الجمعة 18 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. أول مشروع لقانون الأسرة للمسيحيين.. قراءة وملاحظات.. فى سبيل ترسيخ الدولة المدنية المصرية!

مصر أولا.. أول مشروع لقانون الأسرة للمسيحيين.. قراءة وملاحظات.. فى سبيل ترسيخ الدولة المدنية المصرية!

ظل السبب الأساسى لتفاقم قضايا الأحوال الشخصية للمواطنين المسيحيين المصريين هو أن السلطة القضائية كانت تحتكم إلى لائحة سنة 1938 فى الحكم على قضايا الأحوال الشخصية، بينما تعتمد الكنيسة على القرار البابوى لسنة 1971 الخاص بعدم الطلاق إلا لعلة الزنى. وبالتالى، فإن طلاق المحكمة هو الأساس.. ورجال الكنيسة المصرح لهم يحملون دفاتر توثيق الزواج، وليس لهم سلطة الطلاق. كما أن الكنيسة هى المنوط بها إعطاء تصريح الزواج الثانى لأى من الزوجين تنطبق عليه شروط الكنيسة فى هذا الأمر.. لأن تعريف الزواج مسيحيًا هو سر مقدس.. يتبعه ممارسات طقسية وعبادات. وهو ما دعا إلى أهمية أن يكون هناك قانون خاص ينظم هذا الأمر.



 

يتضمن هذا المقال.. قراءة سريعة للنقاشات الدائرة حول مسودة «قانون الأسرة للمسيحيين» بعد عدة سنوات من المناقشات والإعداد للاتفاق على صياغة مواد القانون.. هذا القانون الذى يعد مطلبًا ملحًا منذ سنوات لحل مشكلة الأسرة المسيحية المصرية.

قوانين وقرارات

أولًا: فى 9 مايو سنة 1938 أعد المجلس الملى العام للأقباط لائحة خاصة بالأحوال الشخصية.. عُرفت بلائحة 38، والتى اعتمدت بشكل أساسى فى نصوصها على كتاب «الخلاصة القانونية فى الأحوال الشخصية» للعلامة الإيغومانس فيلوثاوس عوض «رئيس الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية». 

ثانيًا: استمر المجلس الإكليريكى يؤدى وظيفته التى حددتها لائحة سنة 1938 سواء فى مسائل الأحوال الشخصية أو المواريث أو قيد الوصايا كهيئة لها كل الصلاحيات القانونية والتنفيذية حتى صدر قانون رقم 461 لعام 1955، والذى قررت مادته الأولى إلغاء المحاكم الشرعية والملية وإحالة ما لديها من قضايا إلى المحاكم المدنية اعتبارًا من بداية يناير عام 1956. 

ثالثًا: بعد صدور قانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء الجالس الملية، تقدم أعضاء المجلس الملى بمجموعة أحكام - عرفت بمجموعة 55 - لوزارة العدل حينذاك تمهيدًا لإصدارها كقانون يطبق على المواطنين المسيحيين المصريين. ولم يأخذ بها القضاء، بل وأيدت محكمة النقض حكمها فى الطعن رقم 4 لسنة 1942 قضائية أحوال شخصية بجلسة 6 يونيو سنة 1973 بأن أحكام لائحة 38 هى الواجبة التطبيق دون غيرها.

رابعًا: مذكرة من البابا كيرلس السادس سنة 1962 إلى وزير العدل، والتى تضمنت ركائز مهمة حول وحدة الزيجة، وأسباب الانفصال، وأنه لا طلاق إلا لعلة الزنى. وهى المذكرة التى نتجت عن لجنة قام البابا كيرلس السادس بتشكيلها حينذاك، وأسند رئاستها للأنبا شنودة «أسقف التعليم حينذاك، والبابا شنودة الثالث الراحل فيما بعد»، وضمت فى عضويتها كبار رجال القانون من المسيحيين المصريين حينذاك.

خامسًا: القرار البابوى رقم 7 بتاريخ 18 نوفمبر 1971، والذى ينص على أنه لا يجوز التطليق إلا لعلة الزنا. وأن كل طلاق يحدث لغير هذه العلة الواحدة لا تعترف به الكنيسة المقدسة. ثم القرار البابوى رقم 8 بتاريخ القرار السابق فى 18 نوفمبر 1971، والخاص بعدم زواج المطلقات. 

سادسًا: مشروع قانون الأسرة للطوائف المسيحية المصرية الذى بدأ ممثلو الطوائف أول اجتماع لهم فى 16 يونيو سنة 1978، وتم تقديمه إلى د. صوفى أبو طالب فى 29 يونية سنة 1980. غير أنه لم يجد السبيل لدخول مجلس الشعب لمناقشته وإقراره. 

سابعًا: مذكرة البابا شنودة الثالث بشأن شريعة الزوجة الواحدة فى المسيحية فى 18 يونيو سنة 1996. والتى تحولت لكتاب يحمل الاسم نفسه فيما بعد.

ثامنًا: مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد لجميع الطوائف المسيحية بمصر لعام 1998، والذى تم تقديمه للمستشار فاروق سيف النصر «وزير العدل حينذاك». وهو المشروع المعدل من مشروع سنة 1980 بعد إدخال التعديلات اللازمة عليه وصياغته بشكل نهائى من خلال اجتماعات اللجنة المشكلة من ممثلى الطوائف المسيحية فى 20 يناير سنة 1998، و28 أكتوبر سنة 1998، و15 نوفمبر سنة 1998. 

تاسعًا: شكل السيد ممدوح مرعى «وزير العدل السابق» فى 12 يونيو سنة 2010 لجنة مكونة من ممثلى الطوائف المسيحية الثلاث «الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية»، بالإضافة إلى عدد من المستشارين والمتخصصين التابعين لوزارة العدل لصياغة مواد القانون الموحد للأحوال الشخصية.

عاشرًا: فى عام 2019 أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارًا بتشكيل لجنة ممثلة من وزارة العدل وممثلى الكنائس المصرية والأجهزة المعنية لإعداد قانون الأسرة للمسيحيين. وهى اللجنة التى قدمت مقترح القانون الحالى. 

إيجابيات عديدة

يحسب لمقترح مشروع «قانون الأسرة للمسيحيين» العديد من الإيجابيات التى حسمت العديد من المشكلات والأزمات التى عانى منها المواطنون المسيحيون المصريون خلال السنوات الماضية. وفى مقدمتها مخاطبة المعنى بهم القانون بالاسم بشكل يتطابق مع منظومة المواطنة المصرية بعد ثورة 30 يونيو. ومن أهم الإيجابيات أن القانون قد حدد الطوائف المسيحية المعترف بها، والتى ينطبق عليها القانون، وهي: الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية وغيرها.

كما أقر أسباب انحلال الزواج.. بموجب ما نص عليه «قانون الأسرة للمسيحيين»، ونص القانون بشكل صريح على أنه فى حالة قيام أحد الزوجين بتغيير دينه.. لن يؤثر ذلك على النزاع القائم بينهما إذا وجد، ويطبق عليهما شريعة الزواج التى تم عليها لغلق باب تغيير الدين للتلاعب والهروب من حفظ الحقوق الأسرية.

حدد القانون موانع الزواج التى لا يجوز عقد الزواج بسببها بشكل واضح مثل: تحديد السن القانونية لمنع زواج القاصرات، والرضاء، ووجود موانع طبية مثبتة بتقارير طبية رسمية. وحدد أيضًا أسباب بطلان الزواج فى عدد من الحالات من أهمها: التلاعب فى السن القانونية لعقد الزواج، والغش فى إخفاء موانع طبية قبل الزواج على غرار الاضطراب النفسى أو ما يمنع الاتصال الجنسى.

خصص القانون حالات انتهاء الزواج حسب ما أقرته الطوائف المسيحية حيث حددت الكنيسة الأرثوذكسية الزنى الحكمى ضمن أسباب انتهاء الزواج، وأضافت الوسائل الإلكترونية للاتصال كدليل على حدوث الزنا، كما أضافت الشذوذ الجنسى.. ضمن الأسباب. وحددت الكنيسة الإنجيلية موضوع تغيير الدين. وأقرت الكنيسة الكاثوليكية مفهوم الانفصال «المفارقة الجسدية» للتعبير عن انتهاء الزواج.

وفى تقديرى، أنه من ضمن أهم إيجابيات هذا القانون هو تعامله مع قضية المواريث، ونصه على مساواة الرجل بالمرأة فى الميراث. وتطبيق الشريعة المسيحية فى المنازعات والقضايا المتعلقة بتوزيع الميراث بين المواطنين المسيحيين المصريين من طائفة وملة واحدة.

وفى مسألة «النفقة» تم النص عليها بشكل مفصل، وإضافة نفقات للمرأة لم يكن معمولًا بها من قبل. وهو ما يعنى المزيد من الحقوق والإنصاف للمرأة. كما أصبحت حضانة الأطفال أكثر تسهيلًا ويسرًا للطرفين.  

سلبيات أولية

من خلال القراءة السريعة للنقاشات الدائرة حول مسودة «قانون الأسرة للمسيحيين» يمكن رصد بعض السلبيات، على غرار عدم الاتفاق بين كل الطوائف المسيحية التى ينطبق عليها القانون على أسباب موحدة متفق عليها لطلاق المواطنين المسيحيين المصريين. وما يترتب على ذلك من أهمية معرفة السلطة القضائية بتفاصيل التباين بين الطوائف المسيحية فى أسباب الطلاق.

وأعتقد أنه من المفيد مراعاة التباين والتفاوت بين الكنائس المسيحية فى تحديد أسباب الطلاق حتى لا يتحول الأمر بينهم إلى شكل من أشكال المنافسة التى يمكن أن يتم توظيفها بشكل غير قانونى.  

 

سيناريوهات 

إصدار قانون الأسرة للمسيحيين لجميع الطوائف المسيحية المعترف بها حسب القانون المصرى هى خطوة غير مسبوقة.. تشكل اجتهادًا لاهوتيًا واجتماعيًا مسيحيًا يتواكب مع المنظومة القانونية للدولة المصرية. وبصدوره لن يكون هناك احتياج للمجلس الإكليريكى للأحوال الشخصية بشكله التقليدى القديم..

نقطة ومن أول السطر..

قطعًا.. صدور هذا القانون يرسخ الدولة المدنية التى تعلى من قيمة العقل المنهجى الذى يدعم كل ما يتعلق بحقوق المواطن المصرى.. لأنه سيكون الحاكم الفيصل. وبعد صدوره والممارسة العملية فى تنفيذه.. يمكن مراجعته لتطويره وتعديله.