الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ضوء فى النفق المُظلم

ضوء فى النفق المُظلم

لا يعرف أغلب المصلين فى مسجد الحسين أن من أشرف على ترميم المجسد العريق مهندسة مسيحية؛ أوكلت إليها هذه المهمة منذ أسابيع وقامت بها بكل محبة وهمة وكفاءة ليكون جاهزًا لاستقبال المصلين قبل شهر رمضان، المهندسة جاكلين سمير  تعمل فى شركة «المقاولون العرب» فى قسم ترميم المبانى الأثرية، وبسبب كفاءتها أسند إليها وزير الأوقاف  ترميم وتطوير العديد من الآثار الإسلامية أبرزها أحد عشر مسجدًا منها مساجد الرفاعى والإمام الشافعى وشيخون البحرى والسيدة عائشة والمنطقة المحيطة به والإمام الليثى والغورى والفتح الملحق بقصر عابدين، كما قامت بتطوير المركز الثقافى الأسلامى بتنزانيا، بجانب قصور عائشة فهمى وعابدين، وحصلت هى وفريقها وشركة «المقاولون العرب» على جائزة عالمية فى ترميم الآثار بعد قيامها بتطوير كنيسة مار جرجس اليونانية فى منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة، ورغم أننى أرفض التصنيف الدينى وإضافة الديانة إلى الأسماء باعتبارها أمرًا مذمومًا لأن الجميع مصريون، إلا أننى وجدت نفسى مضطرًا لذكرها  لدلالتها المهمة، فالآثار والأوقاف لم يجدا حرجًا فى أن تقوم بالتطوير مسيحية، والقائمون على المساجد وآخرها الحسين لم يلتفتوا إلى ديانتها ورحبوا بها، بل إن أهالى المناطق المحيطة بالمساجد كما قالت جاكلين فى تصريحات لها كانوا يدعون لها، وأحدهم قال إنه قرأ لها «عدية يس» بسبب ما تقوم به من أعمال رائعة.



المهندسة عاشقة الآثار والفن والعمارة الإسلامية لم تتوان عن إعطاء خبرتها وتوظيف كفاءتها وهى ترى نفسها سفيرة لعقيدتها، هذا الأمر واحد من الأشياء المضيئة فى نفق الطائفية المظلم الذى يريد البعض جرنا إليه، ففى الأيام السابقة حدثت عدة وقائع بعضها كان بالصدفة وأخرى أعتقد أنها مدبّرة ولكن كلها تصب فى اتجاه إشعال الفتنة وتقسيم المجتمع إلى مسلمين ومسيحيين، وزادت مواقع التواصل الاجتماعى من سخونة الأحداث بشدة والبعض كان يرمى الزيت على النار، ولكن حتى فى هذه الوقائع المؤسفة كان هناك ضوء يواجه الظلام، مثلا فى واقعة مطعم الكشرى الذى رفض المشرفون عليه السماح لطفلة مسيحية بالأكل داخله قبل آذان المغرب جاء الاستنكار والدعوة إلى مقاطعة المحل من عدد غير قليل من المسلمين، وبلا شك أنه أمر إيجابى أن يتفاعل مسلمون مع هذه القضية وهو ما اضطر المطعم إلى الاعتذار، وربما كان أحد الإيجابيات فى الواقعة هو لفت انتباه المطاعم وما شابهه إلى أهمية تقديم الخدمة دون تفرقة دينية، وكان رفض المسلمين لما حدث عاملًا أساسيًا فى ذلك، وهو ما جعل أحد المحلا التى تقدم الآيس كريم والكاب كيك إلى الاعتذار ومعاقبة المشرفين على أحد الفروع عندما امتنعوا عن تقديم الخدمة قبل المغرب لأحد الأطفال المسيحيين بعد واقعة محل الكشرى، ما يؤكد أن الحملة الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعى كان لها تأثير كبير، كما كان لاستنكار المسلمين قبل المسيحيين دور كبير فى تقديم صحيفة خاصة يومية اعتذارًا عن نشرها فتوى شاذة لأحد السوريين عن تحريم تقديم الوجبات فى نهار رمضان، ما أقصده أن المجتمع يتطور نحو المواطنة وحتى ولو كان بطيئًا أو ليس بالسرعة التى نتمناها فإن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وعلينا أن ننمى هذه الخطوات، لقد لفت نظرى فى جريدة صوت الأزهر وصف الإمام الأكبر  للمتنيح القمص ارسانيوس بشهيد الوطن بعد قتله غيلة، وأعتقد أنها المرة الأولى التى أطلق عليها أحد شيوخ الأزهر لقب الشهيد على القساوسة، وهو أمر يستحق التحية  والتشجيع، ولا ننسى ما يقوم به بعض المسيحيين من مساهمات جادة فى إفطار الصائمين بتقديم وجبات أو المساعدة فى موائد الرحمن وهو ما رأيته بنفسى فى إحدى موائد الرحمن بمنطقة المنيرة، لا أنكر أن مجتمعنا مازال يعانى من محاولة السيطرة على عقله وجره نحو التطرف والتشدد وكراهية الآخر، ولكن المشاهدات السابقة تقول إننا لن نستسلم وسننتصر فى معركة المواطنة.