السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الدعوى «محاربة التطرف».. والمرأة كبش الفداء «التنوير» تريند للإثارة أم فكرة للوعى

إبّان النكسة وخلال حقبة السبعينيات من القرن الماضى سطر فى تاريخ السينما المصرية عوار سُمّى فى ذلك الوقت بأفلام المقاولات التى ارتبطت بسيناريوهات سطحية تقدم صورة مشوهة عن سيدات مصر فى هذه الحقبة، تؤدى ممثلات سينما المقاولات أدوارهن ويقدمن سيدات خليعات يبحثن عن المال بصرف النظر عن أى شىء يرتدين المايوهات والملابس الساخنة بلا سبب طوال الفيلم سوى أن السوق عاوز كده.



 

هذه الصورة القميئة للغاية للأسف كانت تصدر من خلال شرائط الفيديو فى صناعة سيطر عليها الأغنياء الجدُد من مقاولى البناء والصنايعية الذين ازدهرت عيشتهم بعد الانفتاح فاتجهوا لبيع أنماط بشرية غريبة عن مصر وشعبها وتم تصديرها فى قوالب مثيرة غريبة أدرّت الكثير وبلغة اليوم ركبت الترند السينمائى المصرى العربى لسنوات على حساب صورة وكرامة أمهاتنا فى ذلك الوقت؛ لا سيما العاملات خارج مصر!

لا فرق بين هذه الصور المشوهة المخلة التى ركب مقاولو أفلامها الترند وبين ما ذكره إبراهيم عيسى من صور عن المرأة المصرية فى ذات الفترة!

يسترسل الكلام من صور مخيلة فى ذهنيته التى يبدو أنها شاهدت كل أفلام المقاولات  بل متأثر هو بها ليطرح ما فيها اليوم يرويه عبر أثير برنامجه «مصريون وعرب»!

الغريب فى الأمر أن غالبية بطلات أفلام المقاولات إمّا اعتزلن أو اعتذرن عمّا قدمن من صور مبتذلة للمرأة!.

ولكن حتى اليوم لم يعتذر إبراهيم عيسى عن طرحه لأفكار مغلوطة عن سيدات الصعيد اللاتى كن يرتدين المايوهات فى عقل عيسى.

بالأمس القريب كان الإعلامى أو الإذاعى الذى يركب الترند بلغة اليوم ليصبح حديثهم، كان المثقف الذى أسرهم صوته وتدفق معلوماته لإمتاعهم فى حفلة كلثومية أو لتثقيفهم فى جُمل مفيدة فى كلمتين وبس أو لسماع آرائهم وحل مشكلاتهم على الناصية! يخطفون القلوب ويسحرون الألباب، اليوم راكبو موجة الترند يتقصدون قصدًا فى زعزعة الناس وبَلبَلتهم وإقحام صور مزيفة وخلطها بطرح مغاير (تنويرى من وجهة نظرهم) ليكسبوا العداء سريعًا وكأنه عهد عليهم.

التاريخ المصرى فى الخمسينيات والستينيات يظهر بالصورة سيدات مصر يلبسن أزياءً أنيقة تتناسب وكل مكان يتواجدن فيه، وهناك صور أيضًا لابنة شيخ الأزهر لا ترتدى غطاءً للرأس، بينما ملابسها محتشمة فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ولكن لم نجد فى صور التاريخ نساء من محافظات الصعيد أو الفلاحين يلبسن المايوهات على شط النيل أو الترعة!؛ بل كانت المايوهات يتم ارتداؤها كما اليوم على الشواطئ الساحلية بالإسكندرية والعجمى ورأس البَر مثل شواطئ اليوم كالساحل وشرم والغردقة..!

أراد عيسى أن يلتقط مكاسب ما فى حساباته الخاصة كالعادة وكغيره على عاتق المرأة، فهى الحجة والوسيلة والسبب والمصيبة ليأتى تناوُل فكرة نظرة المجتمع للسيدات اليوم نظرة سطحية تتلخص فى الملابس والحجاب.. هل حقًا هذه هى معركة التنويريين ضد طمس هوية المجتمع الذى من المهم أن يستعيد هويته وتصحيح ذلك التشويه فى نظرته للحلال والحرام، هل اختصار القضية فى الملابس هى مشكلة نسائنا اليوم، لا والله؛ لأن مشكلة بناتنا ونسائنا تكمن فى كيفية النظر لذواتهن والاعتزاز بأنفسهن وكرامتهن وتطوير مهارتهن لخدمة أنفسهن والوطن، مشكلة نسائنا تكمن فى رفض الهوان والذلة والضرب والعنف بجميع أشكاله، والحفاظ على بيوتهن من الخراب وتربية رجال الغد الفاهمين المقدرين المنصفين للمرأة المحترمين لجسدها وشرفها، أليس هذا تنويرًا! ثم ما ضير الحجاب إذا ارتدته مثقفة واعية بأناقة وذوق!

ولماذا يتم حبس غطاء الرأس فى دائرة ديانة واحدة؟ ألم نشاهد المسيحيات المتدينات الراهبات يرتدين غطاءً للرأس؛ بل إن السيدات الكبيرات سنًا فى الصعيد يرتدين غطاءً للرأس بصرف النظر عن ديانتهن!

محاربة الوهابية والتطرف والجهل والحقد الذى أصبح من سمات المجتمع لا يرافقها معلومات مغلوطة تستعدى الناس لا تجعلهم يقتربون ويستمعون وهو ما نصح به الله رسوله الكريم (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، فكيف يتخيل البعض أن لديه تلك اليد الطولى لتغيير مفاهيم وأفكار متطرفة بهذه الطريقة؟! 

أغفل عيسى ومعه من يطلقون على أنفسهم حاملى شعلة التنوير قضايا حقيقية باتت المرأة فيها هى كبش الفداء وحطب المحرقة تطالعنا هذه القضايا كل يوم، وبات الجدل للجدل لتستعر معه الأفكار والخلاف والاختلاف لتهييج الرأى العام وتمكين الفرقة فى وقت نحن أكثر ما نحتاجه هو الوحدة والتقارب؛ لتكثر الانطباعات التى حملت فى أغلبها مشاعر حنق وفى بعضها مشاعر مواساة وأسى لما وصل له حال بعض من إعلاميى ومثقفى مصر!

تتحدث معى د. سمر فرج فودة الباحثة فى الاتصال السياسى وتوضح ما هو التنوير وتقول: التنوير معناه أن يشعل شخص شمعة فى ظلمة عقل شخص آخر ويستطيع أى شخص فى المجتمع أن يكون تنويريًا، وليس ذلك حكرًا على الإعلاميين أو صحفيين أو رجال دين؛ ولكن يجب أن يمتلك هذا الشخص المعرفة والثقافة والوعى اللازم لإثبات فكرته، وهو ما يوقعنا اليوم فى كل هذا التخبط، وأصبحنا نجد أن من يحبون رجل الدين ينحازون لكلامه ومن يحب إبراهيم عيسى سيأخذ كلماته على أنها تنويرية، وباتت تتحكم العاطفة فينا عند استقبالنا لأى رأى مخالف عمّا نحن مقتنعون به، وأجد أن إقحام ملابس المرأة فى أى جملة تريد بها تنوير المجتمع ليس تنويرًا لأن ملابسها هى عادات وتقاليد ويختلف أهل المدن عن أهل القرى فى هذه الأمور، وفى النهاية أجد أن المشكلة لا تكمن فى المفكر بقدر كيفية استقبال عقول الناس لما يطرحه وكيف يواجه المجتمع تنويرية بإعمال العقل تجاه هذه المعلومات والتأكد من صحتها ليعطوه ثقتهم أو آذانهم لسماع ما يقول أو يفترقون من حوله.

تتساءل الدكتورة جيهان جادو رئيس الرابطة الدولية للإبداع الفكرى والثقافى وعضو بلجنة العلاقات الخارجية بالمجلس القومى للمرأة، حدثتنى عن التوقيت الذى يطرح فيه إبراهيم عيسى موضوعاته المثيرة للجدل وتقول لى: هل يسأل إبراهيم نفسه ما هدفه الذى يرجوه من برنامجه بشكل صريح وواضح ولماذا الآن وتبعات المرحلة تستدعى الحديث فى موضوعات مدروسة لها أهداف واضحة؟!

ثم لماذا كل هذا الاستفزاز فى الطرح والتناول فى قضايا تضر مصر أكثر من إفادتها، أراد عيسى أن يوضح أن المجتمع ازداد تخلفًا اليوم وأحضر ملابس المرأة مثلاً وأنا أعيش فى أوروبا ولم أجد إلا الحشمة فى ملابس المَلكات والأميرات الأوروبيات والقبّعة مهمة جدًا لديهن كتقليد أليس غطاء الرأس تحولاً لتقليد اليوم لدينا!

فى اعتقادى المهم اليوم أن تهتم المرأة بأناقة ونظافة ورقى ما ترتدى كما كانت هوانم الأمس يتمتعن بالذوق والشياكة يقفن جنبًا إلى جنب الرجال يبنين مصر بعد ثورة يوليو لهن أدوارهن فى كل فترة من حرب وسلم لأنهن كن مثقفات واعيات رائدات متحديات يردن إثبات ذواتهن، حتى عندما سافرن إلى البلاد العربية والغربية كن الطبيبات والمدرسات والأستاذات وعملن فى كل مجال؛ بل علمن الدنيا كلها.

هذا الذى لا بُدَّ أن نتحدث عنه فى المجتمع وما تتعرض له بناتنا اليوم من عنف مادى أو معنوى حقيقى أو إلكترونى.

أجد من الضرورى أن نتجادل فيما يفيد البلد والناس وأتمنى من كل إعلامى أن يسأل نفسه سيظهر اليوم على الشاشة لماذا وما هو الهدف لأنه إذا انعدمت الأهداف والغايات زادت الضبابية والأخطاء وتسطيح الأفكار وخَلق جلبة تهدم لا تبنى.