الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ): أقدم مخطوطة قرآنية.. فى مكتبة برلين! "27"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.  



من مقتنيات المكتبة المركزية فى برلين عاصمة ألمانيا، مخطوطة قرآنية ومصحف يعودان للقرنين الأول والثانى الهجرى، مما يجعلهما الأقدم فى العالم، والمكتبة مصنفة أهم مكتبة بحثية فى أوروبا، وتضم مجموعة كبيرة من المخطوطات الإسلامية النادرة.

وتؤكد نتائج اختبارات مركز تحليل المخطوطات الاتحادى السويسرى فى زيورخ؛ أن المخطوطة القرآنية تُعتَبَر الأقدم فى العالم، والتحليلات تمّت على المخطوطة باستخدام نظائر الكربون المشع، وتبين أنها ترجع للسنوات الأخيرة فى حياة النبى محمد عليه الصلاة والسلام، أو إلى ما بَعد وفاته بعشرين عامًا تقريبًا، أى أن تاريخها بين عامَى 7-30هـ، 630-652م.

والتحليلات أجراها المركز السويسرى ضمن مشروع تجريه الأكاديمية الألمانية للعلوم، بتمويل من حكومتَىْ ألمانيا وفرنسا لدراسة التطور التاريخى لتدوين القرآن الكريم.

وقد تم شراء المخطوطة القرآنية من ورثة المستشرق «بيرنهارد موريس»، الذى عاش فى القاهرة من 1896م إلى 1911م؛ حيث عمل مديرًا لمكتبة الكتب والوثائق الخديوية.

وتم شراء النسخة الأقدم بالعالم من المصحف من ورثة المستشرق «جود فريد فيتسشتاين»، الذى عمل قنصلًا لألمانيا فى دمشق من 1846م إلى1861م.

وطبقًا لنتائج مركز تحليل المخطوطات الاتحادى السويسرى؛ فإن 46 مخطوطة قرآنية أخرى من ضمن المقتنيات بمكتبة برلين تعود لنهاية القرن الأول وبداية القرن الثانى للهجرة.

وقد صرّح مدير قسم المقتنيات الشرقية بمكتبة الدولة ببرلين بأن الكشف عن هذه المقتنيات القرآنية يرتبط بتسليطها الضوء على حقائق جديدة حول التطور التاريخى لكتابة الحروف العربية وتدوين القرآن الكريم.

 المصحف والنبى

المجتمع الذى بعث فيه النبى؛ مجتمع لم يكن يقدر قيمة التوثيق الكتابى ولا يتصور أهميته، لذا كان عددُ مَن يعرف القراءة والكتابة من العرب عمومًا قليلاً جدًا، وقد درج الناس على تناقل الأخبار والأحداث عن طريق المشافهة، وعرفت كل أخبار الجاهلية عن طريق التناقل الشفهى، وحتى المعاهدات لم تكن تكتب بل يتفق على بنودها مشافهة.

ومع ذلك، ورُغْمَ صغر المجتمع وقلة عدد المسلمين؛ فإن النبى حرص، ومنذ اليوم الأول لنزول الوحى، أن يسجل ما يُوحَى إليه مباشرة بعد تلقيه، تسجيلًا كتابيًا، ويتأكد بأنه كتب بنفس الطريقة التى أملى بها، ولم يعتمد على الحفظ  وحده، مخالفًا بذلك العُرف التوثيقى السائد، ومقررًا نوعًا من التوثيق لم يألفه العرب ولم يعرفوه.

ولذلك لم يكن الرسول يستطيع أن يترك القرآن من دون كتابة، ولم يعتمد فى بقائه على حفظ الناس، الذى يُعَرّض ولو قليلاً من الآيات للضياع والاختلاف فى عباراتها بين حافظ وآخر، ومراجعة القرآن مع كتبة الوحى للتأكد من أن كل الآيات المكتوبة سابقًا لا تزال محفوظة وبطريقة مقروءة، ولم تطمس أو تبهت مع مرور الوقت. 

وبعد فتح مكة والطائف واستسلام قبائل جزيرة العرب لحُكم دولة الإسلام؛ لم يستنسخ النبى نسخًا من المصحف الإمام لأن الوحى استمر بالنزول، ونجد أن النبى عليه الصلاة والسلام فى آخر حياته كان يرسل من يثق بحفظهم للقرآن؛ لتعليم الناس دينهم بالقرآن، وممن أرسلهم عليه الصلاة والسلام، معاذ بن جبل لليمن، والعلاء بن الحضرمى للبحرين. 

 المصحف وأبو بكر

لمّا تولى أبو بكر الخلافة، كان القرآن محفوظًا عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر، وانشغل أبو بكر بحرب المرتدين، بحيث لم يطلب الحصول على ذلك المصحف الإمام، لبعض الوقت، وقد فطن لذلك بعد أن شاع القتل فى صفوف الصحابة؛ خصوصًا الذين يعرفون القراءة والكتابة، وقد رأى أن يراجع ذلك المصحف الإمام ويتأكد من أنه كامل، وأن آياته كلها لا تزال مقروءة. 

فكلف بهذه المهمة، زيدًا بن ثابت ورجالاً معه، كما تقول كتب الأخبار؛ لمراجعة المصحف الإمام، فإن وجدت آية شحبت حروفها مع الوقت بحيث يصعب قراءتها أعيدت كتابتها فى مكانها. 

ونتيجة لتلك المراجعة فقد تأكد أبو بكر وفى السنة التى توفى فيها رسول الله، أن المصحف الإمام كامل، وتسارُع الأحداث لم تمكّن أبا بكر من توفير العدد الكافى من حفظة للقرآن لإرسالهم لكل إقليم يتم ضمه لدولة المسلمين، وبالتالى فقد توسعت دولة المسلمين، دون أن يصحب ذلك تعليم للمسلمين الجُدد بدينهم بواسطة القرآن. 

 المصحف وعمر

وعهد أبو بكر لعمر بن الخطاب بتولى الخلافة، وخلال خلافة عمر توسعت الدولة الإسلامية، وقد فطن عمر لما لضرورة تعليم الناس بدينهم بواسطة القرآن، فقام بتكليف عدد ممن دخلوا الإسلام حديثًا بحفظ القرآن، وألحقهم بجيوش الفتح فى العراق وفارس.

ولكن لقلة عددهم ولأنهم حديثو العهد بالدين الإسلامى، ولأن تلك المحاولة كانت قد تأخرت كثيرًا؛ حيث انشغل الناس بالدنيا والغنائم عن تدبر القرآن وتدارسه، مما وَلّد أجيالًا لا تَعرف من الإسلام إلا القشور. 

وكان من نتيجة غياب القرآن؛ أن المسلم الجديد لا يعرف من الإسلام إلا النطق بالشهادتين وتعلم الصلاة لأنها ممارسة يومية، إضافة للصيام، فأصبح الدين عبادات فقط، ولم يرد فى كتب الأخبار أن عمر قد فكر باستنساخ القرآن. 

 المصحف وعثمان

لم يعهد عمر لشخص بعينه أن يكون زعيمًا لدولة الإسلام، ولكنه رشح ستة للاختيار للخلافة، وانتهى الأمر إلى عثمان بن عفان، وقد كان المصحف الإمام محفوظًا عند أم المؤمنين حفصة، وقد تأخر عثمان قرابة عَشر سنوات بعد توليه الحُكم، قبل أن يطلب المصحف الإمام من أم المؤمنين حفصة.

 المصحف الإمام 

عندما توسعت دولة الإسلام فى آخر أيام النبى، أرسل عددًا من الصحابة الذين يحفظون القرآن لعدد من المناطق لتعليم من دخل من الناس فى الإسلام بدينهم الجديد؛ لأنه لم يكن هناك إمكانية لنسخ المصحف لتعذر الكتبة وقلة المواد التى يكتب عليها. 

ولما فطن عمر لضرورة مصاحبة القرآن لجيوش الفتح، كان قد تأخر كثيرًا؛ حيث توسعت رقعة البلاد المفتوحة ودخل الملايين من الناس فى الإسلام بطريقة سطحية.. 

والتوسع فى الفتوح ساهم فى سفر الكثير من الصحابة واستقرارهم فى البلاد المفتوحة، ولأن البعض من أولئك يحفظ شيئًا من القرآن، ولأن البلاد المفتوحة يتوافر فيها مواد صالحة للكتابة؛ فقد قام بعضُ الصحابة بكتابة ما كانوا يحفظونه على أنه من القرآن على شكل مصاحف شخصية.

وانتشرت تلك المصاحف  الشخصية بين الناس، فعرفوا مصحف ابن مسعود، ومصحف أبَىّ ابن كعب، ومصحف أبى موسى، وكان بين تلك المصاحف بعض الاختلافات. 

وممن لاحظ تلك الاختلافات حذيفة بن اليمان أثناء تنقله بين البلاد، فسافر إلى المدينة وشرح للخليفة خطورة الأمر، وأشار عليه أن يستنسخ عدة نسخ من المصحف الإمام ويوزعها فى الأمصار، ثم يقوم بإحراق كل المصاحف الشخصية.

وقد وزعت تلك النسخ على البلاد، فى عام 33هـ، ومن تلك النسخ تم استنساخ المصاحف على مَرّ العصور، وتم إحراق كل المصاحف الشخصية التى تمّت كتابتها اعتمادًا على الذاكرة. 

ومن أمثلة اختلاف المصاحف الشخصية ما جاء فى مصحف ابن مسعود، من عبارات تختلف عن آيات القرآن، مثل: «صفراء لذة للشاربين»، بدلًا من قوله تعالى: (بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) الصافات 46.

وفى مصحف ابن مسعود: «والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما»، وفى قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة 38.

وفى مصحف ابن مسعود مكتوب مفهومه ضمن الآية، مثل: «النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم»، والآية فى قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الأحزاب 6.

تلك الاختلافات جاءت بسبب أن ابن مسعود قد كتب مصحفه من الذاكرة، بعد أن انتقل للكوفة فى زمن الخليفة عمر بن الخطاب، هذا ما جاء فى الروايات، ولم يطلع أحد على ما جاء فى مصحف ابن مسعود.

ويكون القرآن قد كتب كله وجُمع فى مكان واحد فى زمن النبى؛ لأن جَمع القرآن فى مصحف واحد والتأكد من أن كل آية فى موضعها المناسب من السورة، كل هذا يدخل ضمن مسئولية بلاغ الرسول للرسالة. 

وسيكون الرسول ملزمًا بحفظ المواد التى كتبت عليها الآيات فى مكان واحد يسهل الرجوع إليه فى أى وقت، وهذا المكان لن يكون أفضل من بيت النبى عليه الصلاة والسلام، ويكون المصحف الإمام، وهو النسخة الأصلية من القرآن، كانت محفوظة عند النبى، وفى بيت أم المؤمنين حفصة، بعد وفاة النبى. 

وبَعد ذلك جاء الخليفة أبو بكر، وأمر الصحابى زيدًا بن ثابت بتكوين لجنة لمراجعة المصحف الإمام، والتأكد من عدم ضياع أى حرف من القرآن، أو أن حروف الآيات اختفت وبهتت مع مرور الوقت، ويكون الخليفة عثمان فى نسخه لعدد من النسخ من المصحف الإمام، قد قام بعمل مهم كان يجب على  المسلمين القيام به بمجرد انتشار الإسلام وتوسع دولة المسلمين ليكون القرآن مَصدرَ تشريع للناس فى دينهم الجديد.