السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. فى طريق المجتمع المدنى المصرى.. جمعيات ومؤسسات مسيحية للتربية والتوعية والتنمية!

مصر أولا.. فى طريق المجتمع المدنى المصرى.. جمعيات ومؤسسات مسيحية للتربية والتوعية والتنمية!

المؤسسة الدينية (المسيحية والإسلامية) المصرية هى مؤسسة شعبية بالدرجة الأولى.. فهى قائمة بعيداً عن مؤسسات الدولة الرسمية (الحكومية).. فتاريخ تأسيسها وإنشائها يعود للمواطنين، ولم تكن بقرار من السلطة فى أى مرحلة تاريخية. وتطورت على مدار السنوات حتى تحولت لمنظومة إدارية متكاملة.. وصلت الآن إلى أن أصبحت غالبية المساجد تحت إشراف وزارة الأوقاف، كما تتبع الكنائس رئاستها الدينية من القيادات المسيحية المصرية الرسمية سواء فى الكنيسة الأرثوذكسية أو الإنجيلية أو الكاثوليكية.



 

لذا  ففى اعتقادى،  أن الكنيسة المصرية تعد واحدة من أهم مؤسسات المجتمع المدنى. وذلك استناداً إلى مرجعية تعريف المجتمع المدنى باعتبارها كيانا مستقلا عن الدولة، وتقوم على تحقيق الأهداف الدينية والروحية والاجتماعية لأتباعها بترسيخ قيم الدولة المدنية من التسامح والتعددية والحوار وقبول الاختلاف.. فى إطار احترام سلطة القانون وقوة العدالة القانونية النافذة. وهى جميعها ركائز قيام المجتمع المدنى الذى يسمح بوجود كيانات قانونية فى شكل مؤسسات أو جمعيات أو نقابات أو أندية.. لمساندة الدولة فى تقديم الخدمات التى يحتاجها المواطن المصرى.

 

تواكب مع تطور الكنيسة المصرية.. وجود أشكال رسمية مباشرة للمجتمع المدنى. وكانت البداية وجود أول جمعية مسيحية مصرية مع تأسيس بطرس باشا غالى لجمعية «المساعى الخيرية القبطية» سنة 1881. وتوالت بعد ذلك تأسيس العديد منها سواء على نطاق جغرافى محدود أو على مستوى الجمهورية. 

تنقسم مؤسسات المجتمع المدنى المسيحية المصرية إلى:

 

جمعيات خيرية تقوم على رعاية غير المقتدرين والأسر غير الميسورة.

 

جمعيات تمتلك وتدير الحضانات والمدارس، وملاجئ الأيتام، ودور المسنين، والمستوصفات والمستشفيات.

 

الجمعيات الثقافية على غرار: جمعية الآثار القبطية، وجمعية الحفاظ على التراث القبطى، ومؤسسة القديس أنطونيوس لدراسات الآباء.

 الجمعيات التنموية، ومن أشهرها: «الجمعية القبطية للرعاية الاجتماعية» التى تتبع أسقفية الخدمات بالكنيسة الأرثوذكسية، و«الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية CEOSS»  التى تتبع الكنيسة الإنجيلية، وجمعيتى «الصعيد للتربية والتنمية» و«كاريتاس» التى تتبعا الكنيسة الكاثوليكية. كما أذكر هنا دور «منتدى حوار الثقافات» التابع لـCEOSS باعتباره واحداً من أهم فاعليات لقاءات المثقفين والمفكرين فى مصر.

والجدير بالملاحظة، أن جميعها تعمل على مساندة دور الكنيسة التابعة لها، ومن المفترض أنها تتيح مساحة أكبر للعمل والتطوع للعلمانيين من غير رجال الدين المسيحى، كما أنها تمثل شكل من أشكال تفاعل المجتمع المدنى المصرى والعالمى. كما أن غالبيتها تقدم خدماتها للمواطنين المصريين المسيحيين والمسلمين.

فضلاً عن وجود بعض الجمعيات الحقوقية فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وجميعها لا تخضع للقوانين المصرية.

 

أذكر أنه قبل أحداث 25 يناير 2011، كانت هناك مشكلة أساسية، وهى انعزال المواطنين المسيحيين المصريين عن العمل العام، وعدم المشاركة الفعالة فى الحياة السياسية المصرية. وربما كانت جمعيات المجتمع المدنى ومنظماته على غرار ما سبق.. تمثل أحد أهم أشكال مشاركتهم فى العمل العام من خلال ندوات ولقاءات وأنشطة متنوعة. 

ورغم ذلك، يمكن أن نرصد وجود بعض السلبيات العامة التى تمثل تحديات المجتمع المدنى المصرى فى مجمله على غرار:

- حالة الضعف والتراجع فى مستوى تفاعل المواطنين المسيحيين المصريين فى المشاركة.. خاصة فى الأنشطة التطوعية، وقصر الاهتمام على الخدمات الاجتماعية فقط.

- تراجع الدور التعليمى لتلك الجمعيات التى كانت فى وقت من الأوقات تقوم بتنظيم عمل مدارس الأحد، وإقامة الأنشطة الثقافية والتربوية.

- توجيه غالبية رجال الأعمال تبرعاتهم المادية والعينية للكنيسة بشكل مباشر، وليس لجمعيات المجتمع المدنى، وتجاهل حاجتها للدعم والمساندة فى تقديم خدماتها. بالإضافة إلى تدنى تبرعات المواطن المسيحى المصرى للجمعيات فى مقابل توجيهها للكنيسة مباشرة أيضاً.

- وربما يكون أهم سبب هو قيام الكنيسة نفسها بالعديد من الأنشطة والفاعليات المباشرة التى كانت ضمن نطاق اختصاص تلك الجمعيات على غرار الملاجئ ودور المسنين.  

لقد حدث تراجع ملحوظ فى دور جمعيات المجتمع المدنى ذات الصبغة المسيحية، وأذكر هنا أنها كانت تمثل مدارس فكرية عريقة على غرار: جمعية الإيمان القبطية بشبرا، وجمعية المحبة القبطية بشبرا، وجمعية التوفيق بالظاهر، وبيت التكريس بالجيزة، وبيت مدارس الأحد بروض الفرج. وأذكر أيضاً أن العديد من رجال الكنيسة وقاداتها، ومن العلمانيين ورجال الأعمال.. كانوا نتاج هذه الجمعيات والمؤسسات. 

أعتقد أن تفعيل عمل جمعيات المجتمع المدنى المسيحية الرسمية.. يحتاج إلى دعم الرئاسة الكنسية باعتبارها مساندة لها وداعمة، وليست منافسة فى كل الأحوال.. فهى بمثابة أحد الأدوات التنفيذية لخدمة المجتمع، وهو ما يمكن ترجمته إلى العديد من المقترحات، على غرار:

- تبنى التوعية بمفهوم العمل التطوعى الذى يرتكز على تقديم جزء من الوقت والمجهود فى خدمة المجتمع. وهو الأمر الذى يمكن أن تدعمه الكنيسة بشكل رسمى.. خاصة فى الوعظ.

- فصل عمل جمعيات المجتمع المدنى ومؤسساته عن الكنيسة تماماً، ووقف تولى رئاستها لرجال الكنيسة، وتبنى إتاحة فرصة أكبر للعلمانيين فى القيام بدورهم الثقافى والاجتماعى. 

- دعم الكنيسة فى التوعية بأهمية دور رجال الأعمال فى دعم برامج ومبادرات وأنشطة تلك الجمعيات والمؤسسات. وأن التبرع لها لا يقل أهمية عن التبرع للكنيسة بشكل مباشر.

- تقنين أوضاع الجمعيات والمؤسسات حسب القوانين المصرية، وتقنين أوضاع الحضانات ودور الأيتام ودور المسنين بالشكل القانونى المطلوب.. حتى نحافظ عليها من جانب، ونحفظ على حقوق من تقدم لهم الخدمات من جانب آخر.

- أهمية دعم عمل تلك الجمعيات فى تقديم خدمات مباشرة للمجتمع.. فالمجتمع المدنى دوره الأساسى هو مساندة الدولة فى تقديم تلك الخدمات تحت الإطار القانونى لها، وليس بمعزل عنها أو بمنافسة معها.

- عقد شراكات وبروتوكولات تعاون بينها وبين الجمعيات ذات الأهداف نفسها فى نطلق عملها الجغرافى، وهو ما من شأنه أن يقدم خدمات وأنشطة بجودة مرتفعة.

- إعادة النظر فى تجربة المدارس التى تتبع تلك الجمعيات، وتطويرها والاستفادة منها تربوياً بالشكل المطلوب.. خاصة أن غالبية المدارس الإنجيلية والكاثوليكية الموجودة حالياً الآن قد تم تأسيسها على يد الإرساليات، ولم يتم بناء غيرها سوى بشكل محدود.. فلا يزال هناك إقبال على الالتحاق بها لميراثهما التاريخى فى التربية قبل التعليم. وهو ما ينطبق على أهمية إعادة النظر فى إدارة أكبر مدرستين تابعين للكنيسة الأرثوذكسية (سان أرسانى ومدرسة سان جون ببطمس).. فإدارة المدارس تحتاج إلى تربوى متخصص، وليس إلى رجل دين مهما كانت خبراته ومهاراته. 

- يبقى، مقترح أخير.. وهو أهمية توثيق عمل العديد من الجمعيات ذات التاريخ العريق والخبرات المتميزة. ولقد وجدت نقص حاد فى وجود مادة تاريخية متاحة سوى توثيق بعض الجمعيات ذات الثقل الاجتماعى لنفسها، وتوثيق آخر للجمعيات الصغيرة لنفسها بشكل غير علمى.  

 

نقطة ومن أول السطر..

يعود اهتمامى بجمعيات المجتمع المدنى لكونها تمثل القوة الناعمة الشعبية المصرية. لقد كان للجمعيات المسيحية المصرية تاريخياً الريادة فى الاهتمام بالفن القبطى (الرسم والأيقونات والخزف والخشب)، والموسيقى القبطية (الألحان)، والآثار القبطية، والعمارة القبطية. كما كان لبعضها دوراً فى إصدار الإنتاج الفكرى المسيحى المصرى من مؤلفات لاهوتية وتراثية مقدرة. كما كان لبعضها دوراً وطنياً فى دعم الثورات المصرية على غرار ثورة 19.