السعودية تنحاز إلى الإرادة المصرية فى مواجهة التحالف الشيطانى الإخوانى الأمريكانى!
صبحى شبانة
أبت المملكة العربية السعودية أن يمضى عام 2013م دون الـتأكيد على دعمها الثابت لمصر، وإدانتها لأعمال الإرهاب التى يلجأ لها من لا ذمة لهم، ومن يتعاون معهم، أو يقف خلفهم، وأكد الديوان الملكى السعودى فى بيان أصدره فى أعقاب إعلان الحكومة المصرية رسميا جماعة الإخوان «منظمة إرهابية» أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تقف دائما مع أشقائها فى مصر الشقيقة قلباً وقالبا، بعدما لمست تأييد الشعب المصرى لخارطة الطريق آملة من أن يؤدى ذلك إلى حل سياسى للأزمة فى مصر، مُؤكدة أن مصر الشقيقة بشعبها وقيادتها لم ولن تسمح بمثل هذه الأعمال أن تستهدف أمن مصر الشقيقة واستقرارها.
لقد جاء البيان السعودى ليؤكد على استمرار استجابة المملكة العربية السعودية لنبض الشارع المصرى الذى عبر عنه أكثر من 40 مليونا من مختلف الأطياف، خرجوا على حكم الإخوان يومى 30 يونيو، و3 يوليو لتكون العنوان الأبرز فى عام 2013 م، الذى شهد أحداثا جساما، تركت بصماتها على خارطة المنطقة، التى كانت قد أوشكت على أن تتبدل وتتغير ملامحها، وتفتح الباب واسعا أمام انهيار الأمة العربية، ودخولها فى غيبوبة تاريخية، تتحول فيها إلى مجتمعات دينية هلامية ظلامية، تتناقض مع واقع وروح العصر.
لقد أعادت رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التى زأر بها يوم 3 يوليو، مدفوعا بما تمثله المملكة من ثقل سياسى واقتصادى ودينى، تلك الرسالة المدوية التى تلقاها الشعب المصرى بارتياح، وثقة، وامتنان، أعادت التوازن المفقود إلى الحالة المزاجية المصرية، بعد أن عانى طوال عام قضاه الإخوان فى الحكم من اكتئاب ويأس وتكالب من قوى إقليمية ودولية متربصة به، ومصممة على تجريده من دوره التاريخى والإقليمى، وطمس هويته، وتحويله من مجتمع حضارى رائد إلى مجتمع يكرس نموذجا متخلفا وفئويا للمجتمعات العربية، يلقى بها خارج حركة التاريخ.
لن ينسى المخلصون من أبناء مصر والعالمين العربى والإسلامى الموقف الذى تمثل فى رسالة العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى مصر جيشا وشعبا وحكومة، هذا الموقف العروبى الأصيل الذى جاء ليلبى حاجة مصرية ملحة فى ظل ظروف قاسية وضع الإخوان فيها مصر تحت هجوم وضغط أمريكى وأوروبى، لقد وقفت المملكة بصلابة مع خيار الشعب المصرى ضد المحاولات التى قامت بها جماعة الإخوان للتخريب داخل مصر، مستعينة بحلفائها من الخارج، لقد أدركت حكومة المملكة ضرورة أن تعود المنطقة العربية إلى مربعها القديم، أن تضطلع مصر والمملكة بدورهما التاريخى فى إدارة شأن ومستقبل المنطقة مع تلمس طرق التغيير بتؤدة وتروى، دون أن يؤدى ذلك إلى زلزال يعصف بالمنطقة أو يقودها إلى كارثة محققة، خصوصا مع تزايد نفوذ وأعداد الناشطين من العملاء، ودعاة التطرف.
فلم يكن الدعم الاقتصادى الفورى الذى قدمته كل من السعودية، والإمارات، والكويت، بعد ثورة 30 يونيو وتعهد الدول الثلاث بتقديم حزمة من المساعدات والودائع لمصر تبلغ 12 مليار دولار (84 مليار جنيه مصرى)، إلا برهانا وتأكيدا على أن هذه الدول الخليجية الفاعلة وشعوبها الحية اختارت أن تتخندق مع الشعب المصرى ضد خيانات الإخوان.
لقد شهد عام 2013م، عودة صحية للدبلوماسية السعودية إلى ساحة الفعل العربى والإقليمى والدولى، لقد تجسدت حكمة وحنكة الدبلوماسية السعودية فى رفض المملكة فى سابقة تاريخية هى الأولى من نوعها للمقعد المؤقت فى مجلس الأمن، بسبب إحباطات المملكة والعرب جراء فشل مجلس الأمن فى وضع حد للحرب فى سوريا، وحل القضية الفلسطينية، لقد أبت المملكة أن تكون عضوا بلا فاعلية فى عصبة يتحكم بقراراتها الأعضاء الخمسة الدائمون فيها، فكان الاعتذار دليلا ومؤشرا على أن المملكة ستنتهج سياسة خارجية جديدة أكثر حزماً وأشد قوة حتى لو أدى ذلك إلى قطيعة إستراتيجية مع الولايات المتحدة، ورسالة مدوية قوية موجهة إلى كل من مجلس الأمن وإدارة أوباما التى اتخذت موقفا منحازا لجماعة الإخوان ضد إرادة الشعب المصرى، ورضخت للسياسة الإيرانية فى سوريا، وتغاضت عن ما يشكله الملف النووى الإيرانى من خطر على دول الخليج، لقد بدت السعودية مصممة على متابعة مصالحها الأمنية والوطنية، وإعادة صياغة سياستها الخارجية باستعادة مصر لدورها الإقليمى والدولى، والوصول لأفضل السبل التى تمكنها من حل مأساة الشعب السورى.
إن أى مراقب للأحداث التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يغفل اتفاق جنيف بشأن برنامج إيران النووى، وعدم رضى المملكة ودول الخليج، خصوصا الإمارات والكويت والبحرين عن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه طهران التى تبنت استراتيجية لاحتواء الأزمة بدلا من حلها، وبدت عازمة على قلب البنية الأمنية والجيوسياسية فى منطقة الخليج، ووضع دول الخليج عارية أمام تنامى قوة إيران النووية، ومطامعها التى لا تخفيها، لقد أظهرت دوائر صنع القرار فى المملكة مخاوفها من الانفتاح الغربى على طهران، الذى يدفع بها ويؤهلها إلى تصدر المشهد الإقليمى، وإثارة النزاعات فى عدد من الدول بعد أن أضعفت الصراعات العربية الداخلية بفعل الخريف العربى عددا من البلدان العربية الفاعلة أبرزها مصر.
وأخيرا ودائما تدرك المملكة ومعها دول الخليج، باستثناء دويلة قطر أن العرب بدون مصر أمة ممزقة يسهل استباحتها، حقائق الجغرافيا والتاريخ تؤكد ذلك، وأن النصف الثانى من عام 2013 الذى استعاد فيه المصريون دولتهم هو مقدمة لقرون مديدة تعود فيها مصر إلى قيادة أمتها، وأن المستقبل المشرق تصنعه المواقف العظيمة، والأمم القوية تخفى نتوءاتها وتداوى جراحها، لقد قبرت مصر عبر الأزمان غزاة الخارج، وخونة الداخل، ولم يحفل التاريخ إلا بأسماء وأساطير القادة والعظماء الذين انحازوا إلى مصر وشعبها.