الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الخدمة المجتمعية هى الحل

الخدمة المجتمعية هى الحل

منذ أيام قليلة صدر حكم على «كورت زوما» لاعب فريق ويستهام الإنجليزى بقضاء 180 ساعة خدمة مجتمعية عقاباً له على ركله وتعذيب قط، وكان قد انتشر منذ أسابيع مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعى ظهر فيه اللاعب الفرنسى الجنسية وهو يطارد ويركل بقسوة القط الذى يربيه فى منزله، ما أدى إلى استياء وغضب عدد كبير من الناس، ودفع بعضهم لتقديم بلاغ للشرطة ومنظمة حقوق الحيوان وتبع ذلك حملة على موقع «تويتر» تدين تصرفه وتدعو إلى معاقبته.



وبالفعل قامت الجمعية الملكية لمنع القسوة على الحيوانات بمصادرة قطيه، وقرر نادى ويستهام خصم 250,000 إسترلينى من راتبه الشهرى، ومنح هذا المبلغ لجمعية حماية الحيوان، وأعلنت شركة «أديداس» سحب رعايتها للاعب، ورغم أن «زوما» أصدر بيانًا يعتذر فيه وأعلن ندمه على ما قام به، فإن المحكمة فى لندن عاقبته بقضاء 180 ساعة فى رعاية المرضى والمحتاجين، كما منعته هو وشقيقه الذى صور الفيديو من تربية القطط خمس سنوات، وقالت المحكمة إن «زوما» شخصية عامة ويجب أن يكون على دراية بأن الآخرين يتطلعون إليه، وكثير من الشباب يطمحون إلى الاقتداء به.

لم تمنع شهرة اللاعب ولا أمواله من ملاحقته قضائيًا وإدانته لكى يكون عبرة لأمثاله، كما تعرض لعقاب من المجتمع متمثل فى ناديه وشركة رعايته والجمعيات المعنية بحقوق الحيوان، أيضًا جماهير كرة القدم استهجنت ما فعله بقوة حتى إنه اضطر إلى ترك الملعب وعدم اللعب فى إحدى المباريات بسبب هتافات مشجعى ناديه ضده، وأعتقد أننا يجب أن نبحث عن وسيلة يعاقب بها المجتمع من يرتكبون جرائم مستفزة سواء كانت بسيطة أو كبيرة بجانب العقاب القانونى مثلما يحدث فى الغرب، لكن أيضًا هذه الواقعة تدعونا للتفكير فى أهمية أن تكون لدينا عقوبة مماثلة للخدمة المجتمعية فى بعض الجرائم، وخاصة البسيطة منها مثل مخالفات المرور، ويمكن أن تمتد إلى جرائم أخرى مثل الجنح الصغيرة التى لا تزيد العقوبة فيها على سنة حبس، كما يمكن تطبيقها فى حالات الاعتداء والضرب والقتل الخطأ إذا قام المجنى عليه بالتصالح مع الجانى والتنازل عن القضية، مثلما حدث فى واقعتين مؤخرًا، الأولى حادث دهس ابن رجل أعمال لعدد من الشباب بسيارته ما أدى إلى وفاتهم، ولكن أهالى الضحايا تنازلوا عن الدعوى وتصالحوا مع الجانى، والذى حكم عليه من أيام بالسجن ثلاث سنوات فى قضية تعاطيه المخدرات وقيادته السيارة تحت تأثيرها وانقضاء دعوى القتل الخطأ بالتصالح، والواقعة الثانية هى تنازل فرد أمن أحد الكمبوندات عن محضر الاعتداء عليه، حيث قام الجانى بصفعه إحدى عشرة مرة على وجهه، هذان التنازلان أثارا كثيرًا من اللغط حول استغلال حاجة المعتدى عليهم المالية للتصالح، وتساءل كثيرون: هل يكفى تنازل الضحايا للهروب من المسئولية؟ وأين حق المجتمع؟، وتخوف البعض من أن يؤدى عدم معاقبة الجانى إلى تكرار مثل هذه الجرائم اعتمادًا على سطوة المال وحاجة الفقراء، وأعتقد أن وجود عقاب يتمثل فى الخدمة المجتمعية من الممكن أن يكون حلاً لمثل هذه الحالات، حيث يتم الحكم على الجانى والمعتدى بقضاء عدة شهور فى خدمة المرضى أو تعليم الفقراء أو محو أمية عدد معين من المواطنين أو تنظيف الشوارع أو المساعدة فى مصحات العلاج من الإدمان وغيرها من الخدمات العامة، على أن يكون العقاب تحت إشراف الشرطة وبمراقبة المجتمع المدنى للتأكد من عدم التهرب من التنفيذ بأى وسيلة، ولا شك أن عقوبة الخدمة المجتمعية لها مزايا عديدة فهى تؤدى إلى تقلل التكدس بالسجون وانخفاض أعداد السجناء بها، ما يتيح تقديم رعاية حقيقية لهم وإعدادهم للعودة للمجتمع، بجانب تقليل المصروفات والإنفاق على أعداد السجناء الضخمة، الأمر الذى يعفى الدولة من أعباء اقتصادية غير قليلة، بالإضافة إلى أن هذه العقوبة تتيح للجانى الاستمرار فى عمله والاحتفاظ بوظيفته، لأن فقدانها قد يدفع السجين إلى ارتكاب جرائم أخرى بعد انقضاء عقوبته بسبب عدم عودته للعمل وعدم قدرته على كسب المال وملازمة وصمة السجن له فى المجتمع، كما أن وجوده خارج السجن يتيح له رعاية أسرته التى ستعانى فى غيابه، ولهذا يمكن تطوير المادة 479 من قانون الإجراءات الجنائية التى تنص على: «لكل محكوم عليه بالحبس البسيط لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أن يطلب بدلًا من تنفيذ عقوبة الحبس عليه، تشغيله خارج السجن، وذلك ما لم ينص الحكم على حرمانه من هذا الخيار»، على أن يضاف لها ما يجيز للقاضى الحكم بالخدمة المجتمعية وتحديد شروطها وكيفية تنفيذها.