الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الكاريكاتيرست المجهول

الكاريكاتيرست المجهول

«لعقود طويلة وحتى عام 2017 كان لدى الكثير من رسامى الكاريكاتير وكثير من الباحثين فى تاريخ الكاريكاتير المصرى اعتقاد راسخ بأن كتاب رسام الكاريكاتير الشهير صاروخان «هذه الحرب» المنشور عام 1945 هو أول كتاب معنى بفنون الكاريكاتير يصدر فى مصر؛ ولكن فى عام 2017 أعلن الفنان محمد عبلة عن اكتشاف كتاب «كاريكاتيراتى 1927 - 1936» لمصطفى محرم وأرفق اكتشافه بعرض نسخة ورقية من الكتاب، مشيرًا إلى أن صاحبه أحد رسامى الكاريكاتير شبه المجهولين على الرغم من أنه كان يعمل مستشارًا فى المحاكم المختلطة.. هذا الاكتشاف المهم اهتم به مشروع ذاكرة الكاريكاتير المصرى حيث أعاد نشر الكتاب مرة أخرى ومعه كتاب آخر لنفس الفنان يضم بعض أعماله بعنوان «كاريكاتيراتى  1916 – 1926» ليكونا وثيقة فى يد الباحثين والمهتمين بتاريخ هذا الفن، وحرص عبدالله الصاوى الباحث فى تاريخ الكاريكاتير المصرى ومؤسس مشروع وموقع ذاكرة الكاريكاتير أن ينشر الكتابين «صورة طبق الأصل» من الطبعة الأولى وبنفس الإخراج الفنى والأغلفة وبنفس ترتيب الصفحات، حتى إنه يبدأ من اليسار إلى اليمين حسبما تمت طباعتهما وقتها، ولكن الصاوى أضاف دراسة موجزة عن سيرة ومسيرة مصطفى محرم بك، وهو ما احتاج جهدًا كبيرًا للحصول على المعلومات حيث قضى خمس سنوات فى البحث والتنقيب، وساعدته أسرة الفنان المجهول فأمدته بمعلومات ورسوم ووثائق كتب من خلالها سيرة ذاتية شبه كاملة له، ولكن من هو مصطفى محرم بك؟.. ولد عام 1883 بمدينة مصوع أحد مدن أريتريا الآن وكانت وقتها خاضعة للسيادة المصرية، وكان والده يشغل منصب المحافظ هناك، وحصل على ليسانس الحقوق من السوربون، والتحق بخدمة القصر الملكى حيث تولى المراسم الملكية الخاصة بالملك فؤاد، وبعد فترة ضاق بالقيود التى فرضتها عليه الوظيفة فتركها وعمل مستشارًا بالمحاكم المختلطة، ولكن متى ظهرت ميوله الفنية؟



حسب المقدمة التى كتبها الصاوى «فإنه منذ الطفولة أبدى اهتمامه بالرسم، وفى شبابه كان يتابع فى انبهار طلبة الفنون الجميلة الذين كانوا يدرسون فى مدرسة درب الجماميز على مقربة من بيت أسرته بالسيدة زينب،  واقتصرت رسومه على أصدقائه فكانوا هم ضحايا ريشته الساخرة واللاذعة»، ويذكر بدر الدين أبوغازى أنه  «بدأ يمارس فن الكاريكاتير ويصور رحلاته إلى الإسكندرية وأوروبا وسمع الفنانون الشبان منه مصطلحات التأثيرية والتكعيبية ورأوه يرسم على غرارهما وكان أمتع الأوقات التى يقضيها مع هؤلاء الشبان فى مراسمهم، وحين عمل بالقضاء كانت عيناه تلتقطان لمحات الحياة ومعالم الأشخاص فتسجلهما ببراعة، وعلى منصة القضاء كانت كراسة الرسم لا تفارقه يسجل فيها خفية وجوه القضاة والمحامين والمتهمين والمترددين على المحاكم»، وفى عام 1917 ظهرت أعماله إلى النور حيث أقيم بمصر أول معرض لفن الكاريكاتير وعُرضت فيه أعمال أثنى عليها الجميع، وفى صالون الربيع سنة 1921 ظهر اسمه بين العارضين ومن هنا ذاعت شهرته كرسام كاريكاتير محترف، وأصبح أحد المستشارين الفنيين لمجلتى الكشكول والمصور.. وشارك مصطفى محرم بك فى معظم دورات معرض القاهرة الذى كانت تنظمه بشكل سنوى جمعية الفنون الجميلة، ورغم حصوله على البكوية وعلى العديد من الأوسمة والنياشين فإنه استمر فى نشاطه الفنى، وقام مصطفى محرم بجمع صوره ورسومه فى كتاب طبعه على نفقته الخاصة فى باريس ضم فيه أعماله من عام 1916 إلى 1926.. وأشار فى مقدمة الكتاب إلى أنه فكر فى تصوير بعض أصدقائه تصويرًا هزليًا فحازت إعجاب الناظرين وبعد إلحاح من أصدقائه قرر جمعها فى كتاب، وضمت هذه الأعمال رسومًا كاريكاتيرية للعديد من الشخصيات العامة ورجال القضاء والمحاماة، وفى سنة 1936 نشر الفنان كتابه الثانى ولكنّه طبعه هذه المرة فى مصر، ويتميز الكتابان بنكهة وأفكار مصرية وشخصيات ذات خلفيات متنوعة تعبر عن الواقع السياسى والاجتماعى وقت صدورهما.

الكتابان يؤرخان من خلال الرسومات المنشورة بهما لمرحلة مهمة فى تطور الكاريكاتير المصرى، ويكشفان عن أحد الرواد المجهولين لهذا الفن، ولكن لماذا اختفت أعماله ولم يشر إليها أحد؟.. بعد وفاة الفنان عام 1954 صدر قرار بالاستيلاء على الفيلا التى كان يقيم فيها مع زوجته وأولاده لصالح وزارة المعارف وترتب على ذلك أن الورثة قاموا بإيداع مكتبته لدى أحد الناشرين كأمانة، وحافظ عليها الأخير إلا أنه بعد موته هاجر أبناؤه إلى الخارج، وقام واحد منهم بإخراج المكتبات التى كانت بحوزة والده ومنها مكتبة مصطفى محرم بك وكان بها كل إنتاج الأخير ولم يعرف عنها أحد شيئا ولا عن كتابيه حتى عثر على أحدهما الفنان محمد عبلة، وبعدها بذل عبدالله الصاوى جهودًا كبيرة لنشر الكتابين والتعريف بالكاريكاتيرست المجهول.

بقى أن نقول أن مشروع ذاكرة الكاريكاتير يستهدف جمع وتوثيق رسوم الكاريكاتير التى نُشرت فى الصحف والمجلات والدوريات العربية والأجنبية التى صدرت بمصر منذ عام 1878 وحتى الآن، ونجح بالفعل القائم على المشروع عبدالله الصاوى فى جمع 100 ألف رسمة بدعم من الجمعية المصرية للكاريكاتير وأسر بعض الفنانين والمؤسسات الصحفية وكليات الفنون، ولكن لا يزال المشوار طويلًا ويحتاج إلى دعم مادى ومعنوى من كافة الجهات المعنية حتى لا يتوقف هذا المشروع التوثيقى المهم.