الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد أزمة مسلسل (فاتن أمل حربى) كيف يتعامل الأزهر والإفتاء مع المشكلات الزوجية؟

حقيقة التعامل داخل الأزهر الشريف ودار الإفتاء مع المشكلات الزوجية قضية أصبحت مثار حديث واسع عقب مسلسل (فاتن أمل حربى)، والتى أظهرت وجود فكر مضاد داخل المؤسّسة الدينية فى التعامل مع تلك المشكلات، كما أظهرت العالم والواعظ المتصدر لحل تلك المشكلات بأنه شخص انتهازى لبعض تلك المشكلات إمّا لكسب شهرة أو اكتساب علاقة خاصة.



 

ولخطورة هذا الطرح كان لا بُد من البحث عن حقيقة هذا التعامل بصورة موضوعية ومن خلال رصد بعض حالات النساء اللاتى خضن تجربة مثل تجربة بطلة مسلسل (فاتن أمل حربى)، ووجدنا أن نبدأ بحالة من الواقع تعاملت مع الأزهر لحل مشكلتها الزوجية وهى السيدة «ض.. ع» من القاهرة، بدأت أزمتها مع الزوج منذ ست سنوات بسبب تطاول الزوج المستمر بالضرب والشتائم وعدم القيام بواجباته نحو بناته ماديًا إلا بعد شجار مستمر، وانتهاءً بعدم مبالاته بعمله، وعمل علاقات نسائية، مما اضطر الزوجة إلى اللجوء للجنة لمّ الشمل بالأزهر الشريف، وأخبرت بأنه يتم اللقاءات بالزوجات فى حضور أكثر من عضو بالأزهر للسماع من الزوجين.

وتقول السيدة «ض.. ع»: لجنة لمّ الشمل تتعامل مع الزوجين اللذين لهما مشاكل يمكن حلها ولديهما نية صلح أمّا أصحاب المشاكل الكبيرة التى لا تحل إلا بالطلاق كما فى مثل حالتى فإن تلك اللجنة لا تستطيع أن تقدم دورًا فى الأمر، بدليل أنه عندما ذهبت للجنة وحدة لمّ الشمل وكان بها أربعة أعضاء بينهم دكتورة اجتماع، وجلست بداية مع اثنين من الشيوخ، بينما كان الزوج مع عضوين آخرين فى اللجنة فى غرفة أخرى للسماع منه، وحاولوا أن يعطوا فرصة ومهلة لعمل صلح، ورفضوا كلمة الطلاق؛ حيث كنت بحاجة إلى الانفصال بهدوء، وأعطونا مهلة شهرين ثم الجلوس مرة أخرى مع اللجنة.. وكتبوا تقريرًا به بعض الأمور وقمت بالإمضاء عليه أنا والزوج، وأعطونى رقم أحد أعضاء اللجنة للحديث إليها وقت اللزوم، ولم يلتزم الزوج بأى اتفاق تم، واستمرت المشاكل من الزوج، فتحدثت إلى اللجنة هاتفيًا لكن لم يحدث تفاعل حقيقى من اللجنة».

أضافت إن مشكلتها ما زالت قائمة، ولجأت للمجلس القومى للمرأة ودخلت فى دوامة إجراءات إدراية بتعيين محامٍ لأخذ حقوقها والانفصال. موضحة أن اللجان الشرعية لحل المشاكل الزوجية بحاجة إلى إيجاد طريقة مختلفة للتعامل مع الزوج الذى يماطل ولا يلتزم بأى حقوق لزوجته ويعتدى عليها.

الأزهر ومشاكل الأزواج

وبالبحث الدقيق عن تعامل الأزهر مع المشاكل الزوجية التى تُعرض عليه اتضح أنه يتم وفق اتجاهين؛ الأول من خلال وحدة تسمى لمّ الشمل، وهى وحدة أنشأها الأزهر فى 16 إبريل 2018؛ لعلاج مشاكل الأزواج؛ حيث يتم التنسيق مع المتصلين من مختلف المحافظات؛ حيث توجد استمارات يتم ملؤها لكل متصل أو مستعين بالوحدة، وخلال يوم يكون تم رفع الاستمارة للمنسق العام لتحديد من يكلف، ويتم التدخل لحل المشكلة خلال يوم واحد من التواصل.

الاتجاه الثانى استقبال حالات المشاكل الزوجية بلجان الفتوى بإدارات الأزهر المختلفة؛ حيث يقوم الوعاظ والواعظات بلقاء أصحاب المشكلة فى مكان اللجنة.

وفى كل حالة يتم بحث أسباب المشكلة بين الزوجين ويتم عقب جلسة منفصلة لكل من الزوجين كتابة إقرار من نسختين أحدها للزوجة وأخرى للزوج بالالتزام بعدد من الأمور التى من شأنها رفع الخلاف بينهما؛ حيث يوقع كل منهما على الإقرار بالالتزام بما جاء فيه مع إعطاء مهلة زمنية لمعرفة نتيجة الأمر بعد هذا الالتزام، وهو ما يحقق فى أغلب الأحيان صلحًا بين الأزواج الذين لديهم نية الصلح.

وعن حقيقة لقاءات الوعاظ حالات المشاكل الزوجية ووفقًا لتصريحات سابقة للشيخ عبدالحميد متولى رئيس وحدة لمّ الشمل فإنه يتم تخيير المتصل أو المستعين بوحدة لمّ الشمل بين أن يأتى لمقر المشيخة أو الوصول إليه من خلال أعضاء الوحدة؛ حيث يوجد ستة أعضاء أساسيين، بالإضافة إلى مشاركين من جامعة الأزهر ووعاظ بالأزهر ومشاركين من قطاع المعاهد الأزهرية فى مختلف المحافظات.

من جهتها توضح د.إلهام شاهين الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية لشئون الواعظات، أن بالأزهر الشريف لجان للفتوى منها الرئيسة، وهذه بالجامع الأزهر ومنها لجان رئيسة وفرعية بكل المحافظات، وفيها مجموعة من الواعظات للحضور مع الأساتذة العلماء من المفتين والتعاون معهم خاصة عند حضور العنصر النسائى لكى تتحدث معها المرأة فى الأمور التى تتحرج أن تتحدث فيها مع المفتى الرجل، وفى كل مكان يكون فيه لجنة فتوى كمعرض الكتاب أو المطار توجد الواعظة لاستقبال المرأة والتحدث معها فإذا تطلب الأمر تواصلاً خارج نطاق لجنة الفتوى أو اتصالاً هاتفيًا فيكون من خلال الواعظة مع المرأة، والأزهر يفعل ذلك تجنبًا للشبهات وحتى تشعر المرأة بالراحة والطمأنينة ولا يكون هناك مجال لتدخل ذوى النفوس المريضة. 

ولفتت إلى أن الكذب الذى يروّج له من لقاء منفرد خارج اللجان بين من يتعهد بالإفتاء وأى حالة من الحالات النسائية ليس له وجود وفق ما تقوم به لجان الفتوى على أرض الواقع.

 الإرشاد الزوجى

أمّا دار الإفتاء المصرية فتتبع منهجية علمية فى التعامل مع المشكلات الزوجية وحلها من خلال مركز الإرشاد الزواجى، الذى يرأسه د.عمرو الوردانى؛ حيث إن من بين مهام هذا المركز جلسات الإرشاد الزوجى التى يتم فيها لقاء الزوجين أصحاب المشكلة لعمل الصلح، إلا أنه أيضًا لا يتدخل لإنهاء العلاقة الزوجية نظرًا لصعوبة المشاكل ووفقًا لمنهجية هذا المركز فإنه يقوم بعدة مهام للمساهمة من الحد من المشاكل الزوجية؛ أولها مهمة تثقيفية تتمثل فى الندوات والمحاضرات لنشر ثقافة الزواج الرشيد، والمهمة الثانية الإرشاد الزواجى وهى جلسات إرشاد يكون بها 3 أعضاء للجنة عضو شرعى وعضو نفسى وعضو فى التطوير الحياتى لاستقبال الحالة، وينعقد من خلالها عقد جلسة للزوجين الراغبين فى الإصلاح؛ حيث تذكر التقارير أن سمعة تلك الجلسات فى غاية القوة، وتحقق دورًا إيجابيًا فى التوعية وإعادة صياغة مفهوم الأسرة لدى الناس ويحال إليها الحالات من خلال إدارة الفتوى الشفوية، أو من خلال صفحات التفاعل مع دار الإفتاء، أو من بعض الجهات المختصة.

أمّا المهمة الثالثة التى يقوم بها مركز الإرشاد الزوجى بدار الإفتاء؛ فهى عقد دورات تأهيل المقبلين على الزواج؛ حيث تم عقد 15 دورة للمقبلين على الزواج من خلال برنامجًا مثمّن الأبعاد به 8 متخصصين، فيما تتمثل المهمة الرابعة فى الدور الاستشارى للمركز من خلال إعداد ورق عمل يتم عرضها فى عدد من المشاركات المتعلقة بالأسرة. 

 أشهر المشاكل الزوجية

ومن خلال البحث والرصد تبين أن العديد من المشكلات الزوجية التى تطرح على الإفتاء تظهر من خلال اللقاءات وطلب الفتوى؛ أولها تتعلق بما قبل إتمام الزواج كمشكلة حق المرأة فى قائمة المنقولات وإمضاء الزوج على هذه القائمة؛ حيث ترى فيها دار الإفتاء أن تلك القائمة إذا استُخدِمَت فى موضعها الصحيح ولم تُستَخْدَم للإساءة ليست أمرًا قبيحًا، بل هى أمرٌ حَسَنٌ يَحفظ حقوقَ الزوجة ولا يَضُرُّ الزوجَ، ولا تُصادِمُ نصًّا شرعيًّا، ولا قاعدةً فقهيةً، وإنما هى مُتَّسِقَةٌ مع الوسائل التى استَحَبَّها الشرعُ فى العُقودِ بِعَامَّةٍ؛ كاستِحبَابِ كتابةِ العُقودِ، واستِحبَابِ الإشهادِ عليها، وعَدَمُ وجودها فى الزمنِ الأولِ لا يُشَوِّشُ على مشروعيتها؛ لأنها تَتَّسِقُ مع المقاصد العامَّةِ للشريعة مِن السعيِ لضمانِ الحقوقِ، ورَفْعِ النـِّزاع، فهى ليست البدعةَ المذمومةَ المَنهِيَّ عنها، بل هى بدعةٌ مُستَحسَنَةٌ مَمْدُوحَة، يَصِحُّ أن يُقال فيها وفى أمثالها كما قال عمر رضى الله تعالى عنه: «نِعمَتِ البِدعةُ». وعليه: فلا حَرَجَ شرعًا فى الاتفاق على قائمة العَفْش عند الزواج، ولا بأس بالعمل بها، مع التنبيه على عَدَمِ إساءة استخدامها.

بينما يأتى ضرب الزوجات فى المرتبة الأولى فى قائمة المشكلات الزوجية التى تعرض على دار الإفتاء؛ حيث تفتى الإفتاء فيها بالحرمة، وتؤكد أن الشرعُ الشريف أمر الزوجَ بإحسان عِشْرة زوجته، حتى جعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم معيار الخيرية فى الأزواج قائمًا على حُسْن معاملتهم لزوجاتهم،كما حَثَّ الشرعُ على الرِّفْق فى التعامل بين الزوج والزوجة، ودعا النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفق فى الأمر كله؛ ولم يَرِد عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قد أهان أو ضرب أحدًا من زوجاته أبدًا، فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: «مَا ضَرَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا قَط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا،...» (أخرجه مسلم). لذلك تفتى الإفتاء بأن إهانة الزوج لزوجته واعتداءه عليها - سواء كان بالضَّرْب أو بالسب- أمر محرّم شرعًا، وفاعل ذلك آثمٌ، ومخالف لتعاليم الدين الحنيف.

ويقول د.شوقى علام مفتى الجمهورية، إن القرآن الكريم يرشدنا من خلال مراحل وعظية ومراحل تأديبية، ويبين لنا طريق الصواب فى التعامل مع الخلافات الأسرية. ويجب أن نفهم الأمر وَفقًا للمسلك والنموذج النبوى الشريف فى تعامل النبى مع زوجاته، فتقول السيدة عائشة رضى الله عنها وعن أبيها: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا من نسائه قط، ولا ضرب خادمًا قط».

ولفت مفتى الجمهورية النظر إلى أن حل المشكلات الزوجية بالضرب وإبراز السلبيات هو مسلك الضعفاء وغير المنصفين الذين لا يديرون الأسرة إدارة حسنة، بل يتعارض مع الميثاق الغليظ، فضلًا عن أنه من غير المحبب استعمال الضرب حتى ولو كان يسيرًا.

وأكد فضيلة المفتى أن العنف الأسرى يتعارض كذلك مع مقاصد هذه الحياة الخاصة فى طبيعتها، التى مبناها على السكن والمودة والرحمة، بل يُهدِّد نسق الأسرة بإعاقة مسيرتها وحركتها نحو الاستقرار والأمان والشعور بالمودة والسكينة، ومن ثَمَّ يؤذن بتحولها لتكون موطنًا للخوف والقلق والشجار المستمر ونشر الروح العدوانية، فضلًا عن مخالفة هذا العنف لتعاليم الإسلام؛ فقد حث الشرع الشريف على اتِّباع الرفق ووسائل اليسر فى معالجة الأخطاء، وتغليب ثقافة الحوار بين الزوجين.

 حقيقة القوامة

كما يأتى الفهم الخاطئ للقوامة والتعنب فى الإنفاق وفق تلك القوامة ضمن قائمة المشاكل الزوجية؛ حيث يؤكد د.شوقى علام مفتى الجمهورية أن قوامة الزوج لا تعطيه حقًّا يتسلط به على أسرته أو تجعله متفردًا فى اتِّخاذ القرارات.

وأوضح أن القوامة تكليف من الله عز وجل للرجل وليست تشريفًا له، وهى مسئولية عظيمة ودقيقة فى الوقت ذاته أخذًا من معانيها اللغوية ومن تصرف النبى الكريم، فهو النموذج الصحيح فى هذا الأمر، وكذلك فهى لا تعطى للرجل حقًّا يتسلَّط به على أسرته أو تجعله متفردًا فى اتِّخاذ القرارات».

ولفت مفتى الجمهورية النظر إلى أن القوامة يجب أن نفهمها فى ضوء النموذج التطبيقى النبوى الشريف؛ فالنبى صلى الله عليه وآله وسلم لم يجعل أبدًا القوامة حجة للتسلط على المرأة أو إهانتها، بل كان معاونًا فى شئون بيته؛ وفى خدمة أهله.

وأضاف إن الرجل فى إطار العلاقة الزوجية تثبت له القوامة بالنص الشريف؛ وذلك بقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، وهى تعنى مسئولية الرجل عن الأسرة المكونة من الزوجة والأولاد إن وجدوا، ولا ترتب بحالٍ حقًّا يتسلط به الرجل على المرأة، بل لقد حث الشرع الشريف الزوج على طلب مشورة زوجته فى شئون تدبير العائلة؛ فإن التشاور يظهر الصواب ويحصل به التوافق بينهما.

وأكد المفتى أن اللغة لا تساعد على استنتاج معنى التسلط من لفظ القوامة المذكور فى الآية الكريمة، لأن (قوَّام) بالتشديد يعنى القائم على حقوق الله تعالى؛ كما جاء فى القواميس والمعاجم كـ «القاموس المحيط»، والـ (قوَام) بالتخفيف يعنى العدل والوسط بين الطرفين؛ كما جاء فى «القاموس» أيضًا، فعلى هذا كله لا تنتج القوامة تسلطًا واستعلاءً، بل تنتج قيامًا على الحق وعدلًا فى تولى الأمر.

وأشار إلى أن كل هذه المعانى الواضحة تدخل فى مضامين المسئولية والولاية، لأنه لا يعقل أن القائم على حقوق الله تعالى أو على الحقوق جميعًا يمكن أن يكون متسلطًا على هذه الحقوق، بل الأدق أن يقال إنه أضحى مسئولًا عن هذه الحقوق بكل تفاصيلها.

وشدد المفتى على أن مفهوم القوامة الزوجية وحقائقه يدور حول قيادة الأسرة وضبط أمورها وانتظام شئونها فى رشد وحكمة؛ فالقوامة ليست سُلطة عليا فى يد الرجل يترتب عليها إلغاء شخصية المرأة فى البيت أو تهميش دورها؛ بل تحقق القوامة مصلحة الأسرة عندما يدير الزوج بها الأسرة إدارة حسنة رشيدة بما يحقق المصلحة للأسرة جميعًا بعيدًا عن الرعونة والتسلط.