الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كشف حساب البابا تواضروس

كشف حساب البابا تواضروس

 كل سَنة وقداسة البابا تواضروس بخير.. منذ أيام مَرّتْ سبعون عامًا على ميلاده وبالتزامن مع مرور عشر سنوات على اعتلائه كرسى البابوية فى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، صُدفة رائعة أن يكون يوم ميلاده 4 نوفمبر هو نفسه اليوم الذى اختير فيه بطريركًا، ولعل مرور عقد على تولى البابا مسئولية الكنيسة فرصة لتقديم كشف حساب عمّا قام به من أعمال، وذلك من أجل مستقبل الكنيسة وسنواتها المقبلة.. البابا قدَّمَ الكثير خلال السنوات العشر السابقة للوطن وللكنيسة، فلا أحد يزايد على البطريرك فى مواقفه الوطنية وما قدّمه لبلده، تولى المسئولية فى ظروف بالغة الصعوبة، كان وقتها يوجد رئيس إخوانى قبل الإطاحة الشعبية به، وبرلمان أغلبيته من الاتجاهات المتطرفة وحكومة إخوانية وشارع يعج بالمُظاهرات، ولكن وسط كل هذا استطاع أن يَعبر بالكنيسة من الأمواج المتلاطمة والأعاصير المدمرة، ولم يخشَ من إعلان موقفه وانحيازه إلى الشارع ومَطالبه، وعندما تم الرّد بإحراق الكنائس قال كلمته الشهيرة «وطنٌ بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، وهو هنا امتداد لباباوات الكنيسة على مَرّ تاريخها فى مواقفهم الوطنية الرائعة، أمّا على مستوى العمل الكنسى فقد جاء البابا فى مناخ صعب أيضًا فهناك انقسام كان خفيًا وقتها داخل المؤسّسة حول خليفة البابا شنودة الذى كان يسيطر على الجميع بكاريزميته التى لا تتكرّر كثيرًا وقدراته الكبيرة.



وكانت هناك محاولات من أطراف عديدة للسيطرة على البابا القادم وجذبه نحو أفكارهم واتجاهاتهم، وبدَا ذلك واضحًا فى هجوم بعض الأساقفة وأتباعهم على الاتجاهات الإصلاحية التى حاول البابا القيام بها بعد قليل من توليه الموقع الكنسى الرفيع، وظهرت على السطح مصطلحات الحرس القديم والأساقفة المحافظون والذين يوصفون أحيانًا بالسّلفيين على غرار السّلفيين المسلمين، وتعرَّض البابا لهجوم حاد من معارضيه وكانت السوشيال ميديا سلاحًا فى أيديهم ووصل الأمْرُ أحيانًا للتجاوز فى حقه؛ بل واتهامه بالبُعد عن الأرثوذكسية، وتمادَى البعض إلى محاولة جمع توقيعات لمحاكمته وإبعاده عن الكنيسة، ورُغْمَ قِلّة عدد هؤلاء؛ فإن صوتهم عالٍ وهدفهم عرقلة كل محاولات الإصلاح والتجديد، لكن البابا رُغْمَ كل ذلك عَبَر بالكنيسة واستطاع الحفاظ على استقرارها، ووسط كل هذه الرياح العاتية فإنه يُحسَب للبابا أنه لم يستعمل سلاح الحرمان وهى عقوبة كنسية قاسية استخدمها البابا شنودة ضد بعض مُعارضيه، كما أنه لم يستبعد  المنتمين لتيارات لا تتفق مع رؤيته من تولى مواقع كنسية مهمة، وهو ما ظهَر فى انضمام عدد من  الأساقفة الجدُد لتيار المحافظين، وكان يمكنه اختيار هؤلاء الأساقفة ممن يتبنّون أفكاره واتجاهاته، كما استطاع البابا أن يتجاوز أزمة اغتيال الأنبا ابيفانيوس رئيس دير أبو مقار والذى استشهد على يد راهبَيْن بالدير نالا جزاءَهما بالإعدام لأحدهما والسجن للآخر، ورُغْمَ ذلك فإن هناك مَن حاول أن يجعل من الراهب القاتل شهيدًا وقديسًا، وهو ما يكشف حجم الحرب داخل الكنيسة وضد البابا، كما يُشكَر للبابا أيضًا انفتاحه على الكنائس الأخرى ومحاولاته للتقريب معها رُغْمَ رفض عدد من الأساقفة وأتباعهم لذلك.

استطاع البابا خلال السنوات الماضية أن يتجاوز الكثير من العَقبات ولكن عليه الآن أن ينظر إلى المستقبل وأن تكون له خطة واضحة للسنوات المقبلة، وأعتقد أن عليه سريعًا أن يعمل على إصدار قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين الذى طال انتظاره كثيرًا، كما آن الأوان لإعادة دور العلمانيين فى الكنيسة بشكل واضح ومحدد وأكبر؛ خصوصًا أن الأغلبية العُظمَى منهم من مؤيديه ويستطيعون الدفاع عنه وتبنّى إصلاحاته، كما يجب النظر فى عودة المجلس الملّى مرة أخرى بمسمى جديد يتفق مع المواطنة ويتوافق مع تطورات العصر، وأن يتم أيضًا تحديث الدراسات اللاهوتية واستمرار الإصلاحات الكنسية فى كل المجالات.