحمد بهاء الدين مع بداية تعيينه فى مَجلة صباح الخير عام 1957 بعد زيارته للسيدة روزاليوسف وقدّمه إليها الأستاذ إحسان عبدالقدوس وكانت السيدة روزاليوسف تعانى من كسر فى القَدم وطلب منه الأستاذ «إحسان» أن يكتب كلمة على الجبس فكتب اسمه بحجم كبير وأرفق عليه جملة (بنط 18) فى إشارة إلى حجم اسمه الصحفى الذي سيكون.

فى بداياته كان مفتونًا بأسلوب الأستاذ «هيكل»؛ بل ذهب إلى تقمُّصه وتقليده فنهره الأستاذ أحمد بهاء الدين وقال: «اخلق أسلوبك عندنا هيكل واحد».. وقد كان.

أخذ من الأستاذ إحسان عبدالقدوس انفتاحه على الفن وقضاياه ونجومه وأصبح متداخلاً معهم إلى حد بعيد توصفه حواراته مع نجوم الفن المصري والعربى.

مع انطلاقة التليفزيون المصري فى الستينيات بنَى مفيد فوزى مَجدًا خاصًا.. مَجد صانع المحتوى التليفزيونى والإذاعى، وقام بإعداد العديد من البرامج بالغة التميز التي يُشار إليها إلى اليوم كمَرجع تليفزيونى وإذاعى.. انطلق فى الإذاعة فى السبعينيات.. عشقه لـ فيروز أغضب السيدة أم كلثوم وتعرّض بَعدها لمَتاعب مهنية، ولكنه عاد وانتصر.

مع الثمانينيات ظهَرَ حضورُه الصحفى والتليفزيونى ككاتب ومُحاور يُمثل رقمًا بالغَ الأهمية فى المُعادلة الإعلامية المصرية وتولّى بعد ذلك رئاسة تحرير مَجلة صباح الخير ليجلس على مقعد أستاذه أحمد بهاء الدين ويصنع هو تجربته كما طلب منه، وبعد 8 سنوات من رئاسة تحرير صباح الخير.. ابتعد قليلاً ثم عاد وانتصر مُجَددًا.

فى مَطلع التسعينيات استلهم وزيرُ الإعلام الأسبق صفوت الشريف تجربة برنامج إنجليزى يرصد أحوال الشارع وتجربة برنامج أمريكى صباحى لتطوير المحتوى البرامجى فى التليفزيون المصري.. وقد كان برنامج (صباح الخير يا مصر) وأسند إلى العظماء أحمد سمير ومحمود سلطان فى بدايات البرنامج وتم اختيار الأستاذ مفيد فوزى لبرنامج أصبح أيقونة فى الصحافة التليفزيونية وهو (حديث المدينة).

فى برنامج (حديث المدينة) لعب الأستاذ مفيد فوزى أكثرَ من دور مارَس من خلال هذه الأدوار كل فنون العمل الصحفى فى قوالب تليفزيونية مختلفة، لعب دور المُحقق الصحفى الذي يبحث عن إجابة عن سؤال يفك لغزًا يبحث عن أسراره الرأى العام.. لعب دورَ مواجهة المسؤول على نمط البرنامج الأمريكى الشهير (واجه الصحافة)، لعب دورًا كانت تقوم به الأستاذة الكبيرة آمال فهمى فى الإذاعة من خلال برنامجها الشهير (على الناصية) من خلال رصد نبض الشارع والتفاعل المباشر مع المواطنين.

ثم انتقل بَعد ذلك إلى مَرحلة المُحاور الأهم، وهى منطقة قريبة من هالة الأستاذ محمد حسنين هيكل الصحفية عندما أصبح مُحاور الرئيس وكبار المسؤولين.

بَعد العام 2005 تغيرت التركيبة الإعلامية مع تغيُّر التركيبة السياسية.. ابتعد قليلاً، ثم عاد مُجَددًا من خلال برنامج (القاهرة اليوم) وكانت إطلالته بجوار الأستاذ عمرو أديب لها رونق خاص.

بَعد العام 2011 احتفظ مفيد فوزى باحترامه لنفسه ولقلمه ولقناعته لم يركب الموجة ولم ينحَز إلى الفوضى ولم يذم فى عهد سابق حصل فيه مفيد فوزى على التحقق الكامل؛ ولكنه فى الوقت نفسه لم ينكر خطأ ولم يُكابر فى مراجعة بعض المواقف.. ثم ابتعد قليلاً وعاد بَعد استعادة الوطن مع ثورة يونيو العظيمة عام 2013.

عاد التوهج الكامل لقلمه الذي لم يتوقف عن الكتابة منذ العام 1957 حتى شهر واحد مضى كنا ننتظر فيه مقالاته هنا فى «روزاليوسف»، ونمنى أنفسنا كل أسبوع أن يكون الاعتذار الذي نقدّمه للقراء هو الاعتذار الأخير وأن يعود الأستاذ «مفيد» للقراء ولبيته الذي أعطاه كل شىء «روزاليوسف».. ولكن أتم القلم رسالته مُخلصًا للصحافة وللمُجتمع وللوطن بضمير يقظ تاركًا سيرة مَدرسة صحفية مستقلة اسمها مفيد فوزى.