الأحد 6 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مصر أولا.. متى يحرركم الحق؟! الوكلاء و«العنعنة».. التكفير عقابًا للتفكير

مصر أولا.. متى يحرركم الحق؟! الوكلاء و«العنعنة».. التكفير عقابًا للتفكير

إنها تلك الفئة من البعض التى بدأت فى السيطرة على مساحات كبيرة من حياتنا بمختلف تنوعاتها السياسية والثقافية والاجتماعية بوجه عام، والدينية بوجه خاص. وهى تتحدث وكأنها المتحدث باسم طرف ما، أو كونها الوسيط الحصرى بين هذا الطرف وبين المجتمع أو وسائل الإعلام المتعددة. وبالتالى، لا مانع عندهم من «التحريم» و«المصادرة» و«التخوين» باسم الطرف الذى يتحدثون باسمه أيضًا. وهى فئة يمكن أن نطلق عليها «الوكلاء».. وكلاء السماء على الأرض.



 

فى السنوات الأخيرة، أصبح للعديد من القيادات الكنسية محبون وداعمون ومدافعون عن قراراتهم ومواقفهم من خلال الترويج لما ينشر على الصفحات الرسمية لهم. ولكن لم يمنع ذلك من ظهور «الوكلاء» تلك الظاهرة التى تعانى منها الكنيسة المصرية الآن وهى الظاهرة التى انتشرت بشكل واسع رغم وجودها من سنوات طويلة بسبب وسائل التواصل الاجتماعى والميديا الجديدة.

أعطى هؤلاء الوكلاء لأنفسهم مساحات كبيرة باعتبارهم الأكثر حرصًا وخوفًا على استقرار الكنيسة ومكانة رجالها بالرفض المطلق لأى نقد للمؤسسة أو أى مراجعة للقرارات والإجراءات. وأصبح المشهد العام منقسمًا بين مؤيدى البابا تواضروس الثانى وبين محبى البابا الراحل شنودة الثالث. ويحاول كل فريق أن يدعم مواقفه من خلال تصدير الدفاع عن العقيدة والإيمان التى هى من اختصاص المجمع المقدس باعتبارها مهمته الأساسية ومسئوليته الروحية.

ووصل الأمر أن تحول الاختلاف فى الرأى إلى جميع أشكال العنف فى الحوار والنقاش من سباب وتشهير وازدراء وتشكيك فى عقيدة وإيمان كل طرف. 

والطرفان يعتمدان فى الهجوم على مقارنة غير متكافئة بين البابا الراحل والبابا الحالى، فى تجاهل مقصود لاختلاف العصر والخبرة والإمكانيات والكاريزما التى تبرز بتراكم السنوات، وقبل ذلك كله اختلاف السمات الشخصية المميزة لكل طرف. فالمقارنة هنا منقوصة لأنه رغم زعامة البابا الراحل وقوة حضوره.. فلم يشهد عصره تحقيقًا ملحوظًا فى منظومة المواطنة فى ظل نظام الرئيس الراحل حسنى مبارك.. بينما فى ظل عصر رئيس ثورة 30 يونيو العظيمة.. حدثت طفرة حقيقية وعملية فى منظومة المواطنة المصرية، وما ترتب عليها من استعادة العديد من الحقوق واسترجاعها لمكانتها الطبيعية. بينما فى عصر البابا الراحل ازدهرت الكنيسة المصرية، وأصبح لها مكانة ووجود عالمى مقدر.

الطريف فى الأمر، أن هؤلاء الوكلاء المزعومين يتحدثون فى الكثير من الأحيان باسم أحد أطراف القضايا المثارة بدون علم الطرف نفسه الذى يتحدثون باسمه. وذلك مع ملاحظة أن أحدًا لم يوكلهم للحديث نيابة عنه. إنها فئة تعتمد فى مقومات بقائها على بعض المحاولات «الرخيصة» فى التقرب من طرف ما والدفاع عنه من وجهة نظرهم بقدر من عشوائية التفكير وفوضوية التحليل وغوغائية الشارع لكى يكون لهم دور فيما ليس لهم.. وهو ما يؤدى فى نهاية المطاف إلى توجيه رسالة ربما تكون على النقيض من رسالة صاحب القضية نفسه.

إن البعض من الوكلاء الذين نتحدث عنهم يملك من التبريرات والدلالات لتأكيد مقومات بقائه، بالإضافة إلى أن بعضهم يملك العديد من الإجابات سابقة التجهيز من خلال ترديد بعض المصطلحات، ومنها: الجهل والكفر والعمالة والخيانة.. وذلك لكى يتم تصوير من يختلف مع الطرف الذى يدافعون عنه بما ليس له. أضف لهذا ما يتم التصريح به أو كتابته ونشره على وسائل التواصل الاجتماعى لمواجهة من يختلفون معه. وهى تصريحات توحى بمدى تأثير هؤلاء الوكلاء وسطوتهم، وكأنهم طرف الخلاف الأساسى. كما يقوم البعض من الوكلاء المزعومين باستخدام أحد الأساليب التى تجد صدى شعبيًا لدى الرأى العام المصرى على غرار اختزال الخلاف فى أشخاص محددة لها مكانتها وشعبيتها فى المجتمع من خلال الحديث على أدوار محددة ضمن سياق الاختلاف.

ما يحدث من تصرفات  «الوكلاء» يؤكد أن هناك نوعًا من «مغازلة» الشارع المصرى فى بعض القضايا التى تتطلب استقطاب رجل الشارع العادى لتوجه أو رأى ربما لا يعرف الشارع المصرى عنه أي شيء، بل ربما يكون خارج نطاق اختصاصه من الأصل. ومن الواضح، أن هذا المنطق قد أصبح هو المنطق الأساسى الذى يحكم الحوار الفكرى فى المجتمع المصرى. ودليل ذلك «الأكليشيهات» المتداولة التى تعبر عن مفردات «خطاب الأزمة» بداية من التشهير والتضخيم، ومرورًا بالإقصاء والاستبعاد والتشويه، وصولاً للعزل والتهميش والتنمر. وهى المفردات التى يتهم بها كل من يختلف عن سياق الرأى الذى يروج له الوكلاء.

إن خطاب الأزمة المذكور يتم الترويج له من خلال نوع من خلط الأوراق بحيث لا نعرف فى نهاية الأمر الحقيقة من الوهم. وتكون الاتهامات على غرار الخروج من العقيدة والدين، أو تأويل بعض الكلمات بما ليس لها، أو الاتهام بالعمالة بألفاظ وعبارات وأشكال مختلفة. وهو أسلوب مراوغ لتصدير الخلاف الفكرى بشكل يوحى بما هو خارج نطاق المسموح به من الاختلاف وقبوله.

وتكمن القوة الثلاثية لهذا الأسلوب فى كونه يعتمد على:

- اكتساب «عطف» الرأى العام بكل الطرق المتاحة.. سواء الشرعية أو غيرها.

- التشهير والتضخيم والتأويل لمضمون الخلاف إعلاميًا.

- تحويل الخلاف للمربع الدينى والعقيدى، وليس الفكرى أو الثقافى.

وهو أسلوب يعمل على «مغازلة» الشارع المصرى بكل متناقضاته التى تصل فى الكثير من الأحيان إلى الغوغائية.. بحيث يتم «تشويه» صورة المختلف مع المؤسسة الدينية على المستوى الشعبى، وما يترتب على ذلك من ضغوط اجتماعية ونفسية، وقبل ذلك ضغوط إنسانية.. تصل لمداها عندما يتم الإشاعة والترويج بكون المخالف للرأى هو ضد الدين، أو ضد الأديان السماوية وملحد فى بعض الأحيان. ولا يمنع إضافة بعض الافتراءات الأخرى التى تنسج لدى رجل الشارع العادى بكون هذا الشخص أو هذه الجماعة مرفوضة دينيًا ووطنيًا، وهو نوع من الإبادة الفكرية لكى يتحول الشخص أو الجماعة المذكورة لفريق من المنبوذين بدون أسباب حقيقية. وفى هذا السياق، تجد من الوكلاء من يتطوع للهجوم والتشهير تحت بند الدفاع عن المؤسسة الدينية، وهو منطق يختزل السجال أو الجدل الفكرى طبقًا لموازين قوى ترويج الشائعات وتأثيرها على الرأى العام وسرعة انتشارها.

نحن فى حقيقة الأمر، لا نقبل أى رأى يخالف رأينا أو أهدافنا وتوجهاتنا، وهو ما يعود بشكل مباشر إلى المناخ المحيط بنا، والذى يرسخ أن يكون هناك أسلوب واحد فقط للتفكير، وهو ما يظهر فى الثنائيات المتناقضة، وعلى سبيل المثال: أنا أو أنت، رجل أو امرأة، مؤيد أو معارض، مسيحى أو مسلم، مؤمن أو كافر.

الطريف، أن حالة الانقسام حول حرية الفكر والتعبير.. تكشف أن الفريقين لم يقرأ أحدهما ما انقسما حوله.. للدرجة التى تجعل النقاش حول الاتفاق والاختلاف تدور فى فلك مغاير عما نشر أو طرح من أفكار جدلية. ويصبح رأيهما فى نهاية المطاف هو مجرد انطباع يعتمد فى مقوماته على «ثقافة العنعنة» أى ما سمعوه عن فلان أو فلان، وليس شيئًا آخر. 

وكالعادة، تجد الوكلاء الذين يخرجون علينا، وكأنهم حماة حمى الوطن. وهم الذين تقع على كاهلهم مواجهتك باستخدام جميع الأساليب والأسلحة.. بما فيها المحرم فكريًا، وذلك على غرار الهجوم بدون موضوعية، واختزال النقاش فى أشخاص. وهو نوع من تحويل النقاش من مربع الموضوعية إلى مربع التحيز.

نقطة ومن أول السطر

ما زلت أعتقد فى العبارة الدينية المأثورة التى تقول: «إن الحق يحرركم». فى إشارة إلى أن الحق والحقيقة هو الذى سينتصر فى نهاية المطاف مهما طال الزمان، ومهما اشتدت المؤامرات.. لأن الحق يتجاوز المصلحة الفردية والشخصية إلى المصلحة العامة والجماعية. وبالتالى.. تسقط «الحسابات» الشخصية و«تربيطات» الشلل.. خاصة إذا كان هناك مشروع فكرى للمستقبل طبقاً لخطة مدروسة.