الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. حكومات العالم تواجه موجة قاسية من التضخم وارتفاع الأسعار حقوق الإنسان تدفع فاتورة الأزمة الأوكرانية

حقك.. حكومات العالم تواجه موجة قاسية من التضخم وارتفاع الأسعار حقوق الإنسان تدفع فاتورة الأزمة الأوكرانية

لم يتوقف الصراع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب وروسيا والصين وحلفائهم من جانب آخر داخل حدود العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، وكان التصعيد الاقتصادى الخطير بين القوى العظمى وما نتج عنه من زيادة كبيرة فى أسعار الوقود سبباً مباشرا فى زيادة معدلات التضخم والتأثير المباشر على حركة التجارة والاقتصاد العالمى، ثم كان قرار البنك المركزى الأمريكى برفع الفائدة لمعالجة التضخم فى الولايات المتحدة بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير .



 

حيث تسببت فى انهيار أسعار العملات، ومن ثم زيادة الأسعار وانفجار موجات غلاء تصاحب تحذيرات أممية من أزمة غذاء مرتقبة بعد توقف روسيا وأوكرانيا عن تصدير القمح وهما من أكبر منتجى الحبوب فى العالم ليواجه العالم مأزقًا يتعدى مخاطرة جائحة كورونا.

ملايين البشر يدفعون فاتورة صراع القوى العظمى، فما يؤذى الاقتصاد فى زمن العولمة يتشارك الجميع فى تسديد ثمنه، ويتعاظم الخطر فى الدول ذات الكثافة السكانية العالية لأن زيادة عدد السكان يضاعف الأعباء الملقاة على الحكومات، وخاصة الدول من أصحاب الاقتصاديات الناشئة، لأنها تدفع نحو زيادة معدلات الفقر وتؤثر بشكل مباشر على حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية مع تزايد الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للأسر والتأثير المباشر على أسعار خدمات قطاعات التعليم والصحة.

ظهر التأثير المباشر للحرب فى أوكرانيا على دول مثل الأرجنتين والهند وباكستان ونيجيريا وجنوب أفريقيا وتايلاند وكازخستان وتركيا وغيرها من الدول التى هبطت قيمة عملتها المحلية مقابل الدولار وتأثرت بموجة التضخم التى بدأت مؤشراتها تلوح قبل بدء العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، حيث ارتفع سعر برميل النفط إلى مستويات قياسية، وتصاعدت بالتبعية أسعار كل السلع عالميًا والتهمت الأسعار ومعدلات التضخم الأخضر واليابس وكل مكتسبات الاقتصاديات الناشئة مع التوقع بوصول السعر إلى 120 دولارًا للبرميل وإمكانية وصول سعر برميل النفط لنحو 150 دولارًا بحلول يوليو المقبل، إذا ما تصاعدت المواجهات داخل أوروبا.

الأخطر ما يتعلق بأسعار الغذاء، لأنه يهدد تصاعد المواجهات بين القوى العظمى بتعطيل إمدادات القمح من الدولتين، وتلعب كل من روسيا وأوكرانيا دورًا جوهريًا فى استقرار الأمن الغذائى العالمى، وبالفعل ارتفعت العقود الآجلة للقمح على المستوى العالمى بنحو 10% واقتربت أسعار الذرة خلال أواخر يناير 2022 من أعلى مستوياتها منذ يونيو 2021، ما يؤدى إلى تضاعف أسعار الغذاء بشكل كبير خلال الفتره المقبلة.

وبحسب تقرير صدر عن صندوق النقد الدولى حذرت المؤسسة الدولية أن الحرب فى أوكرانيا سيصل صداها إلى ثلاث قنوات رئيسية. أولا، ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة سيدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع، مما يؤدى بدوره إلى تآكل قيمة الدخول وإضعاف الطلب. وثانيًا، الاقتصادات المجاورة بصفة خاصة سوف تصارع الانقطاعات فى التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين فى الخارج كما ستشهد طفرة تاريخية فى تدفقات اللاجئين.

وثالثًا، تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين سيفضيان إلى إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما الحفز على خروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة.

وقال تقرير الصندوق إن البلدان التى ستشعر بمزيد من الضغوط هى تلك التى لديها علاقات تجارية وسياحية وانكشافات مالية مباشرة. أما الاقتصادات التى تعتمد على الواردات النفطية فسوف تسجل معدلات عجز أعلى فى المالية العامة والتجارة وتشهد ضغوطًا تضخمية أكبر، وإن كان ارتفاع الأسعار قد يعود بالنفع على بعض البلدان المصدرة للنفط مثل البلدان فى الشرق الأوسط وإفريقيا محذرة من زيادة انعدام الأمن الغذائى فى بعض أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط.

وعلى المدى الأطول، قد تفضى الحرب إلى تبديل النظام الاقتصادى والجغرافى –السياسى العالمى من أساسه إذا حدث تحول فى تجارة الطاقة، وأُعيدت تهيئة سلاسل الإمداد، وتجزأت شبكات المدفوعات، وأعادت البلدان التفكير فى حيازاتها من عملات الاحتياطى، أما زيادة حدة التوترات الجغرافية–السياسية فهى تهدد بمزيد من مخاطر التجزؤ الاقتصادى ولا سيما على مستوى التجارة والتكنولوجيا.

صندوق النقد تحدث عن تأثر مصر المباشر بالحرب، حيث تأتى 80% من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، كما أنها مقصد سياحى يحظى بإقبال كبير من كلا البلدين، وسوف تشهد كذلك انكماشًا فى نفقات زائريها.

ومن شأن السياسات الرامية إلى احتواء التضخم، كزيادة الدعم الحكومى، أن تفرض ضغوطًا على حسابات المالية العامة الضعيفة بالفعل. 

وقال الصندوق أن القفزة فى تكاليف السلع الأولية الضرورية ستزيد من المصاعب التى تواجه صناع السياسات فى بعض البلدان لتحقيق التوازن الدقيق بين احتواء التضخم ودعم التعافى الاقتصادى من الجائحة.

ومن المؤسف أن المواطن البسيط هو من يدفع ثمن الصراع العالمى الذى لم يرحم الاقتصاديات النازفة بفعل الجائحة، لقد تجاوزت الزيادات فى أسعار المواد الغذائية على مدى 12 شهرًا 5 % فى 79% من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، 27% من الاقتصادات المتقدمة شهدت ارتفاعات فى الأسعار تجاوزت 5%.

كما أدى استمرار أزمة سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف النقل والشحن إلى اضطراب أعمال القطاع اللوجيستى فى العالم، فضلاً عن ارتفاع أسعار السيارات تحت تأثير ارتفاع أسعار الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات.

ويواجه الاقتصاد المصرى هذه التقلبات بصلابة مبنية على تحركات سليمة حافظت على استدامة التنمية والنمو الاقتصادى فى ظل وجود الجائحة ويعززها تحركات الدبلوماسية النشطة من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسى وفق ثوابت واضحة تنطلق من التوازن فى العلاقات مع كل القوى ونجاح مصر فى فتح أسواق جديدة، واتخاذ قرارات اقتصادية تعكس رؤية مستقبلية لما يشهده العالم من أخطار مفاجئة لحماية المواطن البسيط، واتخاذ قرارات مدروسة للحفاظ على استقرار الأسواق فى مصر.

وقد التزمت الحكومة بالخط الذى رسمته فى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان من مكافحة للفقر والالتزام بخط حماية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصرى عبر الخطوات التى اتخذتها الحكومة لكبح جماح الأسعار وتوفير السلع، ثم كان القرار برفع الفائدة لمواجهة آثار التضخم، والتبكير بالزيادات فى المرتبات والمعاشات واختبار شبكات الحماية الاجتماعية ومعاشات تكافل وكرامة وهى مساعدات تقدم للأسر الأشد احتياجًا.

ما تمر به مصر وهو جزء مما يمر به العالم كله الذى يئن من موجة الغلاء العالمية، وضعف استعداد الاقتصاد العالمى المثخن بالجراح لمثل تلك الصدمات، والحقيقة أن المتصارعين لا يرون المواطن البسيط المنسحق تحت ضغط الأسعار الناجم عن فشل القوى العظمى فى الحفاظ على أمل السلام ووقف التصعيد، بل إن ضياع فرص السلام يفرض خيارات صعبة حتى على من ليس لهم ناقة ولا جمل فى الصراع الدائر، بل إن القوى العظمى التى تحاسب الدول على مسألة حقوق الإنسان لا تنتبه إلى أن الإنسان هو من يدفع ثمن مغامرتهم الجيوستراتيجية والعسكرية، وإن سعى كل طرف إلى إضعاف الآخر يؤثر على كل اقتصاديات العالم قبل أن يؤثر على الطرف الآخر من الصراع، وأن البحث عن السلام يجب أن يشغلهم قبل العمل على إطالة فترة الحرب لأن استمرار الصراع على ذلك النحو سيدمر البشرية حتى قبل أن تنطلق صواريخهم النووية.