الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
سيناريو فيلم صائد الدبابات «قبل التصوير»

سيناريو فيلم صائد الدبابات «قبل التصوير»

محاولة الغوص فى أعماق المقاتل المصرى «البطل» لتوضيح أنه خرج من صفوف هذا الشعب البسيط العظيم، وفى صلب تكوينه الارتباط بالأرض وعشقها.. ووطنية عميقة الجذور.. إن عبدالعاطى رغم بطولته المذهلة هو قبل كل شىء إنسان مصرى بسيط صادق «وليس سوبرمان» يمتد حبه للوطن من قريته، حيث الخضرة حتى الصحراء حيث الرمال.. وإذا أردت تلخيص محاولتى هذه بكلمات أدبية موجزة، فإننى أقول: «هذا الفيلم عن الإنسان المصرى الصادق، وعن حب الأرض والوطن، تمتزج فيه الخضرة بالرمال تحت الشمس المتوهجة».



 

1) المقاتل محمد عبدالعاطى فى الموقع وإلى جواره طاقمه: المقاتل محمد الخولى والمقاتل محمد عبدالفضيل.. رصد حركة دبابة قادمة للعدو.. تجهيز الصواريخ بسرعة على القواعد.. عبدالعاطى يضبط جهاز التوجيه.. ينطلق صاروخ يصيب الدبابة ويدمرها.

2) على دبابة للعدو تم تدميرها تظهر «بالطبع المزدوج» لوحة «المركز القومى للأفلام التسجيلية يقدم» ثم لوحة «صائد الدبابات».

3) عبدالعاطى فى الموقع الذى كان يقاتل فيه يوم 8 أكتوبر يحكى كيف دمر 9 دبابات للعدو.. وفى هذا اليوم يشترك معه فى الحوار المقاتل بيومى عبدالعال.

(فى حوالى الساعة 4٫30 بعد الظهر نصب كمينًا مع أطقم أخرى على بعد 17 كيلو فى عمق دفاعات العدو، ودمر وحده 9 دبابات).

يثبت الكادر على وجه عبدالعاطى وتظهر باقى لوحات التترات «بالطبع المزدوج».

4) قرية شيبة قش.. تفاصيل الحياة فى القرية.. بيت عبدالعاطى.. غرفة المعيشة.. العائلة.. المدرسة الابتدائية.

صوت عبدالعاطى «خارج الكادر» - اسمى محمد عبدالعاطى.. اتولدت سنة 1950 فى قرية شيبة قش.. إلخ.

5) عبدالعاطى فى الموقع يحكى كيف دمر يوم 9 أكتوبر دبابتين للعدو، ويوم 10 أكتوبر 3 دبابات.

6) قرية شيبة قش.. تفاصيل أخرى من القرية..

صوت عبدالعاطى «خارج الكادر» - يحكى عن البطل على فهمى أحد زعماء الحركة العرابية عام 1882، الذى خرج من قريته «شيبة قش» وعن حفيده الطيار البطل الذى استشهد فى 1967.. «الملخص: وطنية عميقة الجذور فى الأرض».

7) لقطة كبيرة للشمس متوهجة.

8) عبدالعاطى فى الموقع يحكى كيف دمر 5 دبابات للعدو يوم 11 أكتوبر، وبذلك أوقف تقدم لواء هجوم مدرع.

9) لقطات سريعة: صور فوتوغرافية لمجموعة أسرى من العدو - زبالة العدو (مكان الثغرة) - دبابات العدو المدمرة فى الصحراء.

10) لقطة كبيرة للشمس متوهجة.

11) قرية شيبة قش.. دار محاسب خطيبة عبدالعاطى

صوت عبدالعاطى «خارج الكادر» - يتحدث عن خطيبته محاسن التى ستحصل على دبلوم التجارة المتوسطة فى العام القادم.. وهى ابنة عمه فى الوقت نفسه..

12) كتيبة عبدالعاطى.. المقاتل عبدالجابر.. بيومى عبدالعال.. محمد عوض.. سيد خفاجة.. محمد الخولى.. محمد عبدالفضيل.. صائدو الدبابات أثناء التدريب.. روح التفاؤل والإيمان تشع فى وجوههم وكلماتهم.. صوت عبدالعاطى - يتحدث عن المقاتل عبدالجابر.. وعن الروح السائدة بين رفاق السلاح فى وقت التدريب الشاق وأثناء معارك أكتوبر وخلال فترات الراحة..

(ربما يبدأ هذا الجزء بالمقاتل عبدالجابر وهو يتحدث عن عدد الدبابات التى دمرتها فرقته أو كتيبته).

13) منيا القمح.. المحطة.. السوق.. المحلج.. المدرسة الثانوية الزراعية.. العجلاتى شعلان.. صوت عبدالعاطى - يتحدث عن الفترة التى قضاها فى التعليم فى منيا القمح وعن حبه للزى العسكرى..

14) لقطة للشمس فى طريقها للغروب.

15) عبدالعاطى فى الموقع يحكى كيف دمر دبابة العدو التى تخندقت يوم 14 أكتوبر على آخر ضوء.

16) دبابات العدو المدمرة فى معرض الغنائم (السويس - أو الإسماعيلية)

17) مباراة كرة قدم يشترك فيها عبدالعاطى (قد تكون مباراة 22 مايو)

صوت عبدالعاطى - (خارج الكادر) - يتحدث عن الفرق بين لعب الكرة واصطياد الدبابات.

18) لقطة الشمس متوهجة..

19) عبدالعاطى فى الموقع يحكى عن تدميره مجنزرة ودبابة للعدو يوم 18 أكتوبر، ودبابة يوم 19 أكتوبر، ومعه بيومى عبدالعال ومحمد عوض يحكيان عن يومى 20، 21 أكتوبر.

20) صور فوتوغرافية لعبدالعاطى فى مراحل مختلفة من عمره تتداخل مع الجرائد والمجلات التى كتبت عنه.. 21) منيا القمح.. عمارة جديدة حديثة وجميلة على وشك التشطيب.. عبدالعاطى يتجول فى شقته الجديدة التى سينتقل إليها فى المستقبل، ويعيش مع محاسن ابنة عمه.. يثبت الكادر على لحظة تلقائية فى جولة عبدالعاطى فى الشقة أو العمارة (قد تكون لحظة التفاتة طبيعية مرحة نحو الكاميرا).

22) لقطة للشمس متوهجة.. ولا تظهر كلمة النهاية.

يبدأ فيلم «صائد الدبابات» بحديث المقاتل عبدالفضيل إلى المحقق الذى يقوم بتسجيل الصوت ومعهما يقف صائدو الدبابات عبدالعاطى وبيومى وعوض والخولى على أحد المعابر التى تربط الضفة الشرقية بالضفة الغربية للقنال.. وهى المعابر التى قام بتركيبها سلاح المهندسين أثناء الحرب.

(اللقطة رقم 4 فى سيناريو الفيلم فى صورته النهائية):

عبدالفضيل:

يوم 6 أكتوبر.. اليوم ده كان له ذكرى عظيمة جدا عندى.. كان يوم عيد ميلادى.. وكنا على الشاطئ الغربى لقناة السويس قبل العبور.. كنا قاعدين أنا وعبدالعاطى والخولى.. قاعدين نتكلم ونقول يا ريتنا كنا نعبر النهارده وكان يبقى ده أسعد يوم فى حياتى.. وبعد كده فوجئنا الساعة اتنين أن يجيلنا أوامر لعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف.. فى اليوم ده قلت لعبدالعاطى عايزين نعمل عيد ميلادى.. فقال لى نعملك عيد ميلادك فى البر الشرقى لقناة السويس.. قلت له كده أنا عايز نشعل 20 شمعة.. فقال لى إن شاء الله حنشعلك 20 دبابة بدل 20 شمعة.. والحمد لله إنه أشعل لى 23 دبابة أكتر من سنى بتلات سنوات.

كانت مفاجأة مدهشة أن أعرف أثناء التصوير أن يوم 6 أكتوبر هو يوم ميلاد المقاتل الفلاح الشاب عبدالفضيل «ولد فى 6/10/1953».. وليست قيمة المفاجأة فى الصدفة ذاتها.. وإنما فيما يكشف عنه الحوار الطريف بين عبدالعاطى وعبدالفضيل.. لقد اختار عبدالعاطى أن يشعل الدبابات بدلا من الشموع فى عيد الميلاد.. ووجدت هذا الحديث مدخلا رائعًا للفيلم.. فهو يقدم الشخصية الرئيسية.. عبدالعاطى.. عن طريق مقاتل زامله وشاركه فيما حققه من بطولات.. ويمدنا بالمعلومات بصورة بسيطة وجذابة.. لقد كان من المفروض أن يدمر عبدالعاطى 20 دبابة.. ولكنه دمر 23 دبابة.. أى أكثر من عمر عبدالفضيل بثلاث سنوات.. هناك نتلقى أمر هذه البطولة دون جهامة لا تستحقها.. والموقف فى النهاية على ما فيه من طرافة.. فإنه يؤكد بنفس القدر على أن السحر والجاذبية فى «العادى» وليس «الخارق».. فى «الصدق» ليس «الزيف».. هنا تحرر الإنسان العادى أمام الكاميرا من التكلف والعبارات الإنشائية المتكررة التى تقال عادة فى الإجابة عن الأسئلة التى يوجهها المشتغلون بالإعلام.. إن البلاغة.. كل البلاغة فى البساطة.. وفى العادى يكمن الشعور الحقيقى للسينما التسجيلية.. وهذا المشهد الذى سبق عناوين الفيلم والذى نرى فيه عبدالفضيل يتحدث عن عيد ميلاده.. هو بديل لمشهد (1) فى سيناريو الفيلم قبل التصوير.. وهو المشهد الذى يدمر فيه طاقم عبدالعاطى دبابة للعدو.. والموقف بالطبع إعادة تمثيل أو بناء للواقع.. بحكم عدم توافر مواد أرشيفية.. ويرجع استبعاده وعدم تصويره إلى أسباب مختلفة.. أهمها أن المشهد لا يغنى عن المفهوم الذى تبناه الفيلم ومنهجه فى كثير أو قليل.. إن المعارك فى حد ذاتها ليست هى الهدف.. وإنما الإنسان الذى يخوضها.. الإنسان هو مركز الاهتمام.. ومحاولة الاقتراب منه وتقديم القيمة التى تنطوى عليها أعماله وخلفيته الاجتماعية هى بؤرة الاهتمام الرئيسية. وبسبب الظروف التى أدت إلى الافتقار إلى مواد غنية عن الحرب.. فإن إعادة بناء الواقع أو الاستعانة بمادة أرشيفية ظهرت مرارا وتكرارا إلى حد الملل فى معظم الأفلام السابقة التى تحدثت عن الحرب بصورة إذاعية إنشائية أكثر منها حتى سينمائية إخبارية.. فإن هذا سوف يفقد «صائد الدبابات» مذاقه الخاص.

مشهد (2) الخاص بعناوين الفيلم.. تطور أثناء التصوير إلى الشكل الذى رأيناه فى الفيلم فى صورته البنائية.. وهو تبادل كتابة العناوين بالطباشير على الدبابة وعلى واجهات البيوت فى قرية شيبة قش.. وهو الشكل الذى تناسق تماما مع شكل الفيلم بأكمله.. وفى الوقت نفسه يتناسق مع المدخل إلى فهمه.. إن الفيلم يعتمد على خطين متوازيين: الأول مقابلات سينمائية مع عبدالعاطى ورفاقه فى المواقع التى قاتلوا فيها.. وفى كتيبته.. ويدفع هذا الخط إلينا بذكريات المعارك.. والثانى يقدم قرية عبدالعاطى.. عائلته.. أبناء قريته.. خطيبته.. مدرسته الابتدائية.. مدرسته الثانوية الزراعية فى المركز.. المقهى فى القرية المجاورة.. الشقة الجديدة فى المركز.. والانتقال بين الخطين.. التربية والجبهة.. بسيط وناعم بما يوحى العلاقة بينهما.

مشهد (4) فى السيناريو قبل التصوير كما هو فى الفيلم.. ولكن أثناء المونتاج أخفيت عنه التفصيلة الخاصة بالمدرسة الثانوية الزراعية من مشهد (13).. واستبعدت باقى تفاصيل هذا المشهد رغم تصويرها وذلك لفقر قيمتها البصرية وقلة أهميتها بالنسبة لتكوين الفيلم النهائى.. وبذلك أصبح هذا الجزء فى تركيبه النهائى سلسا فى إعطائه كل المعلومات الضرورية المهمة عن عبدالعاطى اسمه بالكامل.. تاريخ ومكان ميلاده.. بعض مشكلات القرية.. ظروف نشأة عبدالعاطى.. مدرسته الابتدائية.. مدرسته الثانوية.. لقاء الأصدقاء فى المقهى.

مشهد (6) فى السيناريو قبل التصوير.. استبعدت منه التعليق بسبب الاختلاف فى تقييم المعلومات الواردة خلال الاستقصاء والمعاينة.

وتحول فى الفيلم إلى مشهد يصور الحياة اليومية الاعتيادية فى القرية.. وملامحها البارزة.. دون أن يمحوه أى تعليق سوى الموسيقى.

مشهد (17) لم يتم تصويره بسبب اكتشاف أنه لا يضيف جديدا إلى الفيلم.. وسذاجة المقارنة فى التحقيق.

والفيلم لا ينتهى على عبدالعاطى أو الشمس المتوهجة كما فى السيناريو قبل التصوير.. وإنما بعد خروج عبدالعاطى إلى شرفة شقته الجديدة.. تتحرك الكاميرا خلال حركة «بان» ليخرج عبدالعاطى من الكادر.. وتتوقف حركة الكاميرا أمام منظر الأرض الزراعية الذى يطالعها من الشرفة.. وعمومًا فإن لقطات الشمس المتوهجة كما جاء ذكرها فى السيناريو قبل التصوير فى المشاهد: 7، 10، 22 مواعيد ترتيبها بصورة مختلفة عبر الفيلم فى صورته النهائية.

عندما جلست مع أحمد متولى مونتير الفيلم بعيدا عن العمل.. تحدثنا فى جلسة هادئة عن الفيلم بصفة عامة وعن العمل فى أفلام بصفة خاصة، ورغم أن أحمد متولى يتمتع فى الحديث بشخصية مندفعة بصورة تلقائية للهجوم.. لها إيجابياتها وجاذبيتها الخاصة بقدر ما لها من سلبيات.. إلا أننا اتفقنا على أسلوب العمل فى التو.. فأحمد لا يحبذ إطلاقا مشاهدة المادة المصورة Rushes.. وإنما قبل أن يقوم المخرج بترتيب مادة فيلمه مع المركب «مساعد المونتير» كما يتراءى له.

وحينما تتم هذه الخطوة يبدأ عمله الفعلى.. وكان هذا الأسلوب فى العمل يتفق مع رغبتى .. كما أنه يناسبنى تماما.. وخاصة أننى تحركت للتصوير - كما سبق الحديث - ومعى سيناريو مكتوب وداخل رأسى تصورات محددة عن شكل الفيلم.

كان أبرز وأشق مهمة لمركبة الفيلم نفيسة نصر بعد أن قمنا بترتيب لقطات الفيلم كما أتصوره.. هى ضبط الصوت على الصورة فى لقطات المقابلات الطويلة للحصول على التطابق «السنكرون» بين صورة المتحدثين وأصواتهم.. وخاصة أننا لم نصور هذه اللقطات بكاميرا وجهاز صوت متزامنين.. وكان عليها أن تعالج هذه المشكلة الكبيرة بالقص فى الفراغات فى شريط الصوت طوال الوقت.. ولم يكن عملها سهلا.. وإنما تطلب إلى جانب مهاراتها المؤكدة.. صبرا لا يوصف.. وهى تستحق لهذا كله امتنانا حيا وشكرى الخاص، فخوفى ألا يتحقق التزامن الدقيق بين الصوت والصورة فى المقابلات كان كبيرا.. لأن هذا كان يعنى أن أفقد كل ما حلمت وسعيت إلى تحقيقه من صدق وعفوية فى أحاديث الجنود.. وهى الأحاديث التى تمثل العمود الفقرى للفيلم فى زاوية من زواياه.

كان أحمد متولى أثناء العمل يكشف أحيانا بهدوء عن إحساسه بأن مساهمته فى هذا الفيلم ليست قوية.. وربما داخله هذا الإحساس لأن شخصيته الطموحة المدعمة بالمهارات الخاصة فى العمل على مائدة المونتاج قد التقت بمادة ولدت من خلال تصوير واضح للشكل.. ولم يكن ينقصها سوى بعض التدعيم.. باختصار المادة هناك لم تكن تبحث عن شكلها.. أى لم تكن فى حيرة من أمرها.. ومن ثم ففى هذه الحدود اعتبر مساهمة أحمد متولى فى الفيلم مساهمة كبيرة، لقد أبدى بعض الملاحظات الأخيرة عن بعض التركيبات من داخل هذا الشكل.. كما ساهم بحساسية ومهارة فى خلق إيقاع الفيلم.

هناك من يرى أن موسيقى عزيز الشوان فى الفيلم أقوى من الصورة.. وأن استخدام الآلات الموسيقية بشكل موسع فى صورة الأوركسترا ليس دائمًا فى صالح الفيلم التسجيلى عكس الفيلم الروائى الطويل.. وأعتقد أن مثل هذه الآراء تتصف بالتجريد.. لأنه لا يمكن إطلاق آراء عامة تصلح للتقييم دائمًا على كل فيلم.. فكل فيلم له طبيعته الخاصة التى تستلزم بالضرورة توظيفا مختلفا فى كل مرة تختلف فيها هذه الطبيعة.. والأمر فى النهاية لا يعدو سوى كونه تصورات لا يمكن وصفها بأنها خاطئة أو صحيحة.. وإنما يمكن تقييم النتيجة على أساس مقدار توفيقها فى تحقيق التصور الذى يكمن خلفها.. والذى يطرحه أساسا صانع الفيلم.

ومن ثم فإننى مقتنع تماما بأن موسيقى الشوان فى فيلم «صائد الدبابات» قد أضافت كثيرا إلى التصور الذى يشمل الفيلم بأكمله.. إنها تؤكد وتعمق هذه العلاقة العضوية بين الجبهة والقرية.. وهى تقوى من طابع الذكريات المتداعية الذى تغلف الفيلم بسحره.. وفى النهاية ينبع الشجن السر من تلك الغنائية التى تسبغها الموسيقى على روح الفيلم كله.

خرجت النسخة الأولى «التى اصطلح على تسميتها بالنسخة الزيرو» من فيلم «صائد الدبابات» من معامل استوديو مصر يوم 29/9/1974.. وفى صباح اليوم التالى مباشرة عرضت عرضا خاصا فى صالة صغيرة تتبع أرشيف الفيلم القومى بمبنى استوديو الأهرام.. كما عرضت أيضا أفلام: «أبطال من مصر» و«تحية لمقاتل مصرى» و«نهاية بارليف».. وحضر العرض الناقد وكاتب السيناريو د. رفيق الصبان، والناقد سمير فريد، والناقد يوسف شريف رزق الله، والمخرجة نبيهة لطفى.. ثم عرض فى 6/10/1974 فى إطار ندوة اتحاد نقاد السينما المصريين بقاعة المركز الفنى للصور المرئية «المركز القومى للثقافة السينمائية».. وقد عرض الفيلم الروائى الطويل «الوفاء العظيم»، كما عرض لأول مرة فى نادی السينما بالقاهرة فى 1/1/1975.

كان طموحى فى فيلم «صائد الدبابات» أن أجمع بين قيمة الصدق فى المادة وبين القيم الشكلية.. فعلى سبيل المثال حاولت بالنسبة لتكنيك تصوير المقابلات السينمائية أن أكسر ثبات الكاميرا وأن أحررها لتبدو المقابلة بجانب قيمة الصدق فى المادة ذاتها حية ومثيرة للاهتمام من ناحية الشكل.. باختصار كان طموحى أن أبحث عن حلول أفضل بعيدا عن استاتيكية المقابلة الأكثر استخداما.. مع إيمانى القاطع بأن قيمة الصدق فى المادة تسبق أعظم الاستخدامات التكتيكية براعة ومهارة.. وأن هناك بعض الأفلام التى نادرا ما تتحرك فيها الكاميرات، ولكنها تعد تحفا فنية تتوارى خلفها خجلا أو قسرا أفلام تحركت فيها الكاميرات فى كل اتجاه وطارت دون أن تحرك فى نفوسنا أدنى اهتمام.

وبالمفهوم ذاته الذى صورت به المقابلات.. صورت أيضا اللقطة (77) التى نرى فيها محاسن خطيبة عبدالعاطى تبدأ فى فتح النافذة ليدخل ضوء الصباح إلى حجرتها المظلمة.. واللقطة (90) التى نرى فيها عبدالعاطى فى نهاية الفيلم بثيابه المدنية فى شقته الجديدة بالمركز.

وقد حاولت أن أجسد - مهتما بالقيم البصرية - ذلك الجمال الذى يكمن فى المألوف والاعتيادى فى حياة القرية.. وحاولت أن أطرح بصورة أو بأخرى قضايا خاصة بالشكل.. شكل الفيلم التسجيلى وعلاقته بالواقع الذى يستمد منه وجوده.. ومدى إمكانية التحكم فى هذا الواقع بالقدر الذى يسمح بتأكيد وتدعيم قيمة الصدق فى المادة الواقعية وإمكانياتها دون أن يجور عليها.. فلقطات فيلم «صائد الدبابات» لم تكن «مسروقة».. بمعنى أن الكاميرا لم تكن مخبأة.. وكان الناس الذين يقفون ويتحركون ويعملون ويتكلمون أمامها يعرفون بالفعل أنها موجودة.. وأنها تلتقط صورهم.. وتسجل كلماتهم.. والتحكم الذى أمكننى تحقيقه هنا هو محاولة لتعويض سحر التدفق التلقائى للواقع فى اللقطات المسروقة، وهذا الذى حاولته عموما ليس جديدا تماما بالنسبة للسينما التسجيلية خارج مصر، ولكن أعتقد أنه كان - إلى حد كبير - متميزًا فى مسار حركة السينما التسجيلية المصرية.. وللأسف فإن المسائل الخاصة بالشكل فى هذا الفيلم لم تأخذ حقها كما يجب فى معظم الكتابات عن الفيلم.. وانصب التركيز على المضمون أو التأثير النهائى لهذا الفيلم.. ولا جدال بالطبع فإن هذا التركيز أكثر أهمية رغم - وقبل - كل شىء.