الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه.. لماذا تركوا العراق وحيدًا؟

عكس الاتجاه.. لماذا تركوا العراق وحيدًا؟

كل الذين تابَعوا بدايات الحرب «الروسية- الأوكرانية»، استخدموا مقياس (ريختر العراق)، المقياس الأمريكى القديم، وقالوا فعلها ثانية الملاعين الأمريكان بـ«بوتين» كما فعلوها من قبل بـ«صدام» إثر فخ غزو الكويت، وتنبّأوا بأن روسيا هى عراقٌ جديدة حيث لا بلاد.



لكن ذلك لم يحدث! فلماذا لم يحدث؟ كانت أمريكا وحدها الإمبراطورية العُظمَى، وحدها لا شريك لها: لا نِدّ لها ولا نظير ولا منافس، كل الذين تحالفوا مع أمريكا وتكاتفوا على العراق ساعتها هم مَن ناصروا روسيا الآن وتحالفوا معها ضد أمريكا؛ حيث نما وصار لها الكثير من الأنداد والنظراء والمنافسين.  

هل فوجئت أمريكا؟ نعم؛ وفوجئت روسيا كذلك، وفوجئ الجميع بقيامتهم من مقبرة أمريكا.. ما الذى تغيّر؟ ما بين 2 أغسطس 1990 و24 فبراير 2020 ثلاثون عامًا من التاريخ والجغرافيا والحساب، لا الحلفاء هم الحلفاء، ولا روسيا هى روسيا، ولا أمريكا هى أمريكا، لكن العاركة حول مَصادر الطاقة هى هى لا تزال. 

لم تكن أمريكا أكثر ضعفًا وهوانًا وإذلالًا فى تاريخها الاستعمارى مما عليه هى الآن، حتى فى الداخل لم تكن البلد على هذا الوضع من الاستقطاب بين عنصرَىْ الأمّة أكثر مما حدث أثناء حُكم «ترامب» بين مواطنى الحزبين المتناحرين يمينًا ويسارًا، ولا حتى كما كان الحال أيام أزمة الرهائن الأمريكان بإيران 1980، وقتها كانت روسيا تحت حُكم «جورباتشوف»، وحيث لم يكن «كيم جونج أون» فى الحُسبان؛ بل كان فى عِلم الغيب، فلم يكن هو مَن يحكم كوريا الشمالية فى هذا التوقيت؛ فقد تولى «كيم» الحُكم فى ديسمبر من العام 2011.. ولم تكن الصين وإيران هما الصين وإيران الآن، ومنذ بداية الحرب «الروسية- الأوكرانية» فى 24 فبراير لم يعد التاريخ يُقرأ باللغات القديمة واللهجات والأوامر القديمة ولا أمريكا القديمة؛ حيث تستطيع الأشهُر التسعة منذ فبراير حتى أكتوبر أن تدون وتروى وتحكى فى الكتب الكثير والكثير.

ما يحدث الآن لم يحدث مثله عام 2014 حين ضمت روسيا القرم! كانت أحداث القرم بداية أحلام وخطط أمريكا وأوروبا بسقوط روسيا، وتركوها كما اعتقدوا تسير إلى الشَرَكْ، إلى حتفها، ولم يحدث! ألم يأتهم خبر المخابرات الأمريكية التى ترصد دبة النملة على الأرض والفضاء..

هل كانت نُكتة أمْ كان حلمًا وأمانيّ بعيدة أن يُلوّح بوتين مهددًا بايدن بإمكانية ضم ولايات أمريكية إلى اتحاده الروسى مثلما ضم القرم وأربع مناطق أوكرانية؟ هل هانت أمريكا أمْ عَظُمَ بوتين؟ 

ولم يمضِ على تهديده ساعات حتى اتجهت قواته الخاصة إلى ولاية (ألاسكا) زارعًا طائرتين قاذفتين فى الأجواء الدولية على حدود الولاية الأمريكية فاعترضتهما القوات الأمريكية؟ بالفعل بوتين يناوش أمريكا ويصل إلى حدودها ويهددها! يقول بوتين: ألاسكا (بتاعتى مش بتاعة بايدن!)، بالفعل، ولاية ألاسكا كانت روسية وبيعت إلى أمريكا عام 1860، أمريكا الدولة والإمبراطورية الأكثر حداثة من الإمبراطورية الروسية؛ الاتحاد السوفيتى الذى انهار. 

السؤال مرّة أخرى: ما الذى صار؟ تستطيع أن تصفه بالانقلاب الخارجى وتكاتف متشرذمات قوى دول آسيا لأول مرّة فى جبهة عسكرية واحدة: مَن يتحكم فى أوبك مع مَن يملك نوويًا مع مَن يملك قراره مع مَن خرج من بيت الطاعة الأمريكى، تحالفوا سويًا ليصنعوا ثقلا فى كفة الميزان الثانية ضد القوة الكبرى الوحيدة فى كفة ميزانها الأولى.. أمريكا التى كانت قصفت هيروشيما وناجازاكى اليابان بالنووى ولم يحاسبها أحد، ثم صارت تحتل وتدمر وتسرق العراق وليبيا - سوريا حكاية أخرى أكثر إيلامًا- وأفغانستان وتُطوّق إيران ولا يقول لها بلد: بمْ ولا تِلْت التلاتة كام!

ربما فى يوم ما - يكون قريبًا- ستدفع الولايات المتحدة الأمريكية الثمن؛ بل الأثمان الباهظة التى لم تدفعها بعد، فواتير ما سحبته من بلادنا (بلّوشى)، ستُحاسِب على مشاريبها التى تجرعتها من دمنا نقطة نقطة فى تلذذ وتركتنا يالبجاحتها ندفع لها الحساب، والحروب دائمًا تبدأ حينما يختل توازن القوى بين الطرفين، وتنتهى حين يتساوى الجَمْعَان، هل تساوى الجَمْعَان؟ لقد تساوى الأسياد؛ فهل سيوقف «بايدن» الحرب التى أشعلها؟

فى الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأمريكا الكُل كسبان فيما عدا أوروبا، القارة التى ستتحول سريعًا إلى دول عالم ثالث، ستخرج أمريكا من معركتها مع روسيا (كسبانة)، لِمَ لا؟ أمريكا الذليلة الآن لن تنهار، تحميها مؤسّساتها المتماسكة ودستورها ومواطنوها، والمرابى العجوز لا يخسر بسهولة، وكذا ستكسب الصين وكوريا الشمالية وإيران كسبت معركتها مع أمريكا، إيران الآن هى من تبيع سلاحها لروسيا لتحارب به أمريكا- على الأرض الأوكرانية-، ولا تنسَ صعود الدور السعودى وأهميته الفارقة.. هذا هو الحلف الجديد، القطب الجديد، ينقصه فقط اتفاق ما بين إيران والسعودية.

أمّا عن الاتحاد الأوروبى ودول الناتو فحدّث ولا حرَج، فالعالم يشاهد هزيمة الناتو فى أوكرانيا صوتًا وصورة، أوروبا الضعيفة المهترئة الفقيرة الباردة المظلمة وقد اشعلت شعوبها ضد حكوماتها ربيعًا أوروبيًا لن يدفئهم لهيب مظاهراته من برد ولن يسمنهم من جوع.

يتكهن الكثيرون بأن الناتو بلدًا بلدًا لو حاول النجاة (سيخلع نفسه من العاركة) ساعتها ستنتهى الحرب، سيتركون أوكرانيا كما تُرِكَت العراق، ولسوف يكون على أمريكا إعلان انتهاء الحرب والتوصل إلى تفاهمات مع روسيا.

أمّا نحن فلا نزال مشدودين إلى الشاشات نشاهد الحرب عيانًا بيانًا ونقرأ عبارة Breaking News التى تقول: استيقظت أمريكا ذات يوم لم يكن فى الحُسبان ولا على البال والخاطر لتشاهد دولًا مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران والسعودية وهم يقولون فى صوت واحد للغولة: عينك حمرا.