الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ما بين محاولات البحث عن ملاذ والرغبة فى تحقيق الأحلام: معاناة المرأة العربية فى أفلام القاهرة السينمائى

لسنوات طويلة ظلت المرأة تقدَّم فى السينما العربية بصورة نمطية، وبعيدة عن الواقع، وعندما قرر صناع السينما تسليط الضوء على ما تعانيه المرأة من أوجاع، ألقت الحروب بظلالها على المشهد، وبات من النادر أن تجد فيلما عربيا لا يتحدث عن داعش وما فعلته من أسر وسبى، لكن المشهد تغير كثيرا فى السنوات الأخيرة، حيث أصبحت المرأة تقدم على شاشة السينما بشكل أكثر واقعية، دون أن يتم ربط معاناتها أو همومها بظروف استثنائية، وفى دورة هذا العام من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عشرات الأفلام العربية التى جسدت تلك الفكرة، وفى السطور التالية نسلط الضوء على نماذج من تلك الأفلام، ونلتقى بصناعها لنحاورهم حول الظروف التى قادتهم لتقديمها على شاشة السينما.



 الفرار إلى الجحيم

البداية مع الفيلم الجزائرى (حورية) للمخرجة «مونيا ميدور» الذى يعرض فى المهرجان لأول مرة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، وتدور قصته حول راقصة بالية موهوبة، تبذل قصارى جهدها، من أجل أن تحقق حلمها بالالتحاق بفرقة البالية الوطنية الجزائرية، وفى اليوم المحدد لاختبارات الالتحاق، تلتقى بشخص يكسر لها قدمها، وتتسبب فعلته غير المبررة فى فقدانها النطق، لكنها مع ذلك لم تفقد شغفها ورغبتها فى تحقيق حلمها، ورغم مطاردة هذا الرجل لها تستمر فى تدريس الرقص حتى وصل الأمر إلى قيامها بذلك فوق سطح منزلها، لنكتشف فى نهاية الفيلم أن هذا الرجل لديه تاريخ إجرامى، وتورط فى العديد من العمليات الإرهابية فى التسعينيات، حيث زمن العشرية السوداء فى الجزائر والتى عانى خلالها الجزائريون من وصول الجماعات المتطرفة للحكم.

والمعاناة من زمن العشرية السوداء تمت مناقشتها بشكل آخر فى الفيلم الفرنسى الجزائرى (لأجل وطنى) المعروض ضمن قسم البانوراما الدولية للمخرج الفرنسى الجزائرى المولد «رشيد حامى» وتبدأ أحداثه فى زمن العشرية السوداء حيث تفر الأم بولديها «إسماعيل وعيسى» إلى فرنسا، وتتحمل مسئوليتهما وحدها أمام رفض الأم مغادرة البلاد، أملا فى أن تحميهما من مصير ملئ بالدم بعد أن يصبحا مواطنين فرنسيين، لكن المفاجأة أن المصير ذاته واجهه الابن الأصغر «عيسى» بعد أن التحق بصفوف الجيش الفرنسى، وقتل فى أحد التدريبات، لتجد الأم نفسها مع بقية أسرتها مضطرة إلى خوض معركة جديدة من أجل استعادة حقه نتيجة رفض الجيش الفرنسى تحمل مسئولية ما حدث، ورفضهم إقامة جنازة عسكرية له لأنه مواطن من أصل عربى، وظل الجثمان دون أن يدفن وظلت الأم ترى جسد ولدها وهو يذبل، واستمرت فى صراعها حتى نجحت فى إقامة جنازة عسكرية تليق به، وعن فكرة الفيلم يقول المخرج «رشيد حامى» أنها مستوحاة من سيرته الذاتية، حيث فرت والدته من الجزائر، وقاست كثيرا من أجل حمايته وأخيه من مصير محتوم، مشيرا إلى أنه لجأ من خلال الفيلم إلى طرح مسألة الهوية لتشمل أكثر من مستوى، حيث لا تقتصر فقط على الجنسية، ولكنها تمتد إلى الروابط العائلية داخل الأسرة الواحدة، والتى تشكل فى حد ذاتها وطن آخر للإنسان.

 الرابط الأخير

ومن الجزائر إلى لبنان حيث يقدم المؤلف والمخرج «باسم بريش» فيلمه الروائى الأول (بركة العروس) ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، والذى قرر من خلاله أن يناقش الحياة من منظور امرأتين حاولتا الهرب من ماضيهما، لكن رابط الأمومة، والخيبة المشتركة ظل يجمعهما، والجميل فى الفيلم هو قدرة «باسم» كمؤلف على تفهم مشاعر الأنثى والتعبير عنها، وعن ذلك يقول: حاولت أن ألقى الضوء على حياة امرأتين هما «سلمى وثريا» الأولى هى الأم التى قررت الاعتزال، وهربت من كل الروابط التى كانت تكبلها يوما ما بما فيها رابط الأمومة بابنتها «ثريّا»، لكن القدر كان له رأى آخر، حيث أعاد لها ابنتها، مهزومة ومطلّقة وتحمل فى أحشائها طفلا، وقد استطعت تفهم مشاعر الأنثى من خلال بحث عميق فى الشخصية والموضوع المطروح، وهو ما استغرق منى وقتا طويلا، قضيته فيقراءات مطوله ومشاهدات كثيرة لكيفية ظهور المرأة فى الأفلام وتصويرها، بالإضافة إلى لقاءات وحوارات متعمقة مع صديقات، وكان هدفى فى النهاية هو كسر الصورة النمطية للمرأة فى الأفلام، تلك الصورة التى كرست دور المرأة فى كونها «ست بيت» أو ضحية أو سلعة جنسية.

 أزمة التنميط

من ضمن الأفلام المشاركة فى المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة لهذا العام فيلم (صاحبتى) فى عرضه الأول فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد عرضه ضمن المسابقة الرسمية لقسم آفاق السينما القصيرة بمهرجان فينيسيا السينمائى الدولى فى دورته الـ79 محققا إقبالا جماهيريا كبيرا، وإشادات واسعة بمخرجته «كوثر يونس»، التى اشتركت فى كتابة السيناريو الخاص به مع «أحمد عصام السيد» وتقوم فكرة الفيلم على تبادل الأدوار، حيث يتنكر البطل فى زى فتاة واضعا على وجهه مساحيق التجميل حتى يذهب إلى منزل حبيبته هربا من رقابة أهلها، لكنها تستخف به، ولا تقدر تضحيته، مما يتسبب فى غضبه، وعن ذلك تقول «كوثر يونس»: جاءتنى الفكرة بسبب أزمة التنميط التى يعانى منها مجتمعنا، لا سيما التنميط بناء على الهوية، فالرجل دائما هو الجانى، والأنثى هى المقهورة، وهذا ليس أمرا صحيحا على الدوام، ورغبت أن أطرح السؤال (ماذا لو تغيرت الأدوار؟) من هنا انطلقت فكرة الفيلم.