السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أيام الصمت والحذر فى أمريكا.. هذا ما رأيته.. هذا ما سمعته..  هذا ما سيحدث!

أيام الصمت والحذر فى أمريكا.. هذا ما رأيته.. هذا ما سمعته.. هذا ما سيحدث!

هنا شيكاغو عاصمة ولاية إلينوى.. هنا شيكاغو ثالث أكبر المُدن الأمريكية بَعد نيويورك ولوس أنجلوس.



لشيكاغو أهمية اقتصادية كبرَى من خلالها تستطيع أن ترصد مؤشرات عدة حول ما يجرى فى الاقتصاد الأمريكى الذي يعانى من موجة بطالة وتضخم وارتفاع أسعار طالت كل شىء ومن خلفه الاقتصاد العالمى الذي يترنح تأهبًا لكساد كبير أو زلزال عنيف.

لشيكاغو سُمعة تاريخية تفرض نفسَها على الذهن عند سماع اسمها، وذلك لارتباطها بفكرة الجريمة وقالوا إن إعلامها المَحلى يستمد قوّته من قصص الجريمة أيضًا.

من المهم أن تسمع؛ ولكن الأهم أن ترَى وبين محصلة إدراك الحواس تأتى القدرة على قراءة مستقبل الأيام.

أعلن البنك الفيدرالى الأمريكى رفْعَ سعر الفائدة للمَرّة الثانية أمَلاً فى احتواء موجة تضخم عاتية بهدف وقف نزيف تدهور القوة الشرائية للدولار الأمريكى.

واقعُ الأمْر أن الاحتواء لن يحدث؛ ولكنه مُسَكن.. كحال مَن يستجير من وجَع مرض عضال بحَبّة «أسبرين» يشعر نفسيًا أنه حصل على دواء؛ ولكن أمل الشفاء يظل بعيدًا.. وهذا هو الحال.. باتت البطالة سمة واقعية.

ارتكن العاطلون لإعانات البطالة التي قررتها الإدارة الأمريكية كنوع من الدعم الاجتماعى بَعد ما أحدثته كورونا ومع عودة الحياة لطبيعتها على الرغم من استمرار تفشى كورونا فالعاطلون يفضلون الإعانة على العمل، وهو ما أحدث ارتفاعًا فى سعر ساعة العمل وفى الوقت نفسه تراجُعًا فى الإنتاجية.

مما فتح أبوابَ (الفساد) على مصراعيه.. نَعَم لا تستغرب الفساد موجود فى كل المجتمعات، ولكنه هنا مستتر.. بمَبلغ أربعة آلاف دولار يتم بيع (هويّة عمل) أو (سوشيال سيكيورتى) مزيف أصحابه من الأموات.. وهذا ما سمعته!

أمّا ما رأيته فهو عملية تغيير فى التركيبة المحافظة للمجتمع الأمريكى من خلال فرض حضور هوية المثلية الجنسية على الواقع الأمريكى.. بشكل غير مسبوق.. ألوان الرينبو باتت متداخلة فى كل طيف مجتمعى.. حتى ألعاب الأطفال لم يتوقف أمامها هذا الزحف الذي يقوده الديمقراطيون تحت بند الحريات، وهو الأمْرُ الذي يحاربه الجمهوريون بشراسة؛ خصوصًا المحافظين داخلهم.

تغيير التركيبة المجتمعية والاقتصادية لها بُعد سياسى يجعلنا نستحضر المتغيرات الأمريكية فى السنوات القليلة الماضية؛ حيث باتت الجغرافيا السُّكانية تميل ناحية الكتل البشرية التي يميل هواها السياسى ناحية المنهج الجمهورى المحافظ، وبالتالى فالبُعد الاقتصادى والاجتماعى للديمقراطيين عمَدَ خلال العام المنقضى إلى استمالة شرائح جديدة من بينهم المهمشون العاطلون عن العمل، وبالتالى يتحقق مكسبٌ سياسىٌ على حساب حركة الاقتصاد وقوّته الرأسمالية، وكذلك شريحة المثليين؛ حيث بات الفكر الديمقراطى مدافعًا عنهم؛ بل حصنهم السياسى، وبالتالى يتحقق مكسب انتخابى على حساب فكرة الأسْرة السليمة التي تشكل نواة كل المجتمعات. لم يتوقف الأمْرُ عند هذا الحد؛ بل أصبحت أيضًا  مَتاجر (الماريونا) المرخصة طقسًا تجاريًا واضحًا وفاضحًا.. وهذا ما رأيته! 

هذه متغيرات واضحة على التركيبة الأمريكية تم تمريرها فى السنوات الماضية.. الآن دعنا نفكر سويًا ونجتهد فى قراءة ما سيحدث وقبلها خُذ فى حسبانك أيضًا المعطيات الآتية؛ أولها فوضى السلاح المجتمعى المنتشر فى يد الجميع كأحد تبعات الاستقطاب السياسى، وهو ما جعل عمليات القتل العشوائى تسجل فى العام 2021 نحو 15 ألف عملية قتل، وهو الرقم الأعلى فى تاريخ أمريكا منذ 60 عامًا!

ثانيًا إن الاستقطاب السياسى لم ينتهِ، ولم يبتلع الناخبون الجمهوريون نتائج العملية الانتخابية بَعد، وامتد الأمْرُ إلى الشرائح الرمادية التي تقف بين الحزبَين، وهو ما ظهر فى انتزاع الجمهوريين انتخابات ولاية فيرچينيا، وهو ما تعكسه أيضًا استطلاعات رأى حول شعبية إدارة بايدن التي تراجعت بقوة بحسب ما أعلنته «سى. إن. إن» المعروف تأييدها للإدارة الحالية.

الإدارة الأمريكية يتصدر خطابها السياسى تطورات الحرب الأوكرانية، فى حين أن المواطن الأمريكى لا يعنيه سوى جودة معيشته، لا يهتم حتى بما يجرى فى الولاية المجاورة له.

الإعلام الأمريكى يغض الطرف عن تزايُد عمليات القتل وأن الإفراج يتم عن بعض القتلة تحت بند أنه يعانى من ضغط عصبى خلّفته كورونا!

الإعلام الأمريكى يعانى اقتصاديًا؛ خصوصًا الإصدارات الورقية.. معظم الصحف المحلية اختفت.. الصحف الكبرى فقط حافظت على تواجُدها مع تراجُع واضح فى حجم إصداراتها، بينما لا تزال المجلات الترفيهية والسياسية والاجتماعية على حالها.. وهذه ملاحظة عابرة.

عملية هجرة داخلية بدأت تحدث من الولايات عالية الضرائب إلى ولايات منخفضة الضرائب.. هذا الأمْرُ قد يبدو للقارئ أمْرًا عاديًا، ولكن له بُعد اجتماعى مهم لأن كل ولاية لها تركيبتها الاجتماعية والسكانية وإطارها القيمى، وبالتالى فإن الانصهار ليس بالأمْر السهل.

هنا على صفحات مجلة «روزاليوسف» وفى نوفمبر 2020 كتبت سلسلة تحقيقات من واشنطن تحت عنوان «أمريكا على المحك».. الآن أصبحت على الحافة، فالشحن الداخلى بلغ مداه فى بلد أتفاعل معه صحفيًا وسياسيًا منذ أكثر من عقد من الزمان.

كل المؤشرات تقول إن طريق الجمهوريين بات سهلاً فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى.. هذا إذا مرّت الأمور فى مجراها الطبيعى؛ ولكن الاستثناء قد يحضر أو سيتم إحضاره من تفاعلات الأزمة الأوكرانية.. وبالتالى باتت الأيام الحالية أيام الصمت والحذر فى أمريكا!