الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
لماذا يُلدغ المصريون من جحر المستريح «مرات»؟

لماذا يُلدغ المصريون من جحر المستريح «مرات»؟

 عام 2015 ظهر فى الصعيد شخص اسمه أحمد مصطفى وشهرته أحمد المستريح، واستطاع وقتها النصب على عدد من المواطنين واستولى منهم على 30 مليون جنيه بزعم توظيفها لهم، فى البداية منحهم أرباحًا مرتفعة تفوق فوائد البنوك ما جعل الكثيرين يثقون فيه ويعطونه أموالهم للاستثمار فيها، ولكنه بعد فترة توقف عن السداد ولم يرد الأموال إلى أصحابها مدعيًا أنها خسرت، وتم القبض عليه وصدر ضده حكم بالسجن 15 عامًا، ولأن طريقته فى جمع الأموال والنصب على الناس تكررت فقد أطلقت وسائل الإعلام لقب المستريح على كل نصاب استخدم نفس الأسلوب، والغريب أنه رغم القبض على هؤلاء النصابين لم يتعظ البسطاء واستمروا فى منح أموالهم للمستريحين حتى إنه لا تكاد تمضى عدة شهور إلا ويسقط واحد منهم، حدث ذلك على مدى سبع سنوات منذ ظهور المستريح الأول فى محافظات مختلفة ومن بحرى إلى الصعيد، وآخرهم مستريح أسوان الذى تم القبض عليه مؤخرًا بعد استيلائه على ما يزيد على 200 مليون جنيه، هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة للإجابة عن السؤال لماذا يُلدغ المواطنون من نفس الجحر أكثر من مرة؟ وما الذى يدفعهم للجوء إلى هؤلاء النصابين لاستثمار أموالهم رغم التجارب المريرة لغيرهم؟ خاصة أن حكايات المستريحين يعرفها الجميع وتناولتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى بالتفصيل، ما يثير خوف أى مواطن من أن يتحول إلى ضحية مثل من سبقوه، وهل إغراء الحصول على أرباح كبيرة دون عناء أو جهد يجعلهم يغمضون أعينهم عن مخاطر ضياع أموالهم؟ ولماذا لم يشعروا بالقلق بسبب الأرباح غير الطبيعية التى يدفعها المستريح والتى تثير الشكوك فى أن استثمار أموالهم يتم فى أشياء غير مشروعة؟ ولماذا لم تنتبهم الهواجس أن تكون الأرباح المبالغ فيها هى الفخ المنصوب للاستيلاء على الأموال؟



لقد وقع الناس ضحايا للنصب منذ الثمانينيات بعد ظهور شركات توظيف الأموال والتى اعتمدت وقتها على استخدام ستار دينى فظهر أصحابها بمظهر المتدينين الذين يستثمرون فى العديد من المشروعات الضخمة ويعطون أرباحًا أكثر من البنوك، كما قاموا بحملة إعلامية لتحريم فوائد البنوك وتخويف المتدينين من المال الحرام، وإقناعهم أن أموالهم ستكون معهم حلال وأكثر طهرًا، كما استخدموا أيضًا عددًا من المشاهير ونجوم المجتمع ورجال الدين للترويج لهم، ما جعل البسطاء يندفعون لمنحهم مدخراتهم والتى ضاعت بعد أن تم كشف الملعوب، فى هذه الفترة كانت الحكومة شريكة فى الجريمة، فقد تركت هذه الشركات تعمل دون رقابة حقيقية ولم تتخذ ضدها أى إجراءات إلا بعد الخراب، ولا شك أن ظاهرة المستريحين هى امتداد لشركات توظيف الأموال، ولكن بشكل فردى وغير معلن، وإن كانت الدولة هذه المرة لم تغض الطرف عنها، بل سارعت بالقبض على النصابين وتنبيه المواطنين لخطورتهم، فما الذى يجعل الظاهرة تتكرر ويقع الناس فى نفس الحفرة رغم كل ما سبق؟

أعتقد أن ضحايا المستريحين ثلاثة أنواع، الأول هم من لجأوا إليهم اقتناعًا بأن فوائد البنوك حرام وهؤلاء يحتاجون حملة توعية فى وسائل الإعلام والمساجد لتعريفهم بفتاوى الأزهر ودار الإفتاء التى تحلل فوائد البنوك وترد على فتاوى تحريمها بأدلة قاطعة، والنوع الثانى ذهبوا إليهم طمعًا فى الأرباح الكبيرة التى تفوق فوائد البنوك وهؤلاء ينطبق عليهم المثل الشعبى «طالما الطماع موجود فالنصاب بخير»، أما النوع الثالث فهم الذين يخافون من تناقص قيمة أموالهم المودعة فى البنوك مع مرور الأيام والسنوات، وفى ظل ارتفاع التضخم وزيادة الأسعار المستمرة، وهؤلاء يبحثون عن تنمية مدخراتهم، ولكنهم لا يعرفون كيفية الاستثمار ولا التجارة، وليس لديهم الخبرة التى تعينهم على الاستفادة من أموالهم خاصة فى ظل ركود العقارات وتقلب سوق الذهب وهى الاستثمارات التى كانت تمثل أكثر الطرق أمانًا لأصحاب المدخرات غير الكبيرة، كما أنهم ليس لديهم ثقة فى التعامل مع البورصة، هؤلاء يحتاجون بالفعل إلى حملة من الدولة تكشف لهم كيفية استثمار أموالهم وأين يضعونها وهم مطمئنون؟ لذا لا بد أن تكون هناك خريطة بالاستثمارات الآمنة فى كل محافظة وفى وزارة الاستثمار وغيرها من الوزارات والهيئات المعنية، وتعريف المواطن بكيفية تكوين الشركات الصغيرة، ومساعدة أصحاب المشروعات الصغيرة حتى لا يتعرضوا للخسارة، وبذلك لا نتركهم للمستريحين، إذا فعلت الحكومة ذلك تكون أدت ما عليها ومن يذهب بعدها إلى المستريح فليتحمل ما يجرى له.