السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هل خرج الذوق من مصر؟

هل خرج الذوق من مصر؟

 «الذوق ما خرجش من مصر» مقولة شهيرة تتردد كثيرا على ألسنة الناس، وفى مواقف عديدة خاصة عند الخلافات إذ بعدها تهدأ النفوس وتتصافى الأرواح ويعم السلام ويقبل المتنازعون بالحلول المطروحة، ويعتبرها البعض دليلا على تسامح المصريين وطيبتهم وأخلاقهم الحميدة على مر العصور، وتتعدد الروايات حول سبب إطلاقها وترجعها كتب التاريخ إلى عصر المماليك وتنسبها  إلى تاجر اسمه حسن الذوق، الرواية الأولى تقول بأن الذوق كان تاجرًا ومن الفتوات، وكان يسعى دومًا لحل مشاكل الأهالى، لكنه ضاق بكثرة المشاجرات على أتفه الأسباب فقرر أن يغادر مصر ولشدة حزنه على فراقها لم يستطع إكمال المشوار فسقط ميتًا ودفن بالقرب من باب الفتوح.



وتقول الرواية الثانية بأن الذوق كان شخصًا مبروكًا وقرر الرحيل بسبب ضيقه بأحوال البلاد، ولكن مات قبل أن يخرج منها، أما الرواية الثالثة فتقول بأن الذوق أصله مغربى جاء إلى مصر وعاش بين أهلها، وحين مرض أراد أولاده نقله إلى بلاده ليموت ويدفن بها لكنه رفض فأجبروه على الرحيل لكنه توفى قبل أن يغادرها، وفى الروايات الثلاث قام الأهالى بدفنه فى مكان وفاته بباب الفتوح واعتبروه من أولياء الله الصالحين وأقاموا له ضريحا له قبة خضراء صغيرة يعلوها هلال ذهبى، وكتبوا عليه «ضريح العارف بالله سيدى الذوق»، وأيا ما كانت الرواية الصحيحة فإن المقولة انتشرت وعاشت إلى يومنا للتدليل على رقة مشاعر المصريين وكراهيتهم للمشاجرات والعنف ورفضهم لاستخدام الكلمات المسيئة  والجارحة، ولكن يبدو أن الذوق خرج من بلدنا ولم تعد الأخلاق السمحة والنفوس الطيبة تحكم تصرفات الكثيرين، ونظرة واحدة لما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعى تكشف التغيرات التى حدثت للمجتمع والعنف الذى أصبح حاكما لكثير من الأفعال، يكفى أن نقرأ عبارات وكلمات التشفى فى الموت لندرك مدى الكراهية التى ترسخت فى نفوس البعض، لقد كانت دائما مقولة اذكروا محاسن موتاكم سابقة على أى انتقاد للراحلين خاصة عند إعلان الوفاة، ولكن يبدو أنه كما قال الشاعر الكبير صلاح جاهين فى إحدى رباعياته الشعرية «الموت ما عدلوش جلال يا جدع» فأصبحت إهانة الموتى عادة، واتهامهم بالحق والباطل أمرًا عاديًا، انظر إلى ما حدث مع الأديب الكبير بهاء طاهر بعد إعلان وفاته وهو الذى لم يختلف على موهبته الطاغية ولا أخلاقه الطيبة أحد ممن عرفوه أو حتى التقوا به لقاء عابرا، إذ كتبت الناقدة المعروفة والكاتبة الكبيرة صافى ناز كاظم «مات بهاء طاهر، كان من كوابيس جيلى الثقافية، لو جاملناه نقول روائى متوسط الموهبة  استحل لنفسه جوائز كبيرة مغتصبة ممن أحق منه»، ولا أعترض هنا على تقييمها الأدبى له رغم اختلافى واختلاف الأغلبية العظمى من الأدباء والنقاد مع رؤيتها، ولكن اعتراضى على شماتتها واتهامها للراحل الكريم وقبل أن يوارى الثرى بأنه  كابوس ثقافى وأنه استحل الحصول على جوائز رغم أن الجميع يعرف أنه لم يسع إليها وأنه لم تكن له شلة تمكنه من الحصول عليها دون حق، فضلا عن أن الجوائز تشرفت به وكان يستحق الأكبر منها بشهادة معظم النقاد العرب وليس المصريين فقط، الناقدة المعروفة ألقت كلمتها على صفحتها فى الفيس بوك دون أى دليل وكأنها تتشفى فى موته رغم اتجاهاتها الإسلامية وهى تدرك أن الإسلام يرفض تصرفها بل ويعاقب على الافتئات والتجاوز فى حق الناس والافتراء عليهم، على أن ما فعلته الكاتبة الشهيرة هو نفس سلوك الكثيرين ولا يبتعد عن نهج من يرفضون الترحم على المختلفين معهم دينيا أو فكريا أو سياسيا، ويدعون عليهم بالويل ويحكمون عليهم بأنهم فى النار وبئس المصير، الأمر لا يقتصر على الموتى فالشتائم تطال كل المختلفين فى جميع المجالات، ولم يسلم منها سياسى أو رياضى أو فنان  أو مفكر، الكل يناله السباب وتلصق به أحط الصفات لمجرد أنه يقف على الشط الآخر، وهو ما يجعلنا نتساءل: ماذا حدث لمجتمعنا؟ وكيف أصبح من السهل علينا النطق بكلمات جارحة وتوجيه الاتهامات القاسية دون دليل ودون أن يطرف لنا جفن أو يرجف لنا قلب؟ إننا نحتاج دراسة مستفيضة من الجهات البحثية والمعنية حول أسباب العنف اللفظى والذى لا يقل فى أذاه عن العنف الجسدى، وعلينا أن ندرك خطورة خروج الذوق من مصر وأن نبذل جهدا لكى نمنعه من الخروج من بلدنا أو نعيده إليها إذا كان خرج بالفعل.