الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الانقسام السياسى يصيب عاصمة الديمقراطية «حرب الشوارع» تتجه إلى انتخابات الكونجرس

تعيش الولايات المتحدة الأمريكية حالة حرب داخلية، بسبب الخلافات والصراعات السياسية المستمرة بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى، والتى تزداد حدتها وتتسع بصورة غير معتادة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى المقررة فى نوفمبر المقبل. وعلى الرغم من أن الشارع الأمريكى لا يعبأ بالعديد من المشكلات الخارجية، وينظر المجتمع دائمًا إلى تأثير سياسة الإدارة الأمريكية على الحياة اليومية فقط، إلا أن هذه الانتخابات تحديدًا اتجهت لمسار آخر، فمع تراكم الأزمات الداخلية فى الولايات المتحدة، بدءًا من أزمة كورونا، ثم الأزمة الاقتصادية التى ضربت العديد من الأشغال فى جميع الولايات، عبورًا بنقص العديد من الخدمات منها التأمينية مثل انتشار السلاح والاستهلاكية مثل نقص «حليب الأطفال».. ثم الارتفاع الحاد فى أسعار البترول، وغيرها من الأزمات الخطرة التى جعلت هذه الانتخابات تعكس مدى غليان الشارع الأمريكى ،وهو الأمر الذى استغله الحزبان الجمهورى والديمقراطى كل على حده سواء لشن الهجمات الشرسة على خصومهما، بصورة أشبه بحروب الشوارع التى لا يطبق فيها قانون أو يحترم فيها خصوم.. فأصبحت الولايات المتحدة، رمز الحرية والديمقراطية، ساحة من الغليان الداخلى وقنبلة موقوتة تنتظر الوقت لتنفجر فى جميع أرجاء البلاد.



 

 انفجار الأزمات

حينما دخل الرئيس بايدن البيت الأبيض، كانت أمامه جملة من التحديات التى أعد نفسه لمواجهتها، وأبرزها مواصلة قيادة المعركة الوطنية لمواجهة انتشار جائحة كورونا ومتحوراتها، وإعادة إنعاش الاقتصاد الأمريكى عبر خطط ضخمة ضمن رؤية «بايدنوميكس» الاقتصادية، أو «إعادة البناء بشكل أفضل». ولكن هذه التحديات، على الرغم من جسامتها، كانت وما زالت أخف وطأة على بايدن من مواجهة الخلل السياسى وترميم الشرخ المجتمعى ومواجهة السياسة «الترمبية» التى تكتسب يومًا بعد يوم صدى متزايدًا بين الأمريكيين فيما يتعلق تحديدًا بالعنصرية تجاه الآخر، ومن المتوقع ظهور نتائج تأثيرها خلال الانتخابات النصفية فى نوفمبرالمقبل.

وكأن هذه التحديات ليست كافية فى وجه الإدارة الديمقراطية، فقد شكل الهجوم الروسى على أوكرانيا ضغطًا متزايدًا على الإدارة التى استنفدت كثيرًا من الجهد والقدرات المحلية والدولية لمواجهته. وقد أوضح الكاتب تايلور بيجر، فى مقاله المنشور فى صحيفة «واشنطن بوست»، أن الرئيس الأمريكى استنزف معظم وقته خلال الأشهر الماضية لتنسيق الرد العالمى على العملية العسكرية الروسية، ولم يعبأ بايدن بصورة قوية لحل أزمات الشارع الأمريكى ولم يكن مستعدًا لتأثير سياسته تجاه روسيا بالعواقب التى ستضر بشعبه.

كما شهدت الأشهر الماضية من عمر الإدارة الديمقراطية زيادة كبيرة فى أسعار الوقود، وحطم معدل التضخم أرقامًا قياسية غير مسبوقة منذ 40 عامًا، وتزايدت مشكلات سلاسل التوريد، وارتفعت معدلات الجريمة، فلا يمر يوم من دون مذبحة ترتكب فى جميع الولايات، يروح ضحيتها الأبرياء من طلاب المدارس والمجتمعات المحلية.

وفى استطلاع للرأى نشرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «آى بى سى» الإخبارية، فإن 9 من كل 10 أمريكيين عبروا عن سخطهم من الارتفاع المتزايد للأسعار. أما ما يتصل بإدارة الشأن الاقتصادى فإن 50 % من الأمريكيين عبروا عن ثقتهم بالإدارة الاقتصادية للجمهوريين، مقارنة بـ36 % قالوا إنهم يثقون بالديمقراطيين.

ويرجح المراقبون أنه حيال هذا الوضع الاقتصادى المتردى، والتحديات المتزايدة التى تقف فى وجه إدارة بايدن، سيواجه الديمقراطيون تداعيات وخسائر خلال الانتخابات النصفية فى نوفمبر المقبل، ما قد يفقدهم السيطرة على مجلسى الشيوخ والنواب، بالتالى سيكون من المستحيل على الرئيس بايدن تمرير الصفقات التى يريدها فى الكونجرس لمعالجة التغير المناخى وخفض تكاليف العقاقير الطبية وزيادة الضرائب على الأثرياء.

حرب الأحزاب

فيما يشبه التقليد، يخسر حزب الرئيس الأمريكى الكثير من المقاعد فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، ويبدو أن الرئيس جو بايدن لن يخرج عن هذا التقليد فى الانتخابات القادمة فى نوفمبر 2022.

فقد خسر الجمهوريون 41 مقعدًا فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب فى انتخابات عام 2018 لصالح الديمقراطيين، وتكرر السيناريو قبل ذلك فى عهد باراك أوباما الذى خسر حزبه الديمقراطى 63 مقعدًا بمجلس النواب، وعلى نحو مماثل فى انتخابات 2010.

وفى الأشهر المقبلة، ينصب الاهتمام فى واشنطن على قدرة الرئيس جو بايدن على تجنب خسائر التجديد النصفى التى أربكت العديد من أسلافه، أم أن حزبه مقدم على خسارة لا يمكن تجنبها خاصة مع ضيق الفارق بين الحزبين فى مجلسى النواب والشيوخ.

وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، بدأت الحرب بين أنصار الحزبين تشتعل، وبدأ الانقسام فى الشارع الأمريكى يظهر بصورة قوية، وانتقلت هذه الحرب بين الساسة الأمريكيين أيضًا وأصحاب النفوذ السياسى، وبدأت هذه الحرب بصورة عنيفة منذ إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان فى أول مايو الماضى، وظهر ذلك جليًّا بتصريح الرئيس السابق دونالد ترامب الذى علّق فيه على مشاهد انسحاب القوات الأمريكية وسيطرة طالبان بأنها «أكبر إهانة للسياسة الخارجية فى تاريخ البلاد». ليرد الرئيس جو بايدن بأنه «ورث اتفاق انسحاب سيئ من ترامب».

وعلى هذا المنوال استمر الهجوم على الرئيس الأمريكى والحزب الديمقراطى فى كل أزمة تواجه البلاد، والتى أظهرت فى الكثير من الأوقات ضعف الرئيس وإدارته فى حل المشاكل الداخلية والخارجية أيضًا.

ومع استمرار تدفق الأزمات اتجه الرئيس الأمريكى إلى رمى الكرة فى ملعب الكونجرس، على هذا يكون القشة التى يتماسك بها مع حزبه للفوز فى انتخابات نوفمبر، وقد أقر بايدن أنه لم يكن هناك الكثير الذى يمكنه فعله، على المدى القصير، لخفض أسعار البنزين والمواد الغذائية المرتفعة. «لا يمكننا اتخاذ إجراءات فورية أنا على علم بها حتى الآن،» وبعد حادث إطلاق النار الجماعى المروع فى تكساس وأوفالد وتولسا، شدد بايدن على نقطة مماثلة: ما لم يقر الكونجرس قوانين جديدة، فهو محدود للغاية فيما يمكنه فعله بمفرده حيال موجة مذابح الأسلحة النارية، بغض النظر عن أن الغالبية العظمى من الأمريكيين يطالبون بمزيد من تدابير السيطرة على الأسلحة لا منعها، وقال بايدن «لا يمكننى تجريم السلاح. لا يمكننى تغيير فحص الخلفية. لا أستطيع فعل ذلك». وعلى الرغم من أنه يواجه احتجاجًا وطنيًا على نقص حليب الأطفال، قال حيال هذه الأزمة إنه لم يكن على علم بالأمر إلا بعد أن كانت أزمة بالفعل، وهى أزمة يبدو أنها ستستغرق شهورًا لحلها، حتى مع التدخل الفيدرالى.

  خطوات محسومة

أظهر استطلاع للرأى أجرته شبكة «سى إن بى سى» (CNBC)، خلال الأسبوع الثانى من الشهر الماضى على عينة من 800 ناخب أمريكى، رضا 37 % منهم فقط عن أداء بايدن، فى حين رفض 56 % أداءه، ولم يستطع 7 % منهم تحديد موقفهم. وتعد هذه ثانى أسوأ نسبة يحصل عليها رئيس أمريكى خلال عامه الأول فى الحكم، كما شهد هذا العام تراجع التأييد له من 57 % عند بدء حكمه يوم 20 يناير 2021، لينخفض بمقدار 20 نقطة كاملة خلال عام من حكمه.

ويؤثر على شعبية بايدن الفشل فى مواجهة فيروس كوفيد - 19، خاصة مع تفشى الإصابات بمتحور أوميكرون ووصوله إلى أكثر من مليون إصابة يوميًا، إضافة لرفع حجم الإنفاق الحكومى بأشكال قياسية، مما أثر على ارتفاع نسبة التضخم لتبلغ 7 % مقارنة بعام مضى، وهو أعلى مستوى فيما يقرب من 40 عامًا.

وسبب ارتفاع الأسعار معاناة لملايين الأمريكيين، ودعم رواية الجمهوريين بأنه لا يمكن الوثوق بالديمقراطيين ولا بقيادة بايدن فى الاقتصاد، وأن حزمة التحفيز التى قدمتها هذه الإدارة زادت من تدهور الوضع الاقتصادى.

وساهم الصراع المحتدم بين تيارات الحزب الديمقراطى فى شل أجندة بايدن لتحسين البنية التحتية الأمريكية، وخططه للإصلاحات الاجتماعية ولمواجهة التغيّر المناخى.

فى المقابل نجح الجمهوريون فى توجيه ضربات قوية لمشاريع وأجندة بايدن وعرقلوا تمرير قوانين حيوية فى خطته.

وعلى العكس من الديمقراطيين، يتمتع الجمهوريون بوحدة حزبية قوية خلف الرئيس السابق دونالد ترامب المعروف بـ«الأب الروحى للحزب الجمهورى» وقد أدى تماسك الحزب الجمهورى أمام تخبط أعضاء الحزب الديمقراطى و«ضعف» الرئيس الأمريكى نسبيًا أمام أزمات بلاده إلى فوز عدد كبير من أعضاء الجمهوريين مطلع مايو الماضى فى الانتخابات التمهيدية النصفية التى تحدد توازن القوى السياسية فى الولايات المتحدة للسنوات المقبلة، وقد فازت غالبية المرشحين المدعومين من الرئيس الجمهورى السابق دونالد ترامب، فى أوهايو وبنسلفانيا ونورث كارولاينا وألاباما.

  انتخابات تحديد المصير

فى الثامن من نوفمبر 2022 ستجرى انتخابات التجديد للكونجرس على كل مقاعد مجلس النواب الـ435، وعلى 34 من مقاعد مجلس الشيوخ المائة، بمن فيهم مرشحون ديمقراطيون فى دوائر متأرجحة بولايات مثل أريزونا وجورجيا ونيفادا.

ولا يحتاج الجمهوريون سوى الفوز بستة مقاعد إضافية فى مجلس النواب، ومقعد واحد إضافى فى مجلس الشيوخ ليحظوا بالأغلبية إليهم.

فى هذه المرحلة، من المرجح أن يسيطر الجمهوريون على مجلسى الكونجرس (الشيوخ والنواب) فى نوفمبر القادم، ويُتوقع أن يصيب الشلل أجندة بايدن خلال العام الثالث والرابع من فترة حكمه.

من هنا يبقى للرئيس بايدن نافذة صغيرة من الوقت لتمرير أى قوانين ذات مغزى فى عام 2022، بما فى ذلك خطة «إعادة البناء بشكل أفضل»؛ التى تُعد جزءًا أساسيًا من أجندته التى قد تقوى من عزيمة الديمقراطيين قبل مواجهات انتخابات 2022.

غير أن الخسارة قد تساهم بدور ما فى تسهيل مهمة ترامب، الذى أعلن منذ أيام استعداده لخوض معركة الانتخابات الرئاسية القادمة من أجل العودة إلى البيت الأبيض عام 2024.