الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«يعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه»

«يعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه»

العنوان أعلاه هو قاعدة فقهية استشهد بها شيخ الأزهر خلال ملتقى البحرين للحوار الذى عقد الشهر الماضى ودعا خلاله الشيعة للحوار، وهى تصلح أساسًا للحوار داخل مصر على المستوى السياسى والدينى والاجتماعى، فنحن نحتاج إلى التسامح وقبول الآخر ونشر هذه الفضيلة فى المجتمع الذى يعانى من تزايد  العنف فعلاً وقولاً، حتى إنه أصبح ظاهرة تستحق الدراسة والعمل من أجل الحد منه، وأعتقد أن هذه القاعدة الدينية والإنسانية لو طبقناها لاختفت من حياتنا اتهامات التكفير والتخوين طالما لم تكن هناك أدلة قاطعة ويقينية عليها، وعلى الجانب الاجتماعى ربما قلت الجرائم خاصة الأسرية منها وخفتت حدة الخلافات الزوجية والتى أدى تزايدها إلى حوادث لم نكن نعرفها من قبل، لذا أتمنى أن يقوم شيخ الأزهر ومعه البابا تواضروس بما لهما من مكانة وتأثير عند المسلمين والمسيحيين بمبادرة لإشاعة ونشر روح التسامح فى المجتمع, والذى يعانى كثيرًا نتيجة غياب هذه الفضيلة، ولعل ما يشجعنى على ذلك ما قام به الحبران الشهر الماضى من عمل رائع دللا به على المحبة والتسامح وقبول الآخر فى الإسلام والمسيحية، فقد وأد البابا تواضروس الفتنة بين الأقباط الأرثوذكس المصريين والإنجيليين المصريين بعد رده على أحد القمامصة الذى هاجم الزواج البروتستانتى واعتبره زنى، وجاء ذلك فى فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى وأثار غضب الكنيسة الإنجيلية واستياء كثير من الأقباط الأرثوذكس، فقد أعلن البابا منذ أيام «احترامه وتقديره للزواج بالكنيسة الإنجيلية واعتزازه بالعلاقة المتأصلة بالمحبة مع الطائفة الإنجيلية»، وطالب بألا يتم الالتفات إلى أى تصريحات غير صادرة منه شخصيًا أو من مكتبه، وقال: «إنه لن يكتفى بمساءلة الإيبارشية للقمص، بل سيحقق معه بنفسه»؛ وهو ما نتمنى إعلان نتيجته قريبًا.



 

 

وهكذا كان كلام البابا بمثابة دعوة للتسامح وعدم رفض أتباع الكنائس الأخرى وهو استمرار لمنهجه فى التواصل مع الطوائف المسيحية داخل وخارج مصر، ما يمهد الطريق لمزيد من العلاقات الجيدة، كما أنه يوقف فى المستقبل أى إساءات يمكن أن تصدر من كهنة وأساقفة الكنيسة القبطية ضد الكنائس الأخرى بعد أن دأب بعضهم على مدى سنوات سابقة على التشكيك فى صحة إيمان الكاثوليك والبروتستانت وأنهم لن يدخلوا ملكوت السماء، بل إن البابا وجد رفضًا من بعض الأساقفة عندما حاول أن يكون هناك اتفاق بعدم إعادة المعمودية بين الكاثوليك والأرثوذكس، أعرف أن البابا يجد عنتًا ومقاومة من بعض الأساقفة وأتباعهم ويضعون أمامه العراقيل، ولكنه مستمر فى طريقه وأسلوبه حتى ولو كان ببطء، وفى نفس الوقت أتمنى أن تمتد روح المحبة والتسامح للمختلفين مع الكنيسة وأن يعيد البابا الاعتبار لمن تم عقابهم من قبل ولأسماء من رحلوا منهم.

على نفس النهج كان موقف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، عندما وجّه الدعوة للشيعة للحوار بقلوب مفتوحة وأيدٍ ممدودة، وطالب عُلماءِ الدِّين الإسلامى فى العالم كلِّه على اختلافِ مذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم، بعقدِ حوارٍ (إسلامى إسلامى) جاد، من أجل إقرار الوحدة والتَّقارُب والتَّعارف، ونبذ أسباب الفُرقة والفتنة والنِّزاع الطَّائفى، والتركَيز على نقاط الاتِّفاق والتَّلاقى، وكان هذا النداء فى ختام ملتقى البحرين للحوار، وكان من أهم ما قاله الدكتور الطيب وما انتهى إليه الملتقى هو التركيز على وقف خطابات الكراهية المتبادلة، وأساليب الاستفزاز والتَّكفير، وضرورة تجاوز الصِّراعات التاريخيَّة والمعاصرة بكلِّ إشكالاتِها والحوار على أساس القاعدةِ التى تقول: «يَعْذُرُ بعضُنا بعضًا فيما نختلفُ فيه»، وإذا كان الإمام الأكبر وجّه الدعوة للشيعة للحوار فإننى أتمنى أن يوجه الدعوة وبنفس السماحة للمختلفين مع الأزهر فى مصر وأن يتم نقاش موضوعى حول دور الأزهر فى المستقبل وكيفية تطويره وتنقية ما علق بالكتب التى يتم تدريسها من شبهات تسىء للإسلام، وذلك دون أن يتم اتهام أحد بالتكفير أو الخروج على الدين، وإذا كان ما قام به البابا والإمام الأكبر له بعد دينى، فإننا نريد أيضًا مثل هذه الدعوات الفاضلة على المستوى الاجتماعى، فهل يفعلها الحبران ويتبنيان مبادرة التسامح وتحت شعار يعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه؟