الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أحلام مشروعة

أحلام مشروعة

كانت قصورُ الثقافة المختلفة فى المحافظات تمثل إشعاعًا حضاريًا وقيمة ثقافية وفكرية وحضورًا تنويريًا عظيمَ الشأن وتلعب دورًا بالغ الأهمية والتأثير فى احتضان المواهب والبراعم الشابة وتشجيعها ومساندتها فى مختلف المجالات الفنية التى تشمل الفن التشكيلى والنحت والموسيقى والتمثيل والمسرح والأدب وتقوم بالمشاركة الفعالة فى رفع المستوى الثقافى وإثراء الوعى القومى الجماهيرى.



وأتذكر أنى وأخى الأصغر «مدحت بشاى»- الكاتب الصحفى المرموق- كنّا منذ الستينيات من القرن الماضى؛ حيث تجمعنا موهبة الرسم نذهب يوميًا إلى قصر ثقافة «كفر الشيخ» التى كنا نعيش فيها مع الأسرة ونمارس رسم اللوحات الزيتية مع مجموعة من الشباب الواعدين وتحت إشراف فنانين من خريجى كليات الفنون ومديرى القصر الذى توافدت عليه تباعًا قامات كبيرة كان أبرزهم الفنان التشكيلى الكبير والناقد الفنى العتيد «عز الدين نجيب» الذى ساهم ولا يزال فى إثراء الحركة الفنية التشكيلية بإبداعاته ونشاطاته المختلفة فى ذلك المجال.. وهو الذى أسَّسَ قصر ثقافة «كفر الشيخ» (1966) وعمل مديرًا له حتى عام (1968).. وكنا ننتقل مع لوحاتنا لنعرضها فى قاعات العرض الخاصة بقصور الثقافة فى القاهرة وجميع المحافظات.. وكم كانت سعادتنا بردود الأفعال التى تمثلت فى التفاعُل الإيجابى مع المتلقين وإشادة النقاد بنا فى مرحلة مبكرة من حياتنا!

أمّا النشاط المسرحى فحدّث ولا حرَج؛ فقد كان لكل قصر ثقافة فرقة مسرحية يُخرج عروضها مُخرج مسرحى معروف.. وتُقام المسابقات لاختيار أفضل عرض مسرحى.. وقد عاصرتُ ميلاد ممثلين موهوبين أصبحوا فيما بعد من المشاهير.

هذا بالإضافة إلى مساهمة قصر الثقافة فى ظهور مجلة «سنابل» الشهيرة التى كان يرأس تحريرها الشاعر الكبير الراحل «عفيفى مطر»، والحقيقة أنها كانت تجربة فريدة وبالغة التميز وغير مسبوقة مثلت حدثًا ثقافيًا هائلاً اتسعت صفحاتها لنشر إنتاج شباب المثقفين من الأدباء الذين أهملت تجاربهم البازغة فى الشعر والقصة القصيرة والمقالات النقدية فى الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية الرائجة فى العاصمة والمتجاهلة لإبداعات أهل الأقاليم.. ويمكننا تصوُّر قيمة هذا الإنجاز المبهر إذا استعرضنا أسماء بعض من نُشرت كتاباتهم على صفحات المجلة وصاروا فيما بعد من مشاهير المبدعين، مثل الشعراء «أمل دنقل» و«محمد الشهاوى» و«على قنديل»، ومن الأدباء «خيرى شلبى» و«المنسى قنديل» و«حسن محسَّب».

ويدور الزمن دورته حتى نصل إلى حاضرنا السعيد الذى تدهورت فيه فاعليات تلك الصروح المنيرة وصارت فى حالة يرثى لها من الإهمال والتردى وأصبحت جراجًا لموظفين بيروقراطيين لا علاقة لمعظمهم بالحركة الثقافية أو الإبداعية.. وتقلصت ندواتها التى كانت تحفل باشتباكات فكرية وأدبية لروادها.. وأظلمت شاشات أفلامها وأنوار مسارحها ونشاطات فنانيها المغمورين الذين لا يجدون منفسًا أو تشجيعًا أو مساندة من أحد.

نحلم فى ظل القيادة الجديدة لوزارة الثقافة التى تسلمت حقيبتها «د.نيفين الكيلانى» ببادرة أمل فى العودة إلى عصر تنوير عشناه فى ماضٍ كان مشرقًا وواعدًا ومحتشدًا برُقى المعرفة وإشعاع الثقافة وجمال الإبداع.. وروعة الرسالة.

فهل حلمنا هذا مشروع؟!