الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

روضة رمضان.. خلل الأخلاق يضيع ثواب الصوم والعبادة فى رمضان

قد يرى البعض أن الصوم بامتناع الطعام والشراب والكف عما يفسد الصوم ظاهرًا هو أهم عوامل قبول صوم الصائمين، بينما يتجاهل البعض قضية مهمة فى الصوم وهى الرقى بالنفس والأخلاق، والتدريب على المراقبة لله، لاسيما أن الصوم هو عبادة مراقبة لله تعالى.



 

 

ولقد أوضح العلماء أن فساد الأخلاق عند البعض يؤدى لضياع ثواب عبادة الطاعة فى رمضان، وأنه لا بد أن يسمو الصائم بأخلاقه، وعدم التذرع بالصوم لفعل الأخطاء. 

بداية يوضح د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن حسن الأخلاق وحسن التعامل مع الخلق دليل على صحة العلاقة وصدق النية مع الخالق (عز وجل)، أما سوء الأدب مع الخلق فهو أيضًا سوء أدب مع الخالق، لأن الخالق هو من أمرنا بمكارم الأخلاق.ورمضان هو شهر الصبر، وشهر الحكمة، وشهر الصدق، وشهر العفو، وشهر الصفح، وشهر الكرم، وشهر الأدب، وشهر القرآن الذى هو مناط مكارم الأخلاق.

واستطرد: لقد سُئلت السيدة عائشة (رضى الله عنها) عن أخلاقه (صلى الله عليه وسلم) فقالت: «كان خلقه القرآن».ولما عاد نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلى السيدة خديجة (رضى الله عنها) عند بدء نزول الوحى عليه يقول «زملونى زملوني» قالت: كلَّا! والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق «هذه هى أخلاق ديننا وأخلاق نبينا (صلى الله عليه وسلم): إكرام الضيف، وصلة الرحم، وإعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف، وسائر مكارم الأخلاق. وإذا كانت هذه هى أخلاق الإسلام بصفة عامة، فإن الاستمساك بها فى هذا الشهر العظيم أولى.

من جانبه يرى د. عبد الله النجار الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أنه من الطيب أن ترتبط أخلاق الصيام بالشروط التى يحب أن تتوافر لصحة الصيام، ذلك أنه إذا كان الصيام مطلبا شرعيا يثاب المسلم على فعله، فيجب أن يكون الصوم محفوفا بالأخلاق الطيبة والسلوك الحميد من الصائم، وإلا فإنه إذا أتى بالعبادة من وجه، ثم قرنها بفعل معصية من وجه آخر فإنه لن يكون أفلح فى أداء مهمته، أو أدى العبادة على الوجه المطلوب، ويكون مثله مثل من يبنى، ثم يهدم ما بناه، وهذا تصرف لا يفعله عاقل، ولذلك نرى أن هناك ارتباط أخلاق بين العبادات والأخلاق.

ولفت إلى أن الأدلة تتوافر على وجوب التمسك بالأخلاق الطيبة والسلوك الحميد للصائم، وعليه أن يسمو بتصرفه وبأخلاقه، فلا يجوز له أن يصخب أو أن يجهل أو يسب أحدًا مستغلا ما يحدثه الصوم من ضيق عندما يُحرم من الطعام والشراب، ولذا يجب عليه أن يحافظ على لسانه عن العيب والتلفظ بما يغضب الله سبحانه، بل حتى وإن وقع عليه اعتداء من غيره، بل يجب عليه أن يكون صبورًا، حيث يقول النبى (صلى الله عليه وسلم) : «إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ».

أضاف أن الناظر إلى هذا الربط الأخلاقى بين العبادة والأخلاق، يجد أن هناك تلازمًا بين حسن الخلق وأداء الفريضة، وأن الخلل الأخلاقى يؤدى إلى ضياع هذه الفريضة، أو على الأقل ضياع ثوابها، فتأكل الحسناتِ السيئاتُ، وهذا نوع من السفه، لافتا إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حذر من مغبة التفريط فى الجانب الأخلاقى، والإتيان الظاهرى للعبادات، فيقول (صلى الله عليه وسلم): «رُبَّ صائمٍ ليس له مِن صِيامِه إلَّا الجوعُ»، فالصائم يحرم نفسه من الطعام والشراب، لكن هذا ليس هو المقصود بذاته، ولكن المقصود هو الوصول إلى الكمال الأخلاقى، مشيرًا إلى أنه إذا كان الصائم يتعفف عن بعض الحلال، فعليه أن يتجنب التبذير والإسراف عند الإفطار، لأن هذا يؤثر بالسلب على الجانب الاقتصادى ليس على الفرد فقط، بل على الاقتصاد العام للمجتمع، وعلى هذا يجب على الصائم أن ينتبه إلى هذا الجانب لأن التبذير والإسراف محرم، قال تعالى: «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ»، ويقول سبحانه : «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ».

وشدد د. النجار أنه لا يعقل أن يحرم الإنسان من الطعام والشراب طيلة اليوم، ثم يرتكب الإسراف، فيكون قد أطاع الله فى جانب، ثم عصاه فى جانب آخر، فيكون مفلسًا، يقول النبى (صلى الله عليه وسلم): «أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتى يَأْتى يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتى قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ فى النَّارِ».

 عادات خاطئة 

الدكتور على الله الجمال إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة يرى أن هناك جملة من العادات والثقافات التى يجب أن تتغير عند الصائم فى شهر رمضان، ومنها : الإسراف فى الطعام والشراب فى هذا الشهر الكريم؛ لأنه إذا لم يقم بتعديل سلوكه فى ذلك فقد نسى أهم ما يميز هذا الشهر على نفوس الصائمين بعد التقوى، وهو كبح جماح النفس وشهواتها فى الإسراف والإنفاق؛ لذلك قال العارفون: من أسرف فى الحلال يوشك أن يقع فى الحرام، فترك الإسراف فى الحلال يجعل بينك وبين الحرام مسافات كبيرة. وأوضح الجمال قائلا: أن الصائم حاله الوقار والسكينة والطمأنينة، والارتباط بكتاب الله (عز وجل)، فالإمام مالك (رحمه الله) كان إذا دخل رمضان اعتزل الفتوى ودراسة الحديث ونادى فى الناس قائلا: هذا شهر القرآن هذا شهر القرآن.. لذلك كان على الصائم التحلى بالأخلاق الفاضلة التى يجسدها القرآن الكريم ففى قول السيدة عائشة (رضى الله عنها ) فى أخلاق رسولنا الكريم : «كان قرآناً يمشى على الأرض»، والمعنى : كان تطبيقاً كاملاً للمنهج الذى جاء به من الحق تبارك وتعالى، ومن هنا يصل إلى درجة السلام النفسى الذى يجعله مؤتمنًا على كل شىء؛ لأن الصيام يحقق السلام المجتمعى والأمن النفسى بين الإنسان وخالقه، ثم بينه وبين نفسه وبين الناس.

من جانبه ،أكد الشيخ محمد عيد كيلانى من علماء الأوقاف أن الأخلاق فى الإسلام هى مفتاح الرقى للمجتمعات وسر سعادة البشرية، وحسبنا أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان جملة من الأخلاق تمشى على الأرض، ومن أخلاقه حسن تعامله مع جميع الناس، حتى مع من أساء إليه. 

ولفت إلى أن القرآن الكريم أمرنا بالقول الطيب الحسن فقال سبحانه: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» فالقرآن الكريم أمرنا أن نتعامل مع جميع الناس بالخلق الطيب والقول الحسن اقتداء بالنبى (صلى الله عليه وسلم) فقد شرح له صدره، وأعلى شأنه، ورفع ذكره، وجمع له مكارم الأخلاق والآداب، فقال سبحانه: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ».

وأكد أننا إذا أردنا أن نرتقى بأخلاقنا ومجتمعنا فلا بد من الاقتداء بالقدوة الحسنة، فالقدوة عامل أساسيّ فى تكوين الأخلاق، قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»، مشددا على الأخلاق الفاضلة هى التى تعصم المجتمعات من الانحلال، وتصونها من الفوضى والضياع، فسلامة الأمة وقوة بنيانها، وسمو مكانتها وعزة أبنائها، بتمسكها بالأخلاق الفاضلة، كما أن شيوع الانحلال والرذيلة نتيجة لنبذ الأخلاق والأفعال الحميدة، فما أحوجنا إلى أن نقتدى بأخلاق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى سلوكنا، وأخلاقنا، ومعاملاتنا، فنتحلى بالرحمة والرأفة واللين والسماحة، وأن نعامل الناس بما كان يعاملهم به (صلى الله عليه وسلم)، نشرًا لرسالته، وبيانًا لهديه وسنته، فتتحول الرحمة إلى سلوك عملي في حياتنا.