الأحد 6 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
عكس الاتجاه.. مملكة الموتى الأحياء

عكس الاتجاه.. مملكة الموتى الأحياء

هل نحن موتَى أمْ أحياءٌ؟ هل ندرك أننا مِتنا وبُعِثنا للحياة مرات عدة؟ هل نجرؤ على الاعتراف للمقربين منّا بأننا ميتون ولسنا أحياءً وأن ما بيننا هو حوار موتى وحياة موتى؟



ستمر عليك كل تلك الأسئلة كثيرًا وأنت تقرأ رواية (مملكة الموتى الأحياء)، ولسوف ينتابك الهلع والرهبة والعدمية ثم اليقين بأننا جميعًا فى الحياة موتى وأن ثمة حيواتٍ أُخَر وميْتاتٍ كثيرة قد عشناها وأن القبور هدنة لقيامة الموتى فى الدنيا وإلى الدنيا.

فى رواية الكاتب العراقى الكبير برهان شاوى (فندق باب السماء) بجزئها الأول والمعنون بـ(مملكة الموتى الأحياء) والصادرة عام 2020 عن دار «النخبة» والمكونة من 640 صفحة: ثمة تيمة واضحة منذ الصفحة الأولى متماسكة متواترة متصلة لا تنفصل عن الموت والجنس، الموت والجنس وليس الموت والحب كعادة تيمات الروايات بشكل عام؛ إذ إنك ستلحظ كثيرًا من الموت، كثيرًا من الجنس فى طوره الأول الذى يتشابه مع ذات الفعل بين الحيوان والزواحف والطيور قبل اختراع (الرومانسية)، قبل اختراع اللغة والكلام وقبل اندماج البشر مع الطبيعة وتماهيها مع الفنون والقراءات. والتيمة المتواترة التى يطرحها الكاتب عن الموت هى: أننا نعيش الموت مدركين أننا ميتون ونأكل ونعمل ونسافر ونمارس فعل الجنس فى جاهليته الأولى ونحنُ أموات، ونحاول تذكر أننا كنا أحياء، ونسعى كى نحل ألغاز موتنا وتفاصيل حياتنا والشخوص المحيطة بنا حيث تنجلى الحقائق بسهولة ونحنُ موتى بينما تُضَبّب وتُغَيّم وتُلَغّز ونحنُ أحياء.. نحن نتعرف على ذواتنا حين نموت وليس العكس.

والتيمة التى يطرحها الكاتب بقوة عن «الجنس» لا تخرج من وعن إطار ما أطلق عليه البشر الأحياء فى حيواتهم السابقات المرتبطة بالعقائد وبالتقاليد بـ(زنى المحارم)، فكل أبطال السرد فى الرواية يمارسون زنى المحارم دون استثناء وبلا خوف أو خجل أو تأنيب ضمير، ولسوف نجد أن المرأة فى كل الحيوات وفى كل الميتات ومع كل أبطال تيمة السرد فى الرواية هى مفعول بها وضعيفة ومهمشة وتحمل وحدها الوزر الأخلاقى والدينى والعُرفى والذكورى؛ أمّا الرجل فهو خارج هذهِ المعادلة الظالمة.

فى الرواية ستعرف أن كل الأبطال أسماؤهم «آدم» وكل البطلات أسماؤهن «حواء» فى إشارة وتأكيد للمعنى الفلسفى والوجودى الذى ذهب المؤلف على تأكيده وهى فكرة حلول الأرواح فى أجساد تشبه أجسادنا التى ماتت، وبنفس الأسماء وفى ظروف أسرية وبيئية ولغوية وسياسية واحدة.. لذا ستعتمد الرواية كثيرًا على الحوار وعلى «الخطابة» بمعنى تَدَخُل المؤلف فيما تتفوه به ألسنة الشخصيات، ستجد القليل جدًا من السرد، والكثير من المونولوج، ستقترب الرواية إلى حدٍ ما من الجنس الأدبى للكتابة المسرحية التى تقوم على الحوار والجدل والمونولوج وليس على الأحداث وعلى سرد وتطور الأحداث عن طريق نمو وتطور الشخصيات، فنحن نقرأ تطور الأحداث بألسنة الشخوص وهى تحادث بعضها أو تحادث نفسها فى مونولوج فلسفى وجودى طارحة أفكارها الدينية المختلفة والمخالفة.

«برهان شاوى» كاتب ومبدع عراقى كبير لذا ستدور أحداث الرواية فى أرض العراق وفى زمنيّ: «صدام حسين» و(الاحتلال الأمريكى) للبلد العريق، هُنا سنشاهد العديد من القتلى الأحياء.. قتلى المعتقلات وقتلى الحرب الأمريكية البريطانية على الشعب، ستُعَذّبُ الأرواحُ كثيرًا ولسوف تفرُ فى أجسادها الأخرى حاملةً نفس روحها المشقوقة والمتشظية والنازفة بلا براء، لا براءَ للأرواح.

نَعم تلك التيمة تم اللعب بها وعليها فى أعمال سابقة سينمائية، حكتها أحداث الفيلم الشهير (The Others) بطولة نيكول كيدمان، ولِمَ لا وقصة الفيلم مأخوذة عن الرواية الشهيرة (The Turn of The Screw) أو (دورة اللولب) للروائى البريطانى الأشهر «هنرى جيمس» التى كتبها عام 1898 وتحكى عن الموتى الأحياء بذات التيمة، إلا أنها لا تتطرّق ولا تغرق فى التحليل والتفاصيل والجدل حول الجنس وحول حلول الأرواح كما جاءت فى رواية برهان شاوى.. بمعنى أن ثمة تيمة عن الموتى الأحياء فى رواية هنرى جيمس؛ بينما تصبح رواية برهان شاوى كلها تيمة وليست شذرات متناثرة عبر النص.

(فندق الموتى الأحياء) هو القبر فى صورته المخاتلة بالرواية، هو المكان الذى يلتقى فيه الميتون جميعهم بعد أن يغادروا أجسادهم، وهو محطة الانطلاق إلى حيوات أُخَر بنفس الاسم والعُمر والسيرة الذاتية، كلهم وكلنا: آدم وحواء.>