الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عند منتصف الطريق.. مصر وعملية إعادة صياغة النظام العالمى

عند منتصف الطريق.. مصر وعملية إعادة صياغة النظام العالمى

النظامُ العالمىُّ ينتظر حَدثًا جَللاً ليُعَبِّر عن واقعه بلا رتوش.. توازناته الحقيقية بعيدًا عن وهْم البروباچندا.. فقط حقائق الأرقام والتأثير ومُحصلة القوَى الشاملة للدول وامتلاكها للقدرات الذاتية. جاء الزمنُ بجرأة أسرع من أدبيات السياسة.. وقعَ العالمُ بين براثن وباء كورونا.. ظهر معها منظومة قيم المجتمع الدولى وملخصها أن دولاً كبرَى عند الخطر مارست عمليات قرصنة على شحنات أقنعة وجْه ولم تُحرَج دول أخرى من قيامها بعمليات سطو على المصل فى بداية اكتشافه والتى أظهرت غياب العدالة الإنسانية للنظام العالمى.. هنا ظهرت الأوزان النسبية للدول مَن يمتلك القدرة هو وحده القادر على البقاء.



لم يكن قطارُ المساعدات الروسى الذى وصل إلى إيطاليا فى محنة كورونا مجرد حدث إنسانى عابر؛ ولكنه كان إشارة للقدر السياسى الذى سيحدث بين شرق أوروبا وغربها بعد ما يزيد على نصف قرن من انتهاء الحرب العالمية الثانية.

تغيرت مَذاهب ومدارس اقتصادية.. دول الاقتصاد الحُرّ مارست التأميمَ.. دول محسوبة على الفكر الاشتراكى اندفعت نحو سياسات السوق.

فى بدايات 2022 ظهرت التوقعات الاقتصادية العالمية بعام يتسم بالقسوة ومساره الاقتصادى تخيم عليه سحابة ضبابية.. ومع العملية الروسية فى فبراير 2022 وزلزال ما يسمى بالأزمة الأوكرانية ظهرت مؤشرات يمكن رصدها الآن بوضوح وفى نقاط محددة، ولم تخجل الطبيعة من إعلان موقفها لتحضر بقوة انعكاسات قضية التغيُّرات المناخية لتضع العالمَ أمامَ تحديات واضحة تمسّ الإنسانَ بشكل مباشر بغض النظر عن موقعه على الخريطة العالمية.. تحديات الطاقة والغذاء والمياه. ومن وجهة نظرى يمكن الآن رصد الأبعاد الآتية: 

أولاً: بَعد ما يقرب من ستة أشهُر يمكن القول إن الولايات المتحدة تنتقل بثبات من موقع القوة المهيمنة على النظام العالمى إلى الفاعل الدولى صاحب التأثير الأكبر.. وبين التعريفين بَونٌ استراتيچىٌ عميقٌ.

ثانيًا: إن النظام السياسى والاقتصادى والأمنى لأوروبا الموحَّدة بات محل شك وأن الذاتية هى التى تحكم أوروبا الآن وفى المستقبل القريب؛ لا سيما بعد انكشاف تخبُّط الناتو من جهة وترهُّل نسق الخطاب الأوروبى وترنُّحه بخطوات غير منضبطة فى الصراع أسهَمَت فى ارتباكه أهدافٌ واضحة لروسيا اتسمت بالحسم والقدرة على فرض الأمْر الواقع مع سقوط التأثير المعنوى لسلاح العقوبات مع مرور الوقت وبداية مباشرة روسيا لدورها فى بعض القضايا العالمية حتى ولو بشكل محدود.

ثالثًا: انهيار استراتيچية فك الارتباط بين بكين وموسكو؛ بل على العكس أسهمت تفاعلات الشهور الماضية فى مزيد من التقارب بين العاصمتَيْن؛ لا سيما مع إقحام قضية تايوان بلا هدف.. فلا الصين انتابها خوف أو ردع ولا حتى الأثر الإعلامى أحدث الهدف منه فكانت طلقة عشوائية أيضًا لم تصب هدفَها؛ ولكن جاءت فى عكس الاتجاه.

رابعًا: بات واضحًا أن الفكر السياسى الغربى بشكل عام يعانى من غياب القادة الكبار.. فى بدايات 2022 كان النسق الواضح هو بزوغ ما يسمى بالدبلوماسية الأنجلوسكسونية ما بين واشنطن ولندن.. كان التصريح يصدر من واشنطن تسمع صدَى صوته من لندن والعكس.. لم تمضِ أشهُر إلا وكان چونسون خارج الحكومة رُغْمَ شعبيته وخليفته المنتظر سيكون اهتمامه على الداخل المشتعل من فعل الأزمة الاقتصادية.

خامسًا: إن الإدارة الأمريكية نفسَها باتت تنتقل من أزمة إلى أخرى عكس ترتيب أولوياتها فى بدايات حُكم بايدن.. هذه الإدارة كان تركيزها إعادة الحياة للناتو فتصلب كأسَد عجوز فى سيرك لا يستطيع الحركة ولا زئيره يهز الطرَف.. كان فى ترتيب الإدارة الابتعاد عن الشرق الأوسط تمامًا أكثر من ذلك سحبت من الرصيد الاستراتيچى للولايات المتحدة مع الكيانات الإقليمية الأخرى، ثم جاءت إلى المنطقة طالبة العون والشراكة فعادت بمفهوم جديد عن الشرق الأوسط ملخصه أن للزمن أدبيات جديدة.

سادسًا: المشهد الأمريكى من الداخل بالغ الصعوبة حيث فشلت كل إجراءات احتواء التضخم ومعالجة البطالة المرتفعة أضف إلى ذلك تبدّل فى قيم المجتمع يتم فرضُه ويرفضه قطاع من المحافظين فى المجتمع، وبالتالى فكرة الثلج تتحرك نحو انتخابات الكونجرس المقبلة فى نوفمبر المقبل والتى باتت محسومة للجمهوريين وأنهم على أعتاب السيطرة على مجلسَى الشيوخ والنواب، وكانت انتخابات ولاية فيرچينيا مؤشرًا واضحًا وأى نتيجة غير ذلك ستكون هى المفاجأة والتى تحتاج معجزة أو تغيُّرًا نوعيًا فى الإدارة الأمريكية نفسها والتى يباشر أمورها الآن بايدن من عزل كورونا حسبما أعلن البيت الأبيض مثلما أعلن فيما مضى أن كاميلا هاريس ستقوم بمهام الرئيس بسبب عارض صحى ولم تمضِ ساعة إلا وتم إلغاء البيان الأول وإعلان عودة بايدن لمباشرة أعماله.

كل هذه النقاط مجرد رصد مبدئى.. وتُكتب هذه السطور ومصر عند منتصف الطريق.. الطريق الذى انطلق عام 2014 مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مهمة الرئاسة وإنقاذ الدولة المصرية وإعادة بناء الأمّة المصرية نفسها لكى تحجز الموقع الذى يليق بها بين الأمم.

نعم نقف عند منتصف الطريق ومحطة الوصول للمشروع المصرى لها موعد معلن وهو 2030 ولا سبيل أمام مصر إلا الاستمرار بقوة وصبر وجَلَد فى البناء والتنمية والمواجهة وتحدّى كل ما يمكن أن يعرقل خطواتها المحسوبة.

مصرُ أعلنت عن نفسها أمام الضمير العالمى باعتبارها دولة مركزية قوية صاحبة قرار فى الأچندة العالمية محدداتها واضحة وهى السلام والاستقرار والتنمية.. نجحت بامتياز فى فرض شخصيتها الحضارية فى سلوكها الدولى اختصرها الرئيس السيسى فى جملة شهيرة وهى أن مصر تباشر سياستها بشرَف فى زمن عَزّ فيه الشرَف.

سبع سنوات وأربعة أشهُر من الآن.. تفصل مصرَ عن موقع جديد يليق بها فى النظام العالمى الجديد وتوازناته الجديدة.. 

وللحديث بقية.